الموحدون الدروز.. حالة خاصة في بلاد الشام (صور+ فيديو)
بيروت / الأناضول / بولا أسطيح - لا يتخطى عدد الموحدين الدروز، الذين ينتشرون بشكل خاص في بلاد الشام (لبنان وسوريا والأردن وفلسطين).

بيروت / الأناضول / بولا أسطيح - لا يتخطى عدد الموحدين الدروز، الذين ينتشرون بشكل خاص في بلاد الشام (لبنان وسوريا والأردن وفلسطين)، عتبة المليون، فيما تغيب الاحصاءات الخاصة بأعدادهم في بلاد المهجر.
والموحدون يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون؛ فهم يعتبرون القرآن الكريم كتابهم الأساسي، إلا أنهم، وفي بداية القرن الحادي عشر الميلادي، ومن القاهرة، انطلقوا بمذهب جديد على أيدي أئمة فاطميين.. يقوم على الإسلام كقاعدة أساسية، وعلى الايمان والاجتهاد، ويتأثر بالفلسفة والتصوف.
ويقول الشيخ سامي أبي المنى، الأمين العام لـ"مؤسسة العرفان التوحيدية" (مؤسسة إنسانية تربوية اجتماعية درزية)، رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في لبنان: "ما يميزنا عن بقية المسلمين هو سعينا للتعمق في الكتاب (القرآن الكريم)، وبمعنى الآية القرآنية والفرائض، وفهم الدين، وبمقاربتنا لأمور المجتمع والأمور الشرعية بطريقة مختلفة، فعند الموحدين، وعلى سبيل المثال، لا يُسمح بتعدد الزوجات، كما أن العصمة في موضوع الطلاق هي بيد الزوجين، وليس الزوج وحده".
ويقوم مذهب الموحدين الدروز على مبدأ التصوف، فتُقام الصلوات في مجالس أو خلوات، وهي عادةً تكون أماكن متواضعة لممارسة العبادة.
ويوضح الشيخ أبي المنى، في حديث لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء، أنه "في كل قرية درزية يوجد مجلس للتعبد واقامة الصلاة.. وفي كل منطقة درزية خلوات إما صغيرة أو كبيرة".
ويضيف أنه في الخلوة الصغيرة الخاصة، والتي هي أشبه بالصومعة، يختلي الشيخ المتعبّد بنفسه، فينقطع عن الناس لفترةٍ محددة؛ ليتعمّق أكثر في معاني الكتاب، وليمارس العبادة والاتصال بالله عن طريق المناجاة والدعاء والابتهال والتلاوة المباركة. فيما يجتمع في الخلوات الكبرى الشيوخ الموحدون لممارسة العبادة وللمذاكرة الدينية، حيث يستفيدون من خبرات بعضهم البعض."
ويُعرف عن الموحدين الدروز أنّهم يمارسون عبادتهم في تكتم وسرية، ويتردد أن عندهم كتاب عن "الحكمة"، يرفضون تعميمه أو الكشف عن محتوياته.
وعن هذا يقول الشيخ أبو المنى: "ما يُحكى عن السرية ما هو إلا نوع من الارتقاء في مفهوم العبادة، بحيث تصبح علاقتك مع الله وكأنّك تراه، وهذا يقتضي نوعا من التقية، وبالتالي ليس كل ما يُعرف يُقال أو كل اختبار يقوم به شيخ أو موحد يجب أن يعرفه الجميع."
ويضيف الشيخ، الذي يدير إحدى أكبر المؤسسات الدرزية في لبنان: "لا يمكن للجميع أن يتساووا في معنى هذا الارتقاء وفهم الدين.. فليس المهم أن تعلم الشيء، بل المهم أن تصل للحكمة من خلال علمك ومعرفتك، وهذه هي الحكمة التي يظن البعض أنّها موجودة في كتاب... وهي ليست كذلك."
