حنين الوادية.. طفلة تبحث عن حياة في أرض الموت (تقرير)
فقدت جميع أفراد عائلتها في مجزرة مدرسة الجرجاوي التي ارتكبتها اسرائيل في غزة وقتل خلالها 31 فلسطينيا بينهم 18 طفلا و6 نساء..

Gazze
غزة/جمعة يونس/الأناضول
من تحت بطانية غمرها الركام والغبار، زحفت الطفلة حنين الوادية (6 أعوام) تقاوم النيران والدخان، تمشي على قدميها الجريحتين وسط ركام يلتهم كل شيء، تبحث عن والدتها في عالم لم يعد فيه أحد.
في لحظة واحدة، تغيّر كل شيء، صواريخ إسرائيلية استهدفت المدرسة التي كانت حنين تحتمي مع عائلتها فيها بحثًا عن ملاذ مؤقت.
لكن ذلك الملاذ تحوّل إلى مقبرة، وحنين كانت الناجية الوحيدة من عائلتها التي قضت حرقا دخل المدرسة وهم نيام.
بجسد صغير مليئ بالحروق، وملامح لم تستوعب بعد حجم الفقد، خرجت حنين من بين النيران وتحت الركام تسأل عن والديها وأشقائها، لكن أحدًا لم يُجب.
وفي ساعات فجر الاثنين، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة مروعة عندما استهدف مدرسة الجرجاوي بحي الدرج شرق مدينة غزة، مما أدى لمقتل 31 فلسطينياً بينهم 18 طفلاً و6 نساء، إلى جانب عشرات الجرحى بجراح متفاوتة، وفق المكتب الإعلامي الحكومي.
وذكر المكتب، أن المدرسة كانت تؤوي آلاف النازحين وقت القصف، معتبرا المجزرة "امتدادًا مباشرًا لسياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية" التي تنفذها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين في القطاع.
شهادة مؤلمة
ونشر ناشطون مقطعًا مؤثرًا للطفلة حنين وهي داخل المستشفى تروي ما عاشته ببراءة مكلومة، لم تستوعب بعد حجم الفقد. كانت عيناها منتفختين ووجهها يحمل آثار الصدمة والحروق، ومع ذلك تحدثت بطلاقة، كأنها تبحث بالكلمات عما لم تجده تحت الركام.
وقالت بصوت منخفض: "خرجت من تحت البطانية أبحث عن ماما وبابا... لم أجدهم، لكن سمعت صوت ماما، لكن لم أعرف أين هيه، وخرجت أبحث عنها".
كانت كلماتها بسيطة، لكنها هزت من سمعها؛ صوت طفولي يروي مأساة أكبر من أن تُروى، ومشهد لن تمحوه الأيام من الذاكرة.
لم تكن حنين تعيش حياة طبيعية قبل المجزرة، فمنذ أكثر من 20 شهرًا، لم تذق طعم الراحة، في ظل نزوح شبه دائم عاشته مع عائلتها، متنقلة من مكان إلى آخر هربًا من القصف.
حرمت من الطعام، ومن ألعابها، ومن مدرستها التي كان من المفترض أن تبدأ فيها الصف الأول، ومن تفاصيل الطفولة العادية التي لا يعرفها أطفال غزة.
وتحوّلت أصوات القصف، التي كانت تُفزعها في البداية، إلى جزء من يومها، كما هو حال مئات آلاف الأطفال في القطاع. أطفال يعيشون في حالة طوارئ دائمة، ينامون على حقيبة النزوح، ويستيقظون على غياب جديد.
حنين وحيدة
وقال عمها، أحمد الوادية، في مقطع مصور نشره ناشطون: "حنين فقدت والديها وكل إخوتها، لم يبقَ لها أحد. كانت داخل المدرسة لحظة القصف، ونجت وحدها بأعجوبة".
وتعاني الطفلة من حروق في يديها وقدميها، لكنها تحمل جراحًا أعمق من تلك التي تُرى. في مستشفى مزدحم بالناجين، تتلقى علاجًا جسديًا، بينما تحاول العائلة منحها شيئًا من الأمان الذي سُرق منها.
حنين ليست مجرد ناجية. هي طفلة