دولي

تسريبات "سنودن".. رحلات تجسّس وجهتها الحلفاء

وثائق مسرّبة من قبل عميل الإستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن

Leila Thabti  | 09.12.2016 - محدث : 09.12.2016
تسريبات "سنودن".. رحلات تجسّس وجهتها الحلفاء

Tunisia

ليلى الثابتي/ الأناضول

الجديد في المعلومات التي كشفت عنها الوثائق المسرّبة من قبل عميل الإستخبارات الأمريكية السابق، إدوارد سنودن، لا يكمن فقط في إزاحة الستار عن التجسّس الأمريكي- البريطاني على الإتصالات الهاتفية على متن الطائرات، وإنما في الحكومات المستهدفة بالتنصّت.

وتأتي هذه المعطيات الجديدة في إطار تحقيق لصحيفة "لوموند" الفرنسية، والتي تعمل بالتعاون مع موقع "ذو انترسابت" للمعلومات، لمؤسسيه غلين غرينوالد ولورا بواترا، وهما اثنان من الصحفيين الذين تلقوا مباشرة الوثائق من سنودن.

وتبرّر الصحيفة نشر تحقيقها قبل يومين مع أن التسريب حصل منذ 2013، بأن كمّ المعطيات المخزنة كان هائلا بشكل يفرض العمل عليها على أجزاء، إضافة إلى أن بناء علاقة ثقة مع الصحفيين صاحبي الوثائق الأصلية يتطلّب وقت، دون إغفال ما يتطلبه أيضا العمل على معطيات تقنية معقدة من وقت.

** تجسّس على إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية

مع أن إسرائيل ترتبط، رسميا، مع وكالة الأمن القومي الأمريكية والاستخبارات البريطانية بعلاقة تحالف "مقدّسة" وقوية بحكم التحدّيات الجسيمة المطروحة عليها، وباعتبار "التميّز" الإسرائيلي في مجال التجسس عموما، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، إلا أن ذلك لم يمنع استهدافها بالتنصّت.

شراكة فريدة من نوعها، غير أن تسريبات سنودن كشفت جانبها المظلم، وذلك في إطار تحقيق للصحيفة، استنادا إلى الوثائق المسربة، كشفت أن واشنطن ولندن، تجسستا لسنوات، على الدبلوماسية الإسرائيلية سواء في القدس أو في الخارج.

كما استهدفتا أيضا شركات إسرائيلية خاصة في مجال الدفاع، وهيئات حكومية مكلفة بالتعاون الدولي، إلى جانب مراكز جامعية معروفة بمستواها العلمي الرفيع.

تجسّس لم يقتصر على اسرائيل، وإنما شمل أيضا مسؤولين من السلطات الفلسطينية والأردنية، وذلك رغم العلاقات الوثيقة الرابطة أيضا بين الطرفين في مجال الإستخبارات.

علاقات تصل حدّ التحالف الوثيق بين الوكالة الأمريكية وجهاز المخابرات الأردنية، تجلى على وجه الخصوص من خلال مذكّرة مسرّبة للوكالة الأولى تعترف فيها بأن "الإستخبارات الأردنية تقدّم لها وبشكل حصري، جزءا كبير من أسماء الأشخاص المستهدفين من قبل وكالة الأمن القومي".

تحالف لم يمنع بأي حال وجود إحداثيات الديوان الملكي الأردني، ورئيس بروتوكول الملك والسفارة الأردنية في واشنطن، على قائمات التجسس الطويلة للإستخبارات البريطانية.

السلطة الفلسطينية، استهدفت من جانبها بعمليات تنصّت مكثّفة شملت كبار مسؤوليها وتعدّتهم إلى شخصيات عديدة أخرى.

فنهاية 2008 وفي 2009، تجسّست الاستخبارات البريطانية على الاتصالات الهاتفية لمكتب الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى عدد هام من الوفود الفلسطينية في شتى أنحاء العالم، وخصوصا في كل من فرنسا وبلجيكا والبرتغال، إضافة إلى باكستان وجنوب إفريقيا وماليزيا.

كما تنصّتت على مكالمات أحمد الطيبي رئيس "الحركة العربية للتغيير"، وهو أيضا عضو البرلمان الإسرائيلي، وأحمد قريع، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية من 2003 إلى 2005، وغيرها من الأسماء أو "الأصدقاء"، كما تقول الصحيفة، والتي قالت إن ما حصل "يدعم قاعدة قديمة مفادها أنه لا وجود للأصدقاء" حين يتعلّق الأمر بالتجسّس.

** غزو الهواتف المحمولة في الطائرات

التسريبات الجديدة كشفت أن واشنطن ولندن وضعتا نظاما كاملا للتجسّس على جميع الإتصالات الهاتفية أو حتى على الهواتف المستخدمة على متن الطائرات.

برنامج تجسس لا يقتصر على الرحلات الخاصة أو الرسمية، وإنما يشمل أيضا الرحلات التجارية، على أساس أنه جزء من خطة أمريكية اعتمدت عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، توقيا من استخدام طائرات لشن هجمات إرهابية، بحسب التحقيق الذي نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر أول أمس الأربعاء.

