الدول العربية

"سنوات الجمر" ترويها عينا سجين سياسي تونسي في عهد بن علي‎

على لسان "العم حسن الطرابلسي" متحدثاً للأناضول، بالتزامن مع انطلاق أولى الجلسات العلنية للاستماع إلى عدد من ضحايا "الاستبداد" منذ الاستقلال عام 1955 وحتى 2013

Yosra Ouanes  | 17.11.2016 - محدث : 17.11.2016
"سنوات الجمر" ترويها عينا سجين سياسي تونسي في عهد بن علي‎

Tunisia

تونس/ يسرى ونّاس/ الأناضول

لم يكن طي صفحة الماضي هيّنا على "العم حسن الطرابلسي" الذّي فقد ساقه جراء سنوات من "تعذيب وظلم" مورسا عليه في أحد السجون التونسية، زمن نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

"سنواتٌ جمر" قضّاها في غياهب سجن "9 أبريل" بالعاصمة تونس من 1995 إلى 1999، كما يصفها "العم حسن" (62 عاما) الذّي التقته الأناضول في بيته بمدينة تينجة التابعة لولاية بنزرت (شمال)، بالتزامن مع انطلاق أولى الجلسات العلنية للاستماع إلى عدد من ضحايا "الاستبداد" منذ الاستقلال عام 1955 وحتى 2013.

الرجل الذّي لم يعد يقوى على الحراك، ويستعين بعصى طبيّة تساعده على التنقل، يقول: "كنت أرى الموت في اليوم أكثر من مرّة، تعرضت لأبشع ألوان التّعذيب والضرب في مراكز الإيقاف، وداخل أقبية وزارة الدّاخلية، ما أدّى في عديد المرّات إلى تعفن ساقي.. فتم إهمالي ولم أعالج وجرت معاملتي بشكل سيء جدّا، لكنهم اكتفوا بتقديم مسكنات بسيطة، لا أقاوم بها إلا القليل من الألم".

وأقبية الدّاخلّية في فترة حكم بن علي (1987 -2011)، مثلت، بحسب سجناء، عنوانا لـ"الرعب" لدى الجميع؛ فهيَ تؤرّخ لماض "ساده الاستبداد".

ويضيف "لم يكفهم تعذيبي بل ألحقوا الضرر بعائلتي، فقد كانت الشرطة تأتي يوميّا إلى منزلي... ترعب أبنائي وزوجتي التي تقيم اليوم بالمستشفى، وتعاني من مرض أصاب رأسها نتيجة الضرب الذّي تلقته منهم".

والتهمة التي كانت موجهة له، هي الانتماء إلى حركة النهضة غير المرخص لها آنذاك، وتمويل وتكوين عصابة فاسدين.

ويتابع "العم حسن" الذّي عمل تاجرا زمن اعتقاله "تم تعذيبنا داخل السجن، واعتقدنا أنه بمجرد الخروج منه سننال الحرية ونعيش بارتياح، لكن العكس هو ما حدث، حيث تم تلفيق قضية ترويج مخدرات لابني عبد الله، في 2007، وتم الزج به في السجن باطلا... ليفارق الحياة سنة الثورة في 2011، في حريق شب في السجن حينها".

"محمد الطرابلسي"، سجين سياسي سابق (58 عاما) قضى بالسجن 8 سنوات (1995 – 2003)، وصديق "العم حسن"، تم سجنهما بالزنزانة نفسها، تحدّث عن وضعية سجناء الرأي في تلك الفترة، قائلاً: "المساجين السياسيون تعرضوا لشتى أنواع التعذيب من بينها قلع الأظافر، ودق مسامير في الأيدي، والضرب بأنواعه، والاعتداءات الجنسية".

"محمد" الذّي مرّ بثمانية سجون، بين بنزرت وتونس العاصمة وقرمبالية (ولاية نابل، شرق)، اعتبر أنّ "العم حسن خسر كل شيء ولا يزال الظّلم يلاحقه إلى اليوم... حتى أنه ظنّ أن الثورة ستنصفه، ولكنه لم يتمكن حتى من بطاقة علاج تمكنه من الاعتناء بساقه المتعفنة التي أكلتها الدّيدان، ما استدعى قبل سنتين بترها، واقتناء ساق اصطناعية، بعدما جمع له أصدقاؤه المال".

"العم حسن"، تقدم كغيره ممن تعرضوا لانتهاكات بملف إلى هيئة الحقيقة والكرامة، منذ أكثر من سنة، على أمل أن يتم جبر الضرر المادي والمعنوي له.

وتبدأ هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان، اليوم الخميس، تنظيم أولى الجلسات العلنية التي وصفتها بـ"التاريخية" للاستماع إلى 65 ألف شكوى وملف من ضحايا "الاستبداد" منذ الاستقلال عام 1955 وحتى 2013.

و"الحقيقة والكرامة"؛ هيئة دستورية تم تأسيسها بمقتضى قانون عدد 53 لسنة 2013، المؤرخ في 24 ديسمبر/كانون أول 2013، والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، بهدف ضمان مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وتشرف الهيئة على تطبيق قانون العدالة الانتقالية للنظر فيما يتردد عن تجاوزات حقوق الإنسان بين 1 يوليو/ تموز 1955 (تاريخ صدور القانون والاستقلال) ، و24 ديسمبر/كانون أول 2013، ثم حكم الحبيب بورقيبة (1957- 1987)، مرورا بعهد زين العابدين بن علي (1987- 2011)، وانتهاء بحكومة الترويكا (2011- 2013).

والأحزاب المكونة للترويكا هي: حركة النهضة الإسلامية، والمؤتمر من أجل الجمهورية اليساري، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الديمقراطي الاشتراكي.

عضو هيئة الحقيقة والكرامة، صلاح الدّين راشد، يرى في تصريحات للأناضول أنّ "الجلسات العلنية هي الزمن المفصلي والأساسي في مسار العدالة الانتقاليّة في مختلف البلدان، وأهم مرحلة هي الاستماع العلني للضحايا."

وتتمثل الجلسة العلنية وفق راشد، في "وضع الضحية أمام الجمهور للتعبير عن رأيه وإيصال صوته وكل ما مورس عليه من انتهاكات وما عاشه من معاناة، وإفراغ شحنة للشعور بالضيم والإهانة وهضم الحقوق، ما يجعله أحيانا خارج دائرة المجموعة الوطنية ولا يشعر بكثير من الانتماء إليها".

ونظمت الهيئة 10 آلاف و600 جلسة سرية للاستماع إلى ضحايا الانتهاكات منذ بداية أعمالها وحتى اليوم.

وستنتظم هذه الجلسات العلنية في مكان عام (قصر المؤتمرات) يتسع لما يقل عن ألف شخص بين ضحايا وعائلاتهم وأعضاء الهيئة والمجتمع المدني وملاحظين من تونس وخارجها.

وفي هذا السّياق يقول راشد: "سيكون للضحايا الموقع الرّئيسي في هذا الحدث، لأنهم أبطال الحصة".

وبحسب الفصل الثامن من قانون العدالة الانتقالية، الصادر في 2013، فإن الانتهاكات تتمثل في القتل العمد أو الاغتصاب والعنف الجسدي والتعذيب والاختفاء القسري والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة، إضافة إلى انتهاكات متعلقة بتزوير الانتخابات، وبالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، والدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.