تونس والاتحاد الأوروبي.. توترات لا تضر المصالح (تقرير)
ـ البرلمان الأوروبي وجه مؤخرا انتقادات مباشرة للحكومة التونسية بشأن الوضع الحقوقي في البلاد وهو ما رفضه الرئيس قيس سعيد واعتبره "تدخلا سافرا في السيادة الوطنية"
Tunisia
تونس / عادل الثابتي / الأناضول
ـ البرلمان الأوروبي وجه مؤخرا انتقادات مباشرة للحكومة التونسية بشأن الوضع الحقوقي في البلاد وهو ما رفضه الرئيس قيس سعيد واعتبره "تدخلا سافرا في السيادة الوطنية"ـ الخبير السياسي عبد الرزاق الخلولي: موقف رئيس الجمهورية سليم لأنه يجب ألا نترك الأجنبي يستغل وجوده في تونس للتدخل في شؤوننا الداخلية
ـ الأكاديمي طارق الكحلاوي: سياسة الاتحاد التنفيذية تقوم على التعاون والتنسيق، لكن هناك أحزاب بالبرلمان الأوروبي تركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويجب عدم الخلط بينهما
رغم انتقادات البرلمان الأوروبي الأخيرة لأوضاع حقوق الإنسان في تونس على خلفية استمرار حبس ناشطين وسياسيين معارضين وصحفيين، يقلل خبراء من تأثير ذلك على العلاقات بين الجانبين اللذين تحكمها المصالح بالدرجة الأولى.
وفي توافق مع اتهامات أحزاب المعارضة للسلطات، وجّه البرلمان الأوروبي مرارا انتقادات مباشرة للحكومة التونسية بشأن الوضع الحقوقي في البلاد، أحدثها في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو ما يرفضه الرئيس قيس سعيد ويعتبره "تدخلا سافرا في السيادة الوطنية"، وفق بيان لرئاسة الجمهورية.
ويتهم الاتحاد الأوروبي السلطات في تونس بالحد من حريات التعبير، والتدخل في القضاء، والاعتقالات السياسية، وفق تقارير منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمة العفو الدولية "أمنستي"، ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
في مقابل ذلك، نرى تعاونا أوروبيا مع تونس في المجال الاقتصادي ومكافحة الهجرة غير القانونية مثلا، رغم اتهامها بانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين من قبيل طرد جماعي وتعذيب واعتداءات عنصرية، خاصة ضد القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وبدأ سعيّد، في 25 يوليو/ تموز 2021 فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية تلك الإجراءات "تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.
أما سعيّد فيقول إن القضاء في تونس "مستقل"، بينما تتهمه المعارضة باعتقال معارضين واستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءاته الاستثنائية.
** موقف سليم
الخبير السياسي عبد الرزاق الخلولي قال إنه "من حيث المبدأ نرى أن موقف رئيس الجمهورية سليم، لأنه يجب ألا نترك الأجنبي، سواء كان دبلوماسيا أو غير ذلك، يستغل وجوده في تونس للتدخل في شؤوننا الداخلية ويحشر نفسه في مشاكل تخص التونسيين".
وأضاف الخبير التونسي في حديث للأناضول: "ندعم ونساند مثل هذه المواقف التي تركز على السيادة وحماية المواقف الوطنية".
وتابع: "دول الاتحاد الأوروبي استغلت اتفاق الشراكة لعام 1995 على أساس أن لأوروبا نصيب الأسد في صلاحيات الاتفاق ورفع الرسوم الجمركية".
وأوضح أن في الاتفاق "فصولا يمكن للاتحاد الأوروبي عبرها التدخل في مسائل أخرى إضافة إلى الاقتصاد، فيتدخل في الخيارات الوطنية مثل الحريات والديمقراطية، ولكن هذا ليس من مهامه"، دون مزيد توضيح.
واعتبر الخلولي أن "الاتحاد الأوروبي يستغل هذه المسائل للضغط على الحكومة والسلطة التنفيذية، وفي كل مرة يشعر فيها بتضرر مصالحه، يُخرج ورقة الحريات والاستبداد".
وفي 17 يوليو/ تموز 1995 وقعت تونس والاتحاد الأوروبي "اتفاقية الشراكة"، ودخلت حيز التنفيذ مطلع مارس/ آذار 1998، واحتوت على هدف مهم وهو إنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين.
** مذكرة تفاهم عام 2023 "غير ملزمة"
وبعد لقاءات ومباحثات متكررة، وقعت تونس والاتحاد الأوروبي في 16 يوليو 2023 مذكرة تفاهم بشأن "شراكة استراتيجية شاملة" في عدة مجالات، بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية والزراعة والطاقة والانتقال الرقمي.
وتعليقا على تلك المذكرة، قال الخلولي: "المذكرة مجرد وعود وتصورات للمستقبل، وفيها التزامات متبادلة، ولا تعتبر اتفاقية بل مذكرة تفاهم غير ملزمة".
وأضاف أن "المذكرة تعطلت في الطريق، وإلى الآن لا نعرف هل سينتج عنها اتفاق مثلما حصل عام 1995 أم لا؟".
** فروقات العمل البرلماني والحكومي
وأشار الخلولي إلى ضرورة التفريق بين عمل البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، قائلا إن "عمل البرلمان لا يلزم المفوضية الأوروبية، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي".
وزاد: "لا بد من الفصل والتمييز بين العمل البرلماني والعمل الحكومي، لأن العمل البرلماني مجرد توصيات واقتراحات".
وأكمل: "البرلمان الأوروبي يعتبر تونس شريكا استراتيجيا، ونحن نعتبره كذلك، حيث نُجري 80 بالمئة من المبادلات التجارية الخارجية معه".
ورأى أن "البرلمان الأوروبي لا يخلو من أجندات ولوبيات (قوى ضغط) ومواقف تتناقض أحيانا، فمرة يقولون إن تونس شريك محترم لا بد من دعمه ومساندته في التحول الديمقراطي، ومرة أخرى يقولون إن توسن بها قمع واستبداد".
وذكر أن "المفوضية الأوروبية ترى أنه لا بد من مواصلة العلاقات مع قيس سعيد بما يتماشى مع مصالح الاتحاد، خاصة أن أوروبا تعاني صعوبات اقتصادية في مجال الطاقة، فعندما تقطع عنها روسيا الغاز تتوجه إلى تونس للحصول على بدائل".
وفيما يعتبر دور تونس في توفير بدائل مباشرة للغاز الروسي محدودا حاليا، كونها مستوردة (غير منتجة) للغاز وتقتصر مساهمتها على عبور الغاز الجزائري عبرها نحو أوروبا، فإنها تعد "شريكا استراتيجيا بارزا" وفق خبراء.
ومن البدائل المستقبلية التي تقدمها لتنويع مصادر الطاقة الأوروبية، تركيزها على الطاقة النظيفة من خلال تصدير الكهرباء المتجددة، والهيدروجين الأخضر في إطار شراكات مدعومة أوروبيا.
بدوره، شدد المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الأكاديمي طارق الكحلاوي، على أهمية التفريق بين عمل الاتحاد والمفوضية الأوروبية.
وقال الكحلاوي للأناضول إن "البرلمان الأوروبي فيه أحزاب سياسية ليست بالضرورة مؤثرة في المفوضية".
وأضاف: "سياسة الاتحاد التنفيذية تقوم على التعاون والتنسيق، ولكن هناك أحزاب محسوبة على اليسار الأوروبي مثل حزب الخضر، ولها مواقف نقدية تركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويجب عدم الخلط بينهما".
** "خلط غير مقصود"
ولفت الكحلاوي إلى أن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق "أليكا" لعام 2019 لا تزال "معلقة"، موضحا أن المفاوضات قبل التوصل إلى الاتفاقية كانت تجري بين الاتحاد الأوروبي من جهة، والحكومة التونسية ومنظمة الأعراف (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) واتحاد الشغل، من جهة أخرى.
واستطرد: "يبدو أن المفاوضات معطلة بين الحكومة والاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق الأليكا، ولذلك أراد الاتحاد بلقاءاته الأخيرة أخذ رأي اتحاد الشغل (أكبر نقابة بتونس) ومنظمة الأعراف في الموضوع".
ومضى قائلا: "المسألة لا علاقة لها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن تزامنا مع لقاءات الاتحاد جاء بيان البرلمان الأوروبي، ومن هنا حصل الخلط بين الأمور".
ومستدلا على رأيه زاد: "لفهم أن هذا هو الوضع نرى أن حكومات الدول الأوروبية، إما فُرادى أوعن طريق الاتحاد، لم تعد تصدر بيانات بشأن وضع حقوق الإنسان والديمقراطية في تونس".
و"الأليكا" مشروع اتفاقية عرضها الاتحاد الأوروبي على تونس وأطلق عليها "اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق"، وتهدف إلى توسيع نطاق التبادل التجاري بين الجانبين، لكن التزاماتها تفوق التزامات اتفاق الشراكة الثنائية لعام 1995.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
