الحرف اليدوية المغربية.. بطاقة تعريف "مهددة"
تعرف فاس بدباغة الجلود وآسفي بصناعة الخزف ومراكش بصياغة الفضة، ويخشى أصحابها على ضياع هذه الحرف مع قلة الإقبال عليها

الرباط– الأناضول
سارة آيت خرصة
هي بطاقة تعريف كل مدينة مغربية تشتهر بها، ترسم لها هويتها الخاصة، وتتضافر هذه الهويات لترسم الهوية المغربية التراثية المميزة، وشبح اندثارها يؤرق أصحابها أكثر مما يؤرقهم قلة عائدها المادي في ظل الأزمات الاقتصادية والأوضاع المحيطة.
والصناعات الحرفية التقليدية، كدباغة الجلود، والمشغولات الفضية، والخزف، تتوزع في دكاكين صغيرة توجد بالمدن العتيقة، أقام فيها أصحابها ورشًا لعدد لهذه الصناعات التي يشتهر بها المغرب، فكما أنها مصدر دخل رئيسي لعدد من الأسر، فهي كذلك قوام اقتصاد عدد من المدن المغربية التي يعتمد دخلها بشكل كلي على السياحة وعلى إقبال السياح الأجانب على ما ينتجه أهلها.
في أحد الدكاكين في زقاق عتيق بالعاصمة الرباط، ينحني على وهو يطرز بعناية قطعة جلدية، يشذب قطعا أخرى بسرعة ومهارة، يتأمل ألوان رسومه المرسومة على الجلد، ويبدو مطمئنا لنتيجة يوم طويل من العمل في الورشة، يبدأ في الصباح الباكر ولا ينتهي إلا في وقت متأخر.
وطول اليوم ليس لأن درجة الإقبال على المنتجات عالية، بل لأن الحرفة صعبة وتتطلب مراسا وصبرا"، بحسب ما يقول سعيد (31 سنة)، العامل في أحد محال صناعة الجلد بالرباط لـ"الأناضول".
وترسم كل صناعة تقليدية لكل مدينة مغربية تتميز بها هوية خاصة، تعد بمثابة بطاقة تعريف لها، تثري الصورة والذاكرة التراثية المغربية، فأهل فاس، شمال غرب البلاد، مثلا مشهورون بالدباغة، وأهل آسفي، وسط، بصناعة الخزف، و أهل مراكش، جنوب، بصياغة الفضة.
وفي إحدى الورش، يقف المعلم علي ( 70 سنة) بتجاعيده البارزة والسواد الذي يصبغ أسفل عينيه، ممسكا بمقص يقطع به قطع الجلد، ترتعش يداه، وتفسد القطعة، ويكرر المحاولة مرة ثانية.
ويقول لـ"الأناضول": "منذ أكثر من 40 عاما وأنا أعمل في هذا الدكان، علمت عدد من الحرفيين أصول المهنة، ولكن للأسف الرعيل الأول من الحرفيين هم ذوو الخبرة والاتقان.. وعدد من الحرف التقليدية مهددة بالانقراض حال غيابهم".
ويعمل مع المعلم علي في الورشة حفيداه اللذان اختارا أن يمتهنا ذات الحرفة، ويقول إنه على الرغم من الدخل الضعيف لهذه المهنة ولكنه شجعهما على تعلم أصولها حتى لا يضيع تراثها العريق ويندثر معه جزء من تاريخ المغرب.
وكان وزير الصناعة التقليدية، عبد الصمد قيوح، قام بزيارة أواخر السنة الماضية مع رجال أعمال مغاربة لعدد من دول الخليج العربي بهدف الترويج للصناعات التقليدية المغربية والبحث عن سوق جديدة بعد أن انعكست الأزمة الاقتصادية في أوروبا على حجم إقبال السائحين الأوروبيين على هذه الصناعات.
وتقول الحكومة المغربية إنها تعمل على إنعاش قطاع الصناعة التقليدية الذي يشغل حسب آخر إحصاءات رسمية ما يقدر ب 1.2 مليون صانع، ووضعت الدولة استراتيجية في أفق سنة 2015، تهدف إلى دعم العاملين بالقطاع ومساعدتهم على التعريف بمنتوجاتهم وتسويقها، إلى جانب دعم خلق مقاولات صغيرة أو متوسطة، في خطوة لتنظيم العاملين وخلق تنافسية أكبر للمنتوج التقليدي المغربي في الخارج.
وفي زاوية معزولة، وعلى ضوء شحيح، يواصل المعلم عبد الصمد عمله لوقت متأخر من الليل.
ويقول لـ"الأناضول" إن الصناعة التقليدية بالنسبة إليه، ليست فقط مصدرا للرزق يصارع من أجله إلى ساعات الصبح الأولى، ولكن هواية يمارسها بكل حب وتفان، فحين ينتهي من تزيين قطع الجلد -على ما يقول – لا يقدر الثمن الذي سيبيعها به في الغد، بل يغمر قلبه فرحة عارمة.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.