دولي

إفريقيا الوسطى.. في قبضة جلاّديها القدامى من جديد؟

(تحليل)

İman Sehli  | 09.11.2016 - محدث : 09.11.2016
إفريقيا الوسطى.. في قبضة جلاّديها القدامى من جديد؟

Central African Republic

بانغي- كنشاسا- تونس/ سلسفتر كروك - باسكال مولغوا- صفوان قريرة/ الأناضول

إلى وقت قريب، بدا أنّ إفريقيا الوسطى التي عانت لعامين من أزمة طائفية دامية، استطاعت بلوغ نهاية النفق المظلم، لاسيما بعد تنظيم انتخابات مطلع العام الجاري فتحت الطريق نحو إرساء مؤسسات دائمة.

غير أن هذا الهدوء النسبي سرعان ما قشعه تجدّد أعمال العنف الطائفي منذ نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، منذرة بعودة البلاد إلى مربّع النزاع الطائفي الذي وضع في المواجهة منذ مطلع 2014، كلا من تحالف "سيليكا" (ائتلاف سياسي وعسكري مسلم)، وميليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية.

تلك الأحداث الأخيرة عززت القناعة لدى مراقبين بأن البلاد سقطت من جديد بين أيدي "جلاديها القدامى".

طرح مرشّح لأن يفقد المزيد من عناصر التفاؤل فيه، مع حصيلة قتلى بنحو 100 شخص منذ الشهر المذكور، بحسب مصادر أممية وأمنية، وعقب إعلان وزير الدفاع الفرنسي، الاثنين الماضي، نهاية عملية "سانغاريس" العسكرية في إفريقيا الوسطى، ما يمنح مراقبين جميع العناصر الضرورية لترجيح عودة البلاد إلى قبضة "جلاديها القدامى"، في إشارة إلى طرفي النزاع في البلاد.

ومع تنامى شعور الاستياء لدى السكان بسبب ما رأوا فيه "تقاعسا" من جانب البعثة الأممية في البلاد "مينوسكا"، في ما يتعلّق بحماية المدنيين، وعجز جيش إفريقيا الوسطى على تسلّم المشعل والسيطرة على بلد تطوّقه المجموعات المسلّحة، بدا أن الأمر على مشارف الانفجار.

عامل آخر يدعم سيناريو عودة شبح الأزمة في إفريقيا الوسطى، وهو توسّع العنف جغرافيا، على الأقل على مستوى العاصمة، حيث انتشرت أعمال العنف وتكثّفت وسط المدينة وجنوبها.

وهو عامل يهم أيضا أطراف هذا العنف، أي مجموعات الدفاع الذاتي المحلية، إلى جانب فصائل "سيليكا"، التي أطاحت مطلع 2014 بنظام الرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزيه، إضافة إلى ميليشيات "أنتي بالاكا" وغيرها.

طرح تدعمه على الأرض الاشتباكات الدامية المندلعة مؤخرا بين عناصر "سيليكا" وميليشيات "أنتي بالاكا"، في حي "الكيلومتر 5"، معقل المسلمين في العاصمة بانغي.

نائب رئيس مسلمي إفريقيا الوسطى، أمات ديليريس، قال للأناضول في تعقيب له بشأن تلك الأزمة إنّ "تجدّد الاشتباكات يعود إلى تعمق حدة الخلافات بين المجموعات في مجابهة التحديات التي تحدق بطوائفها".

من جانبه، استحضر كريستوفر تشيبامبا، أستاذ الجغرافيا السياسية بالجامعة الكاثوليكية الكونغولية، وضعية مقارنة بين "ظاهرة انفجار العنف" التي تشهدها إفريقيا الوسطى والوضع الذي عرفته الكونغو الديمقراطية منذ سنوات.

ومنذ عقدين من الزمن، تشهد الكونغو اليدمقراطية أزمة عرقية وأمنية واقتصادية نتيجة تنافس العشرات من المجموعات المسلحة للسيطرة على الثروات التي تكتنزها أراضي المنطقة الشرقية من البلاد. ‎

الخبير الكونغولي أوضح للأناضول أنّ "إفريقيا الوسطى تعدّ اليوم البلد الأكثر استقرارا وسط القارة السمراء، أمام التحديات الكبرى ضمن سياق يتميز بنشاط الجماعات المسلحة المتنافسة على السيطرة على مناطق وسط البلاد وشرقها".

ورافق الأمل سكان إفريقيا الوسطى لمدة أشهر، عقب انتخاب مؤسسات ديمقراطية وتنصيب الرئيس "فوستن أرشنج تواديرا" إثر انتخابات رئاسية برلمانية جرت في فبراير/ شباط الماضي.

