انهيار سد الموصل يراوح بين الخطر الحقيقي والتوظيف السياسي

Istanbul
إسطنبول/إحسان الفقيه/الأناضول
توالت التحذيرات من عديد دول العالم، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، من خطر انهيار سد الموصل في العراق، رابع أكبر السدود المائية في الشرق الأوسط؛ واحتمالات تعرض أكثر من مليون شخص للغرق.
ويأتي الحديث عن احتمالية الانهيار، في ظل أجواء الاستعدادات لعملية عسكرية كبرى مرتقبة، لاستعادة الموصل من عناصر تنظيم "داعش"، فيما تحذّر تقارير من مخاطر انهيار السد، الأمر الذي أشاع تباينا في مواقف القوى العراقية.
وانقسمت المواقف بين أطراف ترى أنّها تقارير فنية ذات مصداقية، وأخرى ترى أنّها توظيف سياسي لإشاعة حالة من الهلع بين سكان الموصل الخاضعين لسلطة "داعش".
وأنشئ سد الموصل عام 1983، على نهر دجلة بامتداد حوالي 30 كيلومتراً شمالي المدينة؛ ومنذ عام 1987 ظهرت مشكلة فنية تتعلق بطبيعة التربة القابلة للذوبان والتآكل، الذي يتم علاجه من الكوادر الفنية بعمليات حقن وتحشية للأنفاق في التربة، بمادة إسمنتية خاصة حافظت عليه حتى اليوم.
ويتمسك المسؤولون الفنيون في السد بموقفهم النافي لاحتمالات انهيار سد الموصل، فيما أشارت تقارير دولية، وتصريحات لمسؤولين رسميين من الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة، إلى مخاطر جدية لاحتمالات انهيار السد وتعريض حياة السكان للخطر.
يذكر أن مهندسين في الجيش الأميركي، أعدوا تقريراً عام 2007 وصفوا فيه سد الموصل بأنه "أخطر سد في العالم".
وشدد محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، على وجود "خطر حقيقي ما لم يتم الإسراع بتصريف المياه المخزونة في حوض السد".
وقال خلال اتصال هاتفي مع "الأناضول"، إن "الحسابات الهندسية المتعلقة بارتفاع الماء في حوض السد هذه الأيام، وزيادته مع بدء موسم ذوبان الثلوج، والقدرة المتاحة لبوابات السد على تصريف المياه، تؤكد من جديد تخطي حاجز الأمان إلى منطقة الخطر".
ولفت إلى دراسة فنية أُعدت عام 2005 "أوجبت عدم جواز ارتفاع المياه عن 319 متراً فوق سطح البحر"، لكن التوقعات، بحسب النجيفي، "تشير إلى احتمالات تجاوز هذا الارتفاع، ما لم يتم اعتماد سياسة تصريف جديدة"، منوّها إلى "تراجع في مستويات الأداء الفني لصيانة السد بين عامي 2005 و2016".
وذكر النجيفي، أنه قبل ثلاث سنوات "تعطلت إحدى بوابات السد، وتم إغلاقها بأسلوب بدائي، على أمل أن يبقى تصريف المياه عبر بوابات توليد الطاقة الكهربائية، إلى حين تيسّر الظروف لإصلاح العطل بأسلوب علمي، بالاستعانة بإحدى الشركات الأجنبية".
"إلا أن سيطرة تنظيم (داعش)، عرقلت توليد الطاقة الكهربائية، لأن مدينة الموصل ستكون المستفيد الوحيد منها؛ لذلك ارتفعت المياه في البحيرة إلى أكثر مما يتلاءم مع حالة السد"، حسب قوله.
يذكر أن أثيل النجيفي شغل منصب محافظ نينوى منذ عام 2009 حتى إقالته من قبل البرلمان منتصف 2015، وهو حاصل على شهادتي بكالوريوس في الهندسة المدنية والقانون.
وكشف النجيفي عن "خلفيات سياسية لا صلة لها بالأمور الفنية في التعاطي مع قضية سد الموصل"؛ وأعرب عن عدم ثقته بالموقف الرسمي لأسباب ذكر منها "تأثُّر القرار العراقي في إصلاح السد بوجود (داعش) في الموصل؛ ورفْضُ المسؤولين العراقيين تخصيص مبالغ مالية لإصلاح السد منذ عام 2006".
وتابع، "كذلك رفض التيار الصدري الذي يقود وزارة الري التعامل مع جهات غربية متخصصة، بسبب المواقف السياسية للتيار؛ إضافة إلى تخوّف القيادات السياسية العراقية من تأثير شح مياه البحيرة على المزارعين جنوبي العراق في فترة الصيف".
ورأى أن هناك ضغوطا "تُمارس على المهندسين والفنيين لإصدار تقارير، تتماشى مع الرغبات السياسية، ضاربة بالجانب الفني عرض الحائط".
وأكد على ضرورة الأخذ "بنتائج التقارير الدولية التي تمتاز بالمهنية"، حسب قوله، مضيفاً "أنها تعتمد على تحليل المعلومات، التي تصلها عبر الأقمار الصناعية، من خلال مجسات إلكترونية زرعها في جسم السد مهندسون عسكريون متخصصون من الولايات المتحدة".
ولم يستبعد النجيفي إمكانية "استغلال مياه السد في الحرب ضد (داعش)"، إلا أن هذا "لا ينفي وجود خطر حقيقي لا يمكن إغفاله بعد أن تجاوزنا عوامل الأمان في السد"، حسب قوله.
"إن إطلاق كميات كبيرة من المياه لتفادي انهيار السد، سيعرض بعض مناطق مدينة الموصل للغرق لعدم قدرة (داعش) على إحكام السيطرة على السدود التي تم تشييدها على جانبي نهر دجلة، الذي يفصل بين جانبي المدينة"، بحسب النجيفي.
وأكد على "أهلية الشركات التركية المتخصصة، أكثر من غيرها، لامتلاكها الخبرة الجيدة والموقع الجغرافي القريب، وتشابه ظروف العمل".
وذكّر محافظ نينوى السابق بـ "الخطأ الذي وقع فيه المعارضون لإنشاء تركيا السدود على نهر دجلة، دون الأخذ بالحسبان وجود مصلحة مشتركة بين العراق وتركيا في السيطرة على مياه دجلة، وتنسيق استغلالها بما يضمن مصلحة البلدين".
من جانب آخر، قال النائب في البرلمان العراقي، أحمد عطية السلماني، الذي تفقد منشآت السد قبل أيام، "إن الخطر الحقيقي الذي يهدد السد، هو قربه من مواقع تمركز تنظيم (داعش)، الذي لا يبعد عنه سوى 30 كيلومتراً".
وطالب "قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة توفير الحماية الأمنية لسد الموصل، بما يضمن عدم سيطرة تنظيم (داعش) عليه مرة ثانية".
وأضاف أنه تأكّد "من خلال لقاءاته بمدير مشروع سد الموصل، والكادر الفني المسؤول عن صيانة السد، عدم وجود أية مخاطر أو احتمالات لانهياره، طالما ظلت عملية تحشية الأنفاق بالمواد الإسمنتية الخاصة مستمرة، وهو سياق متبع منذ إنشاء السد وظهور الخلل في المواصفات الجيولوجية للتربة التي أقيم عليها جسم السد قبل حوالي 30 عاما"، حسب قوله في اتصال مع "الأناضول".
وقال إن مواصفات بناء السد الذي يرتكز على تلة ترابية "تشبه الهرم الذي يبلغ عرض قاعدته 130 مترا وقمّته 25 متراً، ما يجعل أمر انهياره غير وارد"؛ ولفت إلى إجراءات مماثلة لعمليات "الحقن والتحشية بالإسمنت لحوالي 80% من سدود العالم".
وأكد رياض عزالدين، مدير سد الموصل "عدم وجود خطر حقيقي، طالما استمرت إجراءات المعالجة كما هي عليه حاليا، وهي ذات المعالجة المعمول بها منذ 1987".
وكشف خلال اتصاله مع "الأناضول" عن "إجراءات تُتخذ حاليا لاستيعاب مواطن الخلل، بالتعاون مع فريق المهندسين الأمريكيين الذين زاروا السد عدة مرات بعد تحريره من (داعش)"، لافتا أن "عمليات الحقن بالمواد الإسمنتية لم تتوقف إلاّ لعدة أيام أثناء سيطرة التنظيم على السد".
وقال إن هناك "بوابة معطلة منذ سنوات، حاولت إحدى الشركات العراقية إصلاحها دون جدوى، الأمر الذي أدى إلى زيادة في الضغط على البوابة الثانية التي تتدفق عبرها المياه بشكل يفوق قدرتها التشغيلية، مما يؤدي إلى حدوث ارتجاجات في جسم السد"، لكن هذا لا يعني "أن هناك خطرا حقيقيا"، حسب قوله.
وأوضح مدير سد الموصل أن "نسبة المياه المخزنة في بحيرة السد أقل من 60% من القدرة التخزينية حسب التصاميم الأساسية، وهذا يقلل كثيرا من المخاوف التي تزداد مع ذوبان الثلوج وارتفاع نسبة الخزن".