عالم آثار: جغرافية المغرب وراء غناه بأقدم الآثار البشرية (مقابلة)
جاء ذلك في مقابلة مع الأناضول، أجراها بوزوكار، وهو مدير مختبر المصادر البديلة لتاريخ المغرب بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في العاصمة الرباط (حكومي).

Rabat
الرباط/ مهند ابوجحيشة/ الأناضول
عالم الآثار المغربي، عبد الجليل بوزوكار، للأناضول:- وتيرة الاكتشافات الأثرية في المغرب ستتواصل مستقبلا.
- موقع البلاد كان سببا في الوصول إلى أهم الاكتشافات العلمية كأقدم آثار للإنسان العاقل، وأقدم حلي بالعالم.
- منذ 2014 تم استخراج ما يفوق 19 ألف قطعة أثرية من موقع "بيزمون" (وسط غرب).
- كما استخرج ما يفوق 17 ألف قطعة أثرية من مغارة "الحمام" (شمال شرق) بين 2003 و2018.
قال عالم الآثار المغربي، عبد الجليل بوزوكار، إن الموقع المتميز للمملكة جعلها غنية ببعض أقدم الآثار البشرية على الإطلاق، معتبرا أن وتيرة الاكتشافات الأثرية بالبلاد ستتواصل مستقبلا.
جاء ذلك في مقابلة مع الأناضول، أجراها بوزوكار، وهو مدير مختبر المصادر البديلة لتاريخ المغرب بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في العاصمة الرباط (حكومي).
وذكر المتحدث، أن وجود المغرب على واجهتين بحريتين هما البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، إضافة إلى انفتاحه على العمق الإفريقي "كان سببا في الوصول إلى أهم الاكتشافات العلمية كأقدم آثار للإنسان العاقل، وأقدم حلي بالعالم".
* "أقدم حلي بالعالم"
وخلال سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن فريق علماء وخبراء من المغرب والولايات المتحدة، اكتشاف 32 قطعة من الأصداف البحرية (تسمى تريتيا جيبوسولا)، استخدمت كحلي للزينة، تعد "الأقدم من نوعها في العالم".
بوزوكار أحد علماء هذا الفريق، قال إن "الحلي المكتشفة في موقع (بيزمون) بمدينة الصويرة (وسط غرب)، ترجع إلى 150 ألف سنة، وتعد الأقدم من نوعها في العالم".
وأضاف: "الإنسان الذي صنع هذه الحلي ذهب إلى شاطئ البحر الذي كان يبعد في تلك الفترة 50 كيلومتر، وقام بانتقاء هذه الصدفيات، وثقبها وطلائها بتربة المغرة الحمراء، الغنية بأكسيد الحديد لمنحها اللون الأحمر".
واعتبر أن أهمية هذا الاكتشاف ترجع إلى ما يرمز إليه من جانب ثقافي سلوكي في تاريخ الإنسان قبل 150 ألف سنة.
وأردف: "سبق وأن اكتشف هذا النوع من الحلي في مناطق أخرى بالمغرب، وكذلك في الجزائر والشرق الأوسط، لكن بعمر أقل من التي تم اكتشافها مؤخرا بالمملكة".
وأفاد قائلا: "ذلك يدل على أن الإنسان قام باكتشاف شيء له دلالة رمزية يستخدم للزينة وليس كأدوات للطعام وغيره، وقام بنشره على نطاق واسع".
وتابع: "هذا ما يعني أن الإنسان لأول مرة في تاريخ البشرية قام بتحويل جسده إلى وعاء لإبرازه أو ربما لإيصال بعض الرسائل إلى أفراد مجمعته أو مجموعات أخرى تبعد عنه".
** "أقدم إنسان عاقل"
ولا تقتصر الاكتشافات الأثرية النادرة والمهمة في المغرب على الحلي والأدوات "بل تتعدى ذلك إلى اكتشاف النواة الأولى للإنسان العاقل والتي ترجع إلى نحو 300 ألف سنة"، وفق بوزوكار.
وفي يونيو/حزيران 2017، أعلنت وزارة الثقافة المغربية، في بيان، اكتشاف بقايا "أقدم إنسان لصنف الإنسان العاقل"، بمدينة اليوسفية (شمال)، من طرف فريق علمي مغربي - ألماني مشترك.
وأضاف المتحدث: "كما سجل في المغرب اكتشاف أول آثار لاستقرار الإنسان بمغارة الحمام، في فترة ما قبل 15 ألف سنة، وهو الذي يعد أمرا مهما، إذ يخالف ما كان منتشر سابقا حول الإنسان البدائي والإنسان العاقل".
وزاد: "هذه الآثار أبانت على أن هناك ممارسات تبعد كثيرا عن ممارسات الإنسان القديم المتمثلة في الصيد والتقاط الثمار، لتتجاوزها إلى ممارسة زراعة بدائية وتحويل الغذاء والاستقرار في منطقة معينة واستغلال مواردها".
** تنوع إيكولوجي
واعتبر عالم الآثار، أنه لا ينبغي فصل الاكتشافات الأثرية في المغرب عن الموقع الجغرافي المتميز للمملكة في أقصى الشمال الغربي لقارة إفريقيا.
وأضاف أن "هذا الموقع الجغرافي لا يمكن إلا أن يساهم في تواجد حركية بشرية كثيفة منذ القدم، وأيضا سيساهم بشكل كبير في بروز بعض الإنتاجات البشرية وبعض الاختراعات البشرية لأول مرة".
واستطرد: "إذا نظرنا إلى خريطة المغرب نلاحظ أن هناك امتدادا جغرافيا طويلا جدا، جعلنا نمر من منطقة إيكولوجية إلى أخرى، أي من منطقة متوسطية إلى أطلسية إلى صحراوية".
وأفاد بأن "هذا التنوع في البيئات كان له انعكاس كبير في القديم، وهو الذي أهل المنطقة لكي تعرف هذه الفورة من السلوكيات البشرية القديمة، وبالتالي وجود العديد من الأشياء التي نطلق عليها الآن أنها أول أو أقدم اكتشافات".
** آلاف القطع الأثرية
وعن حجم ما تم اكتشافه، قال بوزوكار: "هناك معطيات لا يمكن الإفصاح عنها حاليا لأنها قيد التحقق والنشر، لكن ما يمكن قوله إن هناك اكتشافات سيتم الكشف عنها لا تهم فقط التاريخ القديم للمغرب بل تهم جزأ غير يسير من تاريخ البشرية".
وأضاف: "إلى حد الآن فإن ما تم التنقيب فيه من مواقع لا يفوق 10 بالمئة، من المواقع الأثرية في المغرب".
واستدرك: "على مستوى موقع بيزمون، فمنذ 2014 إلى الآن تم استخراج ما يفوق 19 ألف قطعة أثرية من هذا الموقع".
وأردف: "كما تم استخراج ما يفوق 17 ألف قطعة أثرية من مغارة الحمام بمنطقة تافوغالت (شمال شرق) في الفترة ما بين 2003 و2018".
وأفاد بأن وتيرة الاكتشافات في المغرب لابد أن تتواصل وترتفع، مؤكدا أن "هناك حاليا العديد من الفرق البحثية التي تنقب في المواقع الأثرية بأدوات متطورة وأسئلة جديدة".
** مركز تاريخي
واعتبر المتحدث، أن "الاكتشافات الأخيرة في المغرب ونوعيتها، وارتباطها باكتشافات أخرى مماثلة في العالم يطرح التساؤل عن مركز الحركة البشرية في تلك الحقبة الزمنية".
وتابع: "لابد من أن هناك مركزا لهذه الحركة البشرية والتساؤل يطرح حول مكان هذا المركز هل هو المنطقة الجغرافية التي فيها المغرب الآن أم لا".
ويرى أن "هذا التساؤل يستحضر حقيقة أن أقدم إنسان عاقل اكتشف في المغرب بعمر يعود إلى 315 ألف سنة، إلى جانب أقدم حلي في العالم أيضا".
وأضاف: "ويستحضر هذا السؤال أيضا أن هناك آثارا للإنسان العاقل اكتشفت بمناطق أخرى في إفريقيا لكن بعمر أقل كتلك المكتشفة بجنوب إفريقيا وتعود لـ 260 ألف سنة، إلى جانب وجود نفس نوع الحلي المكتشفة في المغرب في مواقع بالشرق الأوسط لكن بعمر أقل".
واستطرد: "هذا التساؤل يبقى معلقا وبحاجة إلى الإجابة عليه على ضوء هذه المعطيات".
** فوائد متعددة
وعن أوجه الاستفادة من الاكتشافات في المغرب، قال بوزوكار: "من المؤكد أن المجموعة العلمية الدولية ستستفيد من هذه الاكتشافات المنشورة في مجلات علمية محكمة تضفي عليها المصداقية".
واعتبر أن هذه الاكتشافات ينبغي أن يكون لها وقع (سيسيواقتصادي/ الاقتصاد الاجتماعي) على السكان المحليين بالدرجة الأولى".
وختم بالقول: "هناك تفكير جدي الآن في المغرب من أجل استغلال هذه الاكتشافات في السياحة الثقافية لإبراز هذا الجانب المهم ليس من تاريخ البلاد فقط، بل من تاريخ البشرية".