ونجحت البلاد تدريجيا في استعادة هدوء وإن كان نسبيا، عقب عامين من اقتتال طائفي بين عناصر "سيليكا" وميليشيات "أنتي بالاكا"، ما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد عشرات الآلاف.

السيطرة على الوضع الأمني بدت واضحة، وتجلّت من خلال تصريحات مفعمة بالنوايا الحسنة لقادة الجماعات المسلّحة، ومشاهد "التقارب" بين طوائفها، والتي شهدتها شوارع العاصمة بانغي.

أحد الكوادر السابقة خلال المرحلة الانتقالية التي شهدتها إفريقيا الوسطى منذ يناير/كانون ثان 2014 حتى مارس/آذار 2016، قال للأناضول، إنّ "الجميع شعر بالملل من الحرب، وكانوا على استعداد لتقديم أي تنازل".

وأضاف، مفضلا عدم نشر هويته، أن "كافّة الأطراف الفاعلة في الأزمة كانت تتطلّع بصدق إلى إحلال السلام، ثم أدركنا في وقت لاحق أنه من الضروري الاعتماد على نماذج للسلام، لأننا لم نتمكّن في الواقع من الاتفاق على أي شيء".

من جهتها، رأت المعارضة أن النظام المنتخب الجديد لم يتخذ إصلاحات ملموسة من شأنها ضخ الأمل لضمان مؤسسات دائمة وتحقيق الاستقرار، بعد 9 أشهر من تنصيبها على رأس البلاد.

موقف عقّب عليه الرئيس فوستن تواديرا، في مقابلة أجرتها معه مؤخرا قناة "تي في 5 الدولية"، بالقول: "عندما يقولون (المعارضة) بأن شيئا لم يحدث، أعتقد عكس ذلك. صحيح أن توقعات شعبنا كبيرة، لكن عليهم أن يعرفوا بأننا عدنا من بعيد".

وبحسب تواديرا، فقد وقع قطع خطوات عملاقة في طريق الإصلاح والسلام الدائم، في اشارة الى عملية نزع السلاح وتسريح الجيش، والتزام العديد من المجموعات المسلحة بالإجراءات الحكومية، ما شكل عنصرا هاما في تهدئة الأوضاع.

واعتبر تواديرا أن العجز الهيكلي للقوات المسلحة، بسبب حظر دولي على السلاح خصوصا، يمثل إحدى العوائق الكبرى.

ويدعو مراقبون إلى تهدئة المناخ الاجتماعي من خلال السعي إلى تحقيق حوار شامل، في إطار عملية المصالحة.

أما كريستوفر تشيبامبا، الخبير في الشأن السياسي بإفريقيا الوسطى، فأشار من جهته إلى أن "البلاد وقعت بين أيدي جلاديها القدامى.

ومن المرجح- بحسب تشيبامبا- أن "تشتد التوترات الطائفية والدينية إذا لم تدرك جميع الأطراف أهمية الحوار لإنهاء هذه الإشكالات التي لم تتمكن البعثة الأممية 'مينوسكا' والعملية (العسكرية) الفرنسية، من تسويتها".

وأوصى الخبير السياسي بضرورة استمرار الجهود الدبلوماسية لتحقيق الهدف المزدوج المتمثّل في رفع الحظر المفروض على الأسلحة، وتعبئة الموارد خلال مؤتمر المانحين المنتظر عقده في العاصمة البلجيكية بروكسل في 17 نوفمبر/ تشرين ثان الجاري.

وكان مجلس الأمن الدولي قد فرض حظرا على إرسال أسلحة إلى إفريقيا الوسطى كما فرض عقوبات على بعض الشخصيات التي لها علاقة بالنزاعات التي شهدتها البلاد.

ووفق تيودور جوسو، وزير الأشغال العامة والمتحدث باسم الحكومة في إفريقيا الوسطى، فإنه من المنتظر أن تعرض بلاده أولوياتها في بروكسل على شركائها الدوليين، أملا في الحصول على دعم من الجهات المانحة لتمويل خطّة الإنعاش الاقتصادي وتعزيز السلام.

وأضاف أنّ "إفريقيا الوسطى تمر بوضعية ما بعد النزاع، وتحتاج إلى مشروع مارشال (مشروع اقتصادي وضعه الجنرال جورج مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) لإعادة إعمارها".

وتابع: "تبذل الحكومة الجهود، وأقصد بذلك جهود إصلاح خزينة الدولة، وتأمين الإيرادات العمومية وغيرها من التغييرات التي حظيت بإشادة المجتمع المالي الدولي، وتجسّدت من خلال التوقيع، في يونيو/ حزيران الماضي، على اتفاق مع صندوق النقد الدولي".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın