ميشال عون.. رئيس يسعى للنأي بلبنان عن نيران المنطقة (بروفايل)
الرئيس اللبناني زار السعودية ودعا دول الجوار إلى إنهاء الحروب الداخلية عبر حلول سياسية مستشهدا بـ"اتفاق الطائف"

Beyrut
بيروت/ وسيم سيف الدين / الأناضول
قبل نحو شهرين ونصف، تحقق "حلم" مناصريه، وانتُخِب ميشال عون رئيسا للبنان، بعد شغور المنصب الأول لأكثر من عامين؛ بسبب أزمة سياسية عصفت بالبلد. وهذه الأيام، ولا سيما عبر زيارته للسعودية، تبرز مساعي عون لتحقيق أحد أهم أهدافه، وهو النأي بلبنان عن نيران المنطقة.
منذ دخوله القصر الجمهوري، في بعبدا شرقي العاصمة بيروت، يضع عون أمامه أهدافا عدة يسعى إلى تحقيقها خلال ولاية رئاسية مدتها 6 أعوام، كان قد كشف عنها، في خطاب القسم، الذي ألقاه أمام البرلمان، يوم انتخابه في 31 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
أول تلك الأهداف هو تحقيق الاستقرار السياسي، والمحافظة على المجتمع التعددي المتوازن في لبنان، عبر المناصفة الفعلية بين المسلمين والمسيحيين في إدارة الدولة، فضلا عن العمل على سن قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل.
وكما أعلن في خطاب القسم، برز خلال الفترة الماضية حرص عون على الحفاظ على الاستقرار الأمني، بالتأكيد على مفاهيم تعزيز الوحدة الوطنية، والنأي بلبنان بعيدا عن نيران الصراعات الخارجية المشتعلة حوله في المنقطة.
وفي ما يخص الإرهاب، يشدد الرئيس اللبناني على ضرورة محاربته استباقيا حتى القضاء عليه، فضلا عن معالجة مسألة اللجوء السوري عبر تأمين عودتهم السريعة إلى بلدهم، دون إغفال العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.
السعودية..أول زيارة
عون اختار أن تكون زيارته الرسمية الخارجية الأولى إلى السعودية، تلبية لدعوة رسمية من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث وصل الرياض، أول أمس الإثنين، في زيارة استمرت يومين، هدفت إلى "تبديد الالتباسات التي حصلت"، بحسب ما قال عون في مقابلة مع قناة "الإخبارية" السعودية.
ومشيرا إلى الحروب في دول عدة بالمنطقة، منها سوريا والعراق واليمن وليبيا، أضاف عون أن "الحروب الداخلية لا تنتهي إلا بحل سياسي كاتفاق الطائف"، متمنيا من الدول المجاورة "اعتماد الحل السياسي لإنهاء الحروب الدائرة".
مشاركة قوات من حزب الله اللبناني، حليف تيار عون، في القتال إلى جانب النظام السوري تثير غضب السعودية، التي تدعم المعارضة السورية، وتدعو إلى رحيل رئيس النظام، بشار الاسد، كما أغضب الرياض معارضة لبنان لأي قرار في جامعة الدول العربية يتضمن انتقادا لحزب الله.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت السعودية، الداعمة لتيار الحريري، وقف مساعدات بقية ثلاثة مليارات دولار كانت مقررة لشراء أسلحة من فرنسا للجيش اللبناني، إضافة إلى إيقاف ما تبقى من مساعدة بمليار دولار لقوى الأمن الداخلي اللبناني (الشرطة).
آنذاك، ونقلا عن مصدر سعودي مسؤول، أرجعت وكالة الأنباء الرسمية السعودية هذا القرار إلى "مواقف لبنانية مناهضة للمملكة على المنابر العربية والإقليمية والدولية، في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية".
أصوات خليجية عديدة تتهم جماعة حزب الله بالهيمنة على القرار في لبنان لصالح تحالفها مع إيران ونظام الأسد، وهو محور ترفضه معظم دول الخليج، في ظل اتهامات خليجية لطهران بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، لاسيما البحرين، وهو ما تنفيه طهران.
**من هو ميشال عون ؟
ميشال عون عسكري وسياسي لبناني، تراوحت حياته بين قيادة الجيش ورئاسة حكومة عسكرية خاضت حرب "التحرير" ضد "القوات السورية" عام 1989، وانسحب نتيجتها إلى السفارة الفرنسية، ومنها إلى باريس. ثم عاد إلى لبنان عام 2005، ليترأس أكبر كتلة نيابية مسيحية في مجلس النواب، ويصبح أحد أبرز الداعمين لجماعة حزب الله، بعد توقيعه وثيقة تفاهم مع الجماعة عام 2006.
ولد ميشال نعيم عون يوم 18 فبراير/ شباط 1935 في حارة حريك بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، والتحق بالمدرسة الحربية عام 1955، حيث تخرج عام 1958 ضابط اختصاص مدفعية، وشارك في دورة تطبيقية على المدفعية في فرنسا خلال عامي 1958-1959، كما تلقى دورة متقدمة في الاختصاص نفسه بالولايات المتحدة الأميركية.
في يوليو/ تموز 1978، ابتعث عون لمتابعة دورة أركان في مدرسة الحرب العليا بباريس، وعاد منها في يوليو/تموز 1980.
عون خدم إبان حرب 1967 بين العرب وإسرائيل على الحدود الجنوبية، ضمن فوج المدفعية الثالث المتمركز في بلدة الخريبة جنوبي لبنان.
وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 كان عون قائدا للواء الثامن المدافع عن قصر رئاسة الجمهورية في بعبدا.
وفي عام 1984 عين هون قائدا للجيش اللبناني.
ودخل عون في مواجهات دامية مع الجيش السوري في لبنان، ثم مع قائد "القوات اللبنانية"، سمير جعجع.
** عودة بعد إقصاء
خلال الحرب الأهلية في لبنان، استلم عون عام 1988 رئاسة مجلس الوزراء من الرئيس أمين الجميّل، بعد تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد يخلف الجميّل، حيث كان عون آنذاك قائدا للجيش، فاستلم السلطة وشكل حكومة عسكرية في مواجهة حكومة مدنية أخرى، يرأسها سليم الحص، وبذلك أصبح للبنان حكومتان.
لم يتنازل عون عن رئاسة الحكومة الانتقالية رغم التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) عام 1989، وتنصيب إلياس الهراوي رئيسا للبنان.
بمؤازرة من الجيش السوري، قام الجيش اللبناني، بقيادة العماد إميل لحود (الذي أصبح رئيسا للجمهورية عام 1998)، بقصف قصر بعبدا، فأرغم عون على الخروج من القصر بخطة أمنية فرنسية أشرف عليها السفير الفرنسي في بيروت.
بعد معارك ضارية، جرى إقصاء الرئيس عون من قصر بعبدا الرئاسي، في 13 أكتوبر/ تشرين أول عام 1990، بعملية لبنانية-سورية مشتركة، حيث اضطر للجوء إلى السفارة الفرنسية، وبعدها توجه إلى باريس في منفاه.
**من المنفى إلى الواجهة
بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في فبراير/ شاطر 2005، عبر تفجير استهدف موكبه في بيروت، عاد عون في أغسطس/ آب من العام نفسه من منفاه الباريسي، الذي قضى فيه 15 عاما تقريبا، وأسس في الشهر التالي حزب التيار الوطني الحر.
عند عودته إلى لبنان استقبله قرابة 500 ألف لبناني في ساحة الشهداء وسط بيروت، ثم خاض عون الانتخابات النيابية عام 2005، أي بعد عودته بفترة قصيرة، ودخل البرلمان بكتلة نيابية من 21 نائبا.
في هذه الفترة، تم تكليف فؤاد السنيورة (من تيار المستقبل) بتأليف حكومة وحدة وطنية، رفض عون المشاركة فيها لأسباب متعددة، ورغم زيارة زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، له، إلا أن عون لم يقتنع بدخول الحكومة، فتم تأليفها بدون "التيار العوني".
بعد ذلك وقع عون في 6 فبراير/شباط 2006 وثيقة تفاهم مع حزب الله، فدخل بقوة في الاستقطاب الثنائي بين كتلتي الموالاة والمعارضة (8 و14 آذار)، ومنذ ذلك الحين يعد التيار الوطني الحر أبرز القوى المشكلة لفريق 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه).
وبعد خوض عون وحزبه حملة ضد المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري، تحسنت علاقته بسوريا بعد سنوات من العداء السياسي، وزارها، فالتقى رئيس النظام، بشار الأسد، في 3 ديسمبر/ كانون أول 2008.
وفي عام 2009، تمكنت كتلة "التغيير والإصلاح" النيابية، بزعامة عون، من تحقيق نتائج جيدة حيث حصدت 27 مقعدا من أصل 128 في الانتخابات البرلمانية.
رشح عون عام 2016 لرئاسة لبنان، بعد أكثر من عامين على انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشال سليمان، وفشل الفرقاء اللبنانيين في اختيار رئيس جديد خلفا، وبالفعل جرى انتخابه في البرلمان ضمن صفقة سياسية جرى بموجبها تكليف الحريري بتشكيل الحكومة.
وعون متزوج من ناديا الشامي، وهي من بلدة زحلة (شرق)، ولهما 3 بنات هن: ميراي متزوجة من روي الهاشم، كلودين متزوجة من العميد عسكري، شامل روكز، وشانتال، وهي متزوجة من وزير الخارجية، جبران باسيل.