وفي لبنان ينتشر الموحدون بشكل خاص في منطقة الجبل اللبناني، وبالتحديد في جبل لبنان الجنوبي، ولاسيما في مناطق الشوف، عاليه، المتن، كما في وادي التيم، راشيا وحاصبيا (البقاع وجنوب لبنان)، فيما تنتشر أقلية منهم في العاصمة بيروت.
ويُعد الدروز أقلية في لبنان مقارنة بباقي الطوائف، إذ لا يتجاوزون الـ8% من مجمل المجتمع اللبناني (حوالي 4.2 مليون نسمة) الذي يتوزع، وبشكل اساسي ما بين سنة، شيعة، ومسيحيين.
وبحسب الشيخ أبو المنى، دخل الموحدون الدروز لبنان في القرن الثامن ميلادي كقبائل عربية عريقة، وكانوا من السنة أو الشيعة، وقد انتُدبوا من الحكام لمهمة اساسية هي الدفاع عن ثغور ومداخل الشرق العربي الاسلامي، وبعدها استقروا في لبنان، وبنوا دولتهم، التي استمرت أكثر من 400 عام تحت الحكم العثماني حتى القرن التاسع عشر.
ويتميز المجتمع الدرزي بأنّه المجتمع الوحيد في لبنان الذي تمكن من الحفاظ على تقاليده وزيّه الذي هو بالأصل زي عربي ولبناني تقليدي، مؤلف من "الشروال العثماني الأسود" (سروال واسع من فوق يضيق عند الساق أو عند الكاحل)، مع قميص أسود وعباءة وعمامة للرجل، فيما ترتدي المرأة الدرزية ثوبا أسود فضفاض ومنديلاً أبيض تلف به رأسها ويغطّي كتفها. وينتشر الزي التقليدي حتى بين صغار الموحدين الدروز، الذين يصرّ أهلُهم على ارتدائه حتى في مدارسهم.
ولا يُنكر الشيخ أبو المنى أن الموحدين الدروز يفضلون الانغلاق على بعضهم البعض في مناطقهم، ويعتبر ذلك إحدى ميزاتهم، ويقول: "لا نقبل بالزواج من خارج الطائفة، حفاظا على هذه اللحمة والتماسك الاجتماعي، ويصح هنا تشبيه المرجع الروحي للموحدين الدروز، الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين على، للدروز بخلية تعمل بجد واجتهاد تماما كالنحل، لا يعتدون على احد، ولكنهم يواجهون المعتدي بكل قوّةٍ حتى ولو أدّى ذلك إلى موتهم."
وفي منطقة بعقلين في جبل لبنان المعروفة على أنّها منطقة درزية، يتوافد الموحدون لزيارة ضريح المرجع الروحي للموحدين الدروز، الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين، الذي توفي العام الماضي عن عمر يناهز الـ96 سنة. وقد تم تحويل المنزل الذي كان يسكنه الى مزار، حيث وري الثرى، وحيث يأتي الموحدون ليتباركوا ويصلوا.
ويشتهر المجتمع الدرزي بتقاليدَ اجتماعية في أفراحهم وأتراحهم وكافة مناحي حياتهم العائلية وعلاقاتهم وحفاظهم على القيم الاجتماعية والعربية.
ومن هذه المظاهر عادة شرب "المتة"، وهي عشبة تستخرج من شجرة "المتة" الخضراء المتواجدة في بلاد أمريكا الجنوبية، وقد نقل الموحدون الدروز عادة تناولها من تلك البلاد الى لبنان وسوريا وفلسطين، بحيث بات اسمها مرتبطا بالمجتمع الدرزي.
ولشراب "المتة" كوبه الخاص، ويتم تناقل هذا الكوب من شخص إلى آخر، باعتبار انّه يتم تناول هذا المشروب الساخن ضمن مجموعة. ومن فوائد هذا المشروب تسهيل عملية الهضم وتهدئة الاعصاب وجمع الناس حوله في ألفةٍ ومحبة، ما يردد الذروز الموحدون.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.