ويضم "أرشيف سنودن" وثائق متنوّعة تتناول خفايا وأسرار وتفاصيل برامج المراقبة للوكالة الأمريكية، إضافة إلى أنها ترصد اتصالات داخلية. البعض من هذه الوثائق تقني، ما يجعلها معقّدة بالنسبة لغير أهل الإختصاص، والبعض الآخر مكتوب بلغة موجهة لأن تكون مفهومة من قبل أكبر عدد ممكن من موظفي الوكالة.

ومع أنّ الوثائق تنتمي في جزء كبير منها لوكالة الأمن القومي الأمريكية، إلا أنها مكّنت من الكشف عن معطيات حول أنشطة نظرائها، حيث قام سنودن بنسخ العديد من الوثائق التابعة للإستخبارات البريطانية.

ويكشف وصول "سنودن" إلى الوثائق السرية الخاصة بالإستخبارات البريطانية أن التعامل بين الجهازين كان وثيقا، وأن التنسيق كان كبيرا إلى درجة يمنح عملاء أحدهما إمكانية الولوج إلى وثائق تخص الآخر.

ويمكّن نظام التجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية ونظيرتها البريطانية من إلتقاط جميع البيانات، بما في ذلك الشفرات والرموز السرية والإتصالات الهاتفية لمعظم شركات الطيران الكبرى.

** الخطوط الجوية الفرنسية من أبرز المستهدفين

استنادا إلى تحقيق "لوموند"، فإن فرنسا استهدفت ببرنامج موجّه لإعتراض رحلاتها الجوية –حتى التجارية منها، التابعة لشركة طيرانها "الخطوط الجوية الفرنسية"، بمعنى أن التجسس لم يستهدف الرحلات الرسمية في الطائرات الخاصة فحسب، وذلك اعتمادا على المزايا التي منحها استخدام الهواتف المحمولة المتصلة بالأنترنيت في الجوّ، ما مكّن الأمريكان والبريطانيين من إنشاء برنامج خاص جعل من فرنسا أحد أبرز أهدافه.

البرنامج أثمر نتائج باهرة وفق الوثائق الداخلية للوكالتين الأمريكية والبريطانية، حيث يتم تجميع المعطيات "في الزمن الحقيقي"، بما أنه وللتجسس على هاتف، يكفي أن يكون على ارتفاع 10 آلاف قدم، ثم تتكفّل المحطات السرية الأرضية للهوائيات، عبر تقنية الإعتراض، بالتقاط الإشارات العابرة عن طريق الأقمار الصناعية.

وبمجرّد تشغيل الهاتف يمكن تحديد مكانه، ما يسمح تبعا لذلك لتقنية الإعتراض بالتقاطع مع سجلّ المسافرين وأرقام الطائرات، لتضع في النهاية اسما لمستخدم الهاتف الذكي، بل إن الاستخبارات البريطانية بإمكانها حتى تعطيل هاتف عن بعد، ما يضطر صاحبه إلى إعادة تشغيله من جديد مستخدما رموزه الخاصة بالدخول، وهنا تقوم الأجهزة البريطانية بإعتراض جميع تلك الرموز ورصدها.

برامج ولّدت حماسا كبيرا لدى الوكالتين، حتى أن الأمريكية كتبت في 2009 مذكّرة داخلية تقول فيها إنه "بإمكان السماء أن تنتمي إلى وكالة الأمن القومي".

** القصة الكاملة

أكثر من 3 سنوات مرّت منذ أن غادر سنودن، المتعاقد مع وكالة الأمن القومي والعميل السابق بوكالة الإستخبارات المركزية، بلاده متوجّها إلى هونغ كونغ ومنها إلى موسكو، بعدما سرّب برامج المراقبة السرية للوكالة الأولى لصحيفتي "الغارديان" البريطانية و"واشنطن بوست" الأمريكية.

ومع نشر الصحيفة البريطانية لتفاصيل برامج التجسس السري الأمريكي، في يونيو/ حزيران 2013، اهتز العالم على وقع معطيات شكلت صدمة للرأي العام، وخصوصا الأمريكي منه، وزعزعت ثقته في الرئيس باراك أوباما، ما جعل من سنودن المطلوب الأول لواشنطن بتهمة "فضح أسرار أمريكا".

سنودن، شاب أمريكي في الـ 33 من عمره، إلتحق بجيش بلاده عام 2003، وخضع لبرنامج تدريبي، قبل أن يعمل حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة لوكالة الأمن القومي في جامعة ماريلاند.

إنتقل إثر ذلك للعمل في قسم الأمن الإلكتروني بوكالة الاستخبارات المركزية، ثم تدرّج في الوظائف، ما مكّنه من الحصول على كمّ هائل من المعلومات السرية.

وفي 2009، غادر الوكالة ليعمل مع متعاقد من القطاع الخاص للتعاون مع وكالة الأمن القومي في قاعدة عسكرية في اليابان.

رحلة صعود صاروخية على الصعيد المهني، غير أنها كشفت للرجل الوجه القاتم لسياسة بلاده التي أدرك أن لا فائدة ترجى من انتظار محاولات إصلاحها حتى مع وصول أوباما إلى الحكم، فكان أن قرر المجازفة بكل شيء وفضح تجسس قال إنه "يشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية التي تنادي بها بلادنا"، بحسب ما تداولته وسائل الإعلام في حينه.

وحاليا، يقيم سنودن في موسكو حيث حصل في 2014 على تصريح إقامة مؤقت ينقضي في الـ 31 من يوليو/ تموز 2017.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın