حماس بين ميثاقها ووثيقتها السياسية (مقال رأي)
للكاتب والباحث الفلسطيني معين نعيم
Istanbul
اسطنبول / الأناضول
في آخر أيامه في منصبه كرئيس للمكتب السياسي لحماس، وقبل تسليم صلاحياته لرئيسها الجديد الذي سيعلن عنه قريبا، عقد خالد مشعل مؤتمرا صحفيا في العاصمة القطرية الدوحة، أعلن فيه عن وثيقة حماس الساسية والتي عرف أنها نتاج جهود وحوارات مطولة داخل حماس. واشتلمت الوثيقة عَلى توضيحات وتأكيدات على موقف حماس من العديد من القضايا الحساسة في الشأن الفلسطيني.
تباينت ردات الفعل حول الوثيقة حتى قبل الإعلان عنها بين أنصار وحلفاء مؤيدين وخصوم سياسيين واحتلال صهيوني معترضين ومتهمين رغم اختلاف التهم والادعاءات لكل من الفريقين المخالفين وطرف ثالث بين مستقلين ومناصرين يغلب عليهم التخوف والتردد في الموقف بين التأييد.
ويرجعون هذا التردد في الموقف إلى التخوف من أن تكون الوثيقة بداية انزلاق لحماس على طريق التنازلات والتراجع عن المباديء وتلتحق بركب حركة فتح التي بدأ عرفات طريق التنازلات فيها في السبعينيات فانتهت إلى سلطة تنسيق أمني وتعاون على الاحتلال ضد المقاومة بعد أن كانت رائد المقاومة الفلسطينية لعقود.
المهاجمون للوثيقة يتوزعون بين الفلسطينيين المعارضين لحماس أو المنافسين لها سياسيا، على رأسهم قيادات وكتاب حركة فتح غالبا، وبين القيادات الصهيونية السياسية والأمنية.
أنصار وقيادات حركة فتح يعتبرون أن هذه الوثيقة هي تنازل عن فلسطين التاريخية من قبل حماس ( والذي فعلته فتح من حوالي ربع قرن) ويتهمون حماس بالسعي لأخذ موقع فتح في المجتمع الدولي والسيطرة على القرار الفلسطيني - كما تفعل فتح منذ أكثر من أربعين سنة - أما الاحتلال الصهيوني فيخشون من أن تجد المبادرة السياسية التي تطلقها حماس عبر الوثيقة طريقها لكسر الطوق الدولي المفروض عليها حتى على صعيد الحوارات المعلنة في ظل وصمها بالإرهاب على صعيد أوروبا والولايات المتحدة وبسبب إعلانها في ميثاقها السابق عن أنها ذراع الإخوان المسلمين في فلسطين مما يعيق التواصل والتقارب معها من قبل بعض الأنظمة الرافضة للربيع العربي.
وبهذه الوثيقة تستخدم حماس الألفاظ السياسية الانتقائية والتي توفر غطاء لمن يرغب بالتواصل مع حماس ويشعر بحرج من ذلك للأسباب السابقة.
ومن وجهة نظري ومن المحتوى الذي أعلن للوثيقة فإنها لم تتجاوز إعادة صياغة لمواقف حماس السابقة ومبادئها المعروفة بلغة أكثر سياسية وحنكة وهذه المواقف كانت قد أقرت بها وصرحت بها قيادات الحركة التاريخية عَلى رأسهم أحمد ياسين وقبلت بها حماس في وثائق فلسطينية مشتركة مع حركة فتح والفصائل الأخرى ومن قراءة الوثيقة يمكن فهم التالي؛
1) القبول بحل توافقي فلسطيني مؤقت وليس بطلب من حماس يضمن دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراض 67 كأراضي فلسطينية مع هدنة وتحقيق شروط العودة لكل اللاجئين وفي المقابل لا اعتراف بحق الكيان الصهيوني بالوجود وهو الأمر الذي أعلنت عنه حماس عدة مرات منذ الشيخ أحمد ياسين حتى اليوم مرارا وتكرارا
2) تصحيح اللبس الوارد في الميثاق و في تصريحات قديمة حول العداء لليهود بأن العداء هو للمحتل الصهيوني لفعله الإجرامي لا لدينه وعقيدته .. فلا عداء لحماس مع اليهود في أي مكان في العالم لدينهم وهو الموقف الفعلي لحماس وما فعلته هو تصحيح لموقف وتخليص حماس من تبعات الموقف السابق على الصعيد القانوني العالمي ونفي صفة العداء للسامية التهمة التي قد تشكل حاجزا كبيرا بين حماس والشعوب في الغرب من قبل.
3) الارتباط بالإخوان المسلمين في الميثاق كان يشكل بالنسبة لحماس خاصة بعد الثورة المضادة التي أطاحت بالموجة الأولى للربيع العربي، معضلة على صعيد التواصل مع الأنظمة في المنطقة ويضعها في قفص الاتهام في ظل العداء الشديد للإخوان الذي يجتاح الأنظمة العربية.
وبهذا التعديل في الوثيقة الذي أكد على استقلالية الحركة، مع التركيز على هويتها الاسلامية وفهمها الوسطي للإسلام، تنزع حجة في عداءها من يد الخصوم . فسحبت من النص الارتباط العضوي مع الإخوان رغم أن هذا الارتباط هو ارتباط معنوي فكري في الأصل لكن التصريح به كان له بعد معنوي ... وفي النص الجديد هناك جملة عامة لا تنفي ولا تؤكد الارتباط التنظيمي بالتنظيم الإخواني وتركز على وطنية وفلسطينية الحركة مع الحفاظ على هويتها الفكرية الإسلامية ..
4) الحديث عن التعددية وتقبل الآخر مهم اختلف فكريا هو أمر لا ترفضه حماس فكريا ولا عمليا بل وهو مطلبها الذي ترفضه بعض القوى التي تسمى وطنية أو ليبرالية فلسطينية وتمارس التمييز التعسفي ضد حماس بسبب مواقفها الفكرية والسياسية ..
وبهذا يمكن أن نقول أن حماس وبعد خوضها التجارب ونضوجها السياسي استطاعت أن تصيغ أفكارها ورؤاها بلغة أكثر سياسية وحنكة تمنعها من دفع أثمان باهظة دون فائدة .
-----------------------
* مقالات الرأي المنشورة على وكالة الأناضول لا تعبر بالضرورة عن السياسة التحريرية للوكالة
