"الإسلاميون التقدميون" بمصر: نتوقع صدامًا فكريًا مع الإخوان والسلفيين
أدهم العلي، المتحدث الرسمي باسم الحركة، قال إن "الفكر اليساري جزء أصيل من الدين الإسلامي"
علي عبد العال
القاهرة - الأناضول
قال أدهم العلي، المتحدث الرسمي باسم حركة "الإسلاميون التقدميون"، إنهم يهدفون إلى تطبيق مبادئ اليسار الإسلامي في صورة عصرية، متوقعًا صدامًا فكريًا مع التيارات الإسلامية الأخرى من الإخوان والسلفيين.
وأوضح العلي في تصريحات لمراسل وكالة الأناضول للأنباء: "لا نهدف إلى المزج بين الدين والسياسة بقدر ما نهدف إلى تقديم رؤية عصرية للإسلام سياسيًا واجتماعيًا من خلال تطبيق مبادئ الاشتراكية القائمة على العدالة الاجتماعية وحق الفقراء في المأكل والمشرب والعمل".
وأفاد بأن "الحركة تستمد أطرها الفكرية من مؤلفات وأطروحات المفكر حسن حنفي الذي يُعد الأب الروحي لها".
وأعلنت مجموعة من الشباب المنتمين إلى بعض الحركات الاحتجاجية التي ظهرت على إثر أحداث ثورة الـ25 من يناير في مصر عن إعلان حركة جديدة بالإسكندرية تحت اسم "الإسلاميون التقدميون" ترتكز على عدد من الشعارات مثل: "عدالة اجتماعية ـ فهم معاصر ـ مدنية ديمقراطية ـ من أجل الفقراء والمهمشين".
وجاء في البيان التأسيسي للحركة التي أعلنت عن نفسها أواخر شهر أغسطس الماضي: "إننا متفهمون للفكر الإسلامي بمنهج واقعي وتحديثي لا يرفض التفسير المادي للواقع". وأيضًا "راغبون بأن يزول الصراع التاريخي وأن يتم تقريب الأفكار والمناهج بين اليسار واليمين على أيدى شباب الحركة".
ويأتي على رأس أهداف الحركة "توفير الدولة الموارد للاهتمام بالفقراء واليتامى، وذوي الاحتياجات الخاصة، والعمال الكادحين حتى يعيشوا بعدالة ومساواة".
وأكد أعضاء الحركة أنهم سيعملون "للضغط من أجل عدم استغلال الطبقة الغنية لموارد الدولة والاستفادة منها دون الفقراء"، بحسب البيان التأسيسي.
وظهر "الإسلاميون التقدميون" كفصيل إسلامي في بعض البلدان العربية والإسلامية كنواة لما صار يُعرف بعد ذلك بـ "اليسار الإسلامي"، وهو محاولة قام بها عبر العقود القليلة الماضية بعض الكتاب والمثقفين العرب تهدف إلى التوفيق بين الاشتراكية والإسلام وأيضًا بين الماركسية والإسلام أو تطبيق المنهج الماركسي في مجال الدراسات الإسلامية.
ومن بين هؤلاء أستاذ الفلسفة وصاحب الآراء المثيرة للجدل في مصر حسن حنفي، الذي يصف "الإسلاميون التقدميون" بأنه "التيار القادر على التحوّل من المحافظة التاريخية إلى التقدمية العصرية مع الالتزام بالفكر الإسلامي بمنهج واقعي وتحديثي، ولا يرفض التفسير المادي للواقع، بل يربطه بالتفسير الديني للأحداث المجتمعية".
وفي تونس ظهروا كتيار على هامش الحركة الإسلامية منذ نهاية السبعينيات إلى أن اختلفوا معها، وكان من أبرز قياداتهم الكاتب صلاح الدين الجورشي وأحميدة النيفر، الذين أسسوا منتديات وجمعيات وأصدروا عددًا من الصحف والمجلات.
وفي إيران جسَّد هذا التوجه المفكر المعروف علي شريعتي، الذي حاول التوفيق بين علاقة الانتماء المذهبي (الشيعي) للأمة الإيرانية والمقولات اليسارية عامة والماركسية خاصة، والتي سادت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وفي السودان ظهر "الحزب الاشتراكي الإسلامي" الذي حدد أسسه الفكرية فيما يصفه بـ"الطرح التبشيري الثوري للإسلام" إلى جانب القومية والاشتراكية.
ويرى "الإسلاميون التقدميون" أنهم جزء من "وسط اليسار" وهو مصطلح يشير إلى تموقع وسطي بين طرفين في التوجه اليساري المعروف، ولهم مواقف من بعض القضايا العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تنبع من توجههم لإعادة تفسير أحكام الإسلام بشكل آخر يختلف عما هو متعارف عليه في مباحث العقائد الإسلامية، كما يركز هذا التيار على العقل أكثر من تركيزه على النص في فهم الدين.
وعلى هذا الأساس يتوقع المتحدث الرسمي باسم "الإسلاميون التقدميون" في مصر: "حدوث صدام فكرى بين الحركة وبين التيارات الإسلامية الأخرى خاصة التيار السلفي لاسيما أن أفكار الحركة ربما تتصادم مع ثوابت هذه التيارات"، مؤكدًا أن "الإسلام ليس حكرًا على الإخوان المسلمين أو السلفيين".
وهو يرى: أن "الفكر اليساري جزء أصيل من الدين الإسلامي"، ويعتقد بأن "ثورة يناير حتى الآن هي ثورة صغرى أسقطت نظام حكم إلا أنها لم ترتقِ إلى الثورة الكبرى التي تشمل تغييرات جذرية في المجتمع".
ويعد النشاط الثقافي الأطروحة الأكبر في فكر التقدميين ويجعلونه على رأس أولوياتهم، "فالمعارك أساسًا في الثقافة وداخل وعي الأمة الحضاري"، على حد قول الدكتور حسن حنفي في افتتاحية لمجلة "اليسار الإسلامي".
ويتبنى هؤلاء منحى جديدًا لثورتهم الثقافية من خلال فهم جديد للدين بعيدًا عن الثوابت، إذ يحدد التقدميون منهجهم في التجديد الثقافي باعتماد العقل وسيلة وحيدة في فهم النصوص الإسلامية.
وفي تونس يلخص "الإسلاميون التقدميون" رؤيتهم في عدد من النقاط، أهمها:
ـ تعدد القراءات للإسلام والقرآن.
- رفض السلفية كمنهج لفهم الدين وكأسلوب للتعامل مع الواقع والنظر إلى التاريخ.
- اعتبار الفكر الإنساني وبالخصوص جوانبه التقدمية تراثًا لهم.
- الفصل بين الدين والدولة مع ضرورة أن تعمل الأحزاب الإسلامية بعيدًا عن جهاز الدولة.
ويتعرض تيار اليسار الإسلامي منذ ظهوره للنقد من جهات عدة، حيث اعترض عليه عدد من الكتاب باعتباره محاولة فاشلة للتوفيق - أو التلفيق - بين الماركسية والإسلام، وعلى رأس هؤلاء المفكر المصري الراحل الدكتور مصطفى محمود في كتابه (أكذوبة اليسار الإسلامي) الذي صدر عام 1978م، وأيضًا الكاتب التونسي محسن ألميلي في كتابه (ظاهرة اليسار الإسلامي) الصادر في أكتوبر 1983، وعبد السلام البسيوني في كتابه (اليسار الإسلامي خنجر في ظهر الإسلام)، ويذهب هؤلاء إلى أن اليسار الإسلامي تيار تغريبي يقلد "لاهوت التحرير" في المسيحية. لكن يرد حسن حنفي على هذا الاعتراض بقوله (إن اليسار الإسلامي استئناف لحركات الإصلاح التي أسسها الأفغاني وإقبال).
ومن بين من وجهوا انتقادات لأصحاب هذا الفكر الدكتور عصمت سيف الدولة، الذي يرى أن التيار الاشتراكي الإسلامى لم يكن "اجتهادًا في الفكر الإسلامى أو الاشتراكي" بل رد فعل للفكر الماركسي، حيث يقول في كتابه (نظريه الثورة العربية، ج 2): "ودخلت ساحة الحوار حول الاشتراكية جماعة من المثقفين في الدين، تحاول إرجاع المقولات في الفكر الاشتراكي إلى منطلقات دينية، فأنشأت بدخولها تيارًا يحمل شعار اشتراكية الإسلام أو الاشتراكية الإسلامية، وهو تيار لم يولد أصلاً، بمعنى أنه لم يكن اجتهادًا في الفكر الإسلامى، ينميه ويضيف إليه ليواجه مشكلات الحياة في هذا العصر، بل كان دفعًا للفكر الماركسي ودفاعًا ضد منطلقاته المادية، فتحددت طبيعته منذ مولده، فهو ليس اجتهادًا مبدعًا في النظام الاشتراكي، بل هو حوار معاد في الفلسفة الميتافيزيقية".
ويرى هؤلاء المنتقدون أن تجربة الإسلاميين التقدميين عاشت دون أن تجد قبولاً من جموع المسلمين، بل بقيت نبتًا غريبًا وانتهت إلى مجموعة من البحوث والنقاشات والأوراق التاريخية في أرفف المكتبات، ولم يكتب لها أن تستمر في وعي الجماهير المسلمة بسبب خروجها على الثوابت والأصول المعتمدة لديها.
فيرى د. نصر حامد أبو زيد الذي انتقد خطاب اليسار الإسلامي عند حسن حنفي معتبرًا إرهاصاته تمثل امتدادًا للتأويل العقلاني للإسلام الذي طرحه كل من الأفغاني ومحمد عبده استنادًا إلى التراث العقلاني للمعتزلة وابن رشد. يرى أن هذا التيار لم يدم طويلاً، وظل على هامش الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة بوجه عام وعلى هامش الفكر الديني بوجه خاص.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
