
Lebanon
نعيم برجاوي/ الأناضول
- من عيتا الشعب انطلق مقاتلو "حزب الله" في 2006 وأسروا جنديين إسرائيليين في عملية عبر الحدود عُرفت بـ"الوعد الصادق"- خلال حرب لبنان الثانية في 2006 شهدت البلدة ذات الغالبية الشيعية معاركا حامية الوطيس بين "حزب الله" وقوات الجيش الإسرائيلي
- تمكن مقاتلو "حزب الله" في حرب تموز من قتل العشرات من الجنود الإسرائيليين بينما دمر الجيش الإسرائيلي 85 بالمئة من منازل البلدة
- بسالة مقاتلي الحزب آنذاك أحبطت مساعي إسرائيل للسيطرة على عيتا الشعب لتجبرها الخسائر في صفوف قواتها ضمن عوامل أخرى إلى وقف الحرب بعد 34 يوما
- في الحرب الحالية يواصل الجيش الإسرائيلي التدمير الممنهج للبلدة بالقصف الجوي والمدفعي فيما يشتد القتال فيها من "مسافة صفر" بين مقاتلي "حزب الله" والجيش الإسرائيلي
- "حزب الله" أكد الخميس فشل الجيش الإسرائيلي في التمركز بأي بلدة جنوبي لبنان رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على بدئه محاولات التوغل البري
ملحمة صمود بطولية دارت رحاها ببلدة "عيتا الشعب" اللبنانية الحدودية مع إسرائيل قبل 18 عاما.
فخلال حرب لبنان الثانية عام 2006، شهدت البلدة، ذات الغالبية الشيعية والتي تتبع قضاء بنت جبيل بمحافظة النبطية (جنوب)، معاركا حامية الوطيس بين مقاتلي "حزب الله" وقوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة.
آنذاك، تمكن مقاتلو "حزب الله" من قتل العشرات من الجنود الإسرائيليين، بينما دمر الجيش الإسرائيلي 85 بالمئة من منازل البلدة، التي ترتفع عن سطح البحر بمقدار 650 مترا، وتتميز المنطقة بمناظرها الطبيعية الخلابة.
لكن بسالة مقاتلي "حزب الله" آنذاك أحبطت مساعي إسرائيل للسيطرة عليها؛ لتجبرها الخسائر بصفوف قواتها، ضمن عوامل أخرى، إلى وقف الحرب بعد 34 يوما، فيما أُعيد بناء البلدة لتستعيد بهاءها ورونقها المعهود.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فمنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، ينفذ الجيش الإسرائيلي غارات عنيفة مكثفة على عيتا الشعب، تصاعدت خلال الأيام الأخيرة بالتزامن مع مساعي يائسة للسيطرة عليها، وكأنها تسعى لأخذ ثأرها القديم منها.
وكما كانت الصورة في 2006، يواصل الجيش الإسرائيلي التدمير الممنهج للبلدة بالقصف الجوي والمدفعي، فيما يشتد القتال فيها من "مسافة صفر" بين مقاتلي "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.
وارتفعت حدة القتال بين الطرفين بعدما بث الإعلام الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، مشاهد تظهر رفع العلم بأحد شوارع البلدة اللبنانية الواقعة على الحدود مع إسرائيل، وسط دمار هائل.
لكن "حزب الله" أكد، الخميس، فشل الجيش الإسرائيلي في التمركز بأي بلدة جنوبي لبنان رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على بدئه محاولات التوغل البري.
وقال الحزب، في بيان، إنه يخوض "اشتباكات عنيفة في البلدة من مسافة صفر ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة بِمختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والصاروخية".
كما أعلن الحزب أكثر من مرة عن استهداف تجمعات لجنود إسرائيليين وتدمير دبابات لهم من نوع "ميركافا" عبر هجمات بالأسلحة الرشاشة والصاروخية وقذائف المدفعية ما أدى إلى إيقاع خسائر كبيرة بالجنود والآليات.
إسرائيل، التي تواجه اتهامات بالتكتم على حصيلة قتلاها، ولم تؤكد إعلانات "حزب الله"، إلا أنه لم يكد يمضي يوم خلال الفترة الأخيرة دون أن تعلن عن قتلى أو مصابين لها في جنوب لبنان.
** ثأر إسرائيلي قديم
ويرى مراقبون أن الجيش الإسرائيلي له ثأر قديم مع البلدة التي انطلق منها مقاتلو "حزب الله" في 12 يوليو/ تموز 2006 لتنفيذ ما يُعرف لبنانيا بعملية "الوعد الصادق"، حيث شنوا هجوما على دورية عسكرية بمنطقة زارعيت الحدودية، بهدف أسر جنود منهم لمبادلتهم مع أسرى لبنانيين وعرب في السجون الإسرائيلية.
خلال هذا الهجوم، قتل "حزب الله" 3 جنود إسرائيليين وأسر اثنين آخرين. كما قُتل 5 جنود آخرين في محاولة إسرائيلية فاشلة لاستعادة الجنديين الأسيرين.
بعدها شنت إسرائيل حربا مدمرة على لبنان دامت 33 يوما، وأسفرت عن مقتل نحو 1200 لبناني، وأكثر من 120 إسرائيليا، وخلفت دمارا ماديا واسعا في لبنان.
لكنها لم تنجح في استعادة الأسيرين، وحقق "حزب الله" هدفه لاحقا حيث بادل جثتهما في 16 يوليو 2008، مقابل إطلاق إسرائيل سراح سمير القنطار، الذي كان مسجونًا منذ عام 1979 بتهمة تنفيذ عملية مسلحة ضد إسرائيل، بالإضافة إلى أربعة مقاتلين آخرين من الحزب وجثامين حوالي 199 مقاتلاً لبنانيا وفلسطينيا.
كان هذا التبادل ذو رمزية كبيرة، خاصة بالنسبة للحزب، حيث اعتبره انتصارا معنويا كبيرا، بينما في إسرائيل أثار جدلا حول ما إذا كان التبادل عادلا في ظل تسليم جثامين الجنود بدلا من استرجاعهم أحياء.
** الدمار يتكرر
ولعل مشاهد الدمار الكبير لبلدة عيتا الشعب في الحرب الحالية، تُذكر اللبنانيين بالدمار الذي لحقها خلال حرب 2006؛ بسبب شدة القصف الإسرائيلي، والمواجهات العنيفة التي وقعت حينها بين مقاتلي "حزب الله" والجيش الاسرائيلي الذي فشل في احتلالها؛ ما منحها رمزية خاصة، وعزز مكانتها كنموذج للصمود.
وبخلاف الثأر القديم، تعد السيطرة على البلدة أهمية كبرى لإسرائيل، فهي قريبة من الحدود، وتلعب دورا مهما في توفير حاضنة شعبية لـ"حزب الله"، حيث يتركز في البلدة أغلبية سكانية من الطائفة الشيعية، ما يعزز الدعم الاجتماعي للحزب في هذه المنطقة.
جغرافيا، تبعد البلدة عن العاصمة بيروت حوالي 136 كيلومترا، وتمتد مساحتها على أكثر من 10 كيلومترات مربعة، فيما يقدر عدد سكانها بنحو 14 ألف نسمة.
وخلال حرب 2006، دُمر 85 بالمئة من منازل البلدة، وأعيد بناؤها من جديد، بينما تشهد اليوم دمارا كبيرا وأعمال تجريف للشارع الغربي الذي دخلته القوات الإسرائيلية، ولا تزال الشوارع الأخرى فيها تشهد مواجهات مستمرة مع مقاتلي "حزب الله".
حيث قام الجيش الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، بتفجير أحياء سكنية بأكملها في القرى والبلدات التي يدخل إليها أو إلى أجزاء منها، أبرزها كفركلا ومحيبيب وبليدا بقضاء مرجعيون، وبلدة يارون في قضاء بنت جبيل، إضافة إلى عيتا الشعب، وهو ما اعتبره مراقبون أنه تكرار للإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة الذي دمرت تل أبيب غالبية أبنيته السكنية.
وتُعتبر عيتا الشعب من أكثر البلدات في جنوب لبنان التي تعرضت للقصف والغارات الإسرائيلية منذ بدء المواجهات الحدودية بين تل أبيب و"حزب الله" في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك عندما فتح الحزب وفصائل لبنانية وفلسطينية أخرى، جبهة إسناد لقطاع غزة من جنوب لبنان.
ومنذ ذلك التاريخ، تعرض لبنان لنحو 11 ألف غارة وقصف جوي ومدفعي من الجيش الإسرائيلي، ما تسبب في أضرار بالغة في الأبنية السكنية، بحسب تقرير لوحدة إدارة مخاطر الكوارث اللبنانية التابعة للحكومة الثلاثاء.
وفي مقابلة سابقة مع الأناضول، قال الخبير اللبناني في علم الزلازل والجيولوجيا طوني نمر، إن الدمار الهائل الذي سببه العدوان الإسرائيلي على لبنان، يفوق تأثيرات الزلازل الكبرى، معتبرا أن الدمار الحالي غير مسبوق في تاريخ بلاده التي سبق وأن تعرضت لحروب سابقة.
وبعد اشتباكات مع فصائل في لبنان، بينها "حزب الله" بدأت عقب شن إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسعت تل أبيب منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي نطاق الإبادة لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه.
وأسفر العدوان على لبنان إجمالا، عن مقتل ألفين و593 وإصابة 12 ألفا و119، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فضلا عن أكثر من مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي، وفق رصد الأناضول لبيانات رسمية لبنانية معلنة حتى مساء الخميس.
ويوميا يرد "حزب الله" بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومقار استخباراتية وتجمعات لعسكريين ومستوطنات، وبينما تعلن إسرائيل جانبا من خسائرها البشرية والمادية، تفرض الرقابة العسكرية تعتيما صارما على معظم الخسائر، حسب مراقبين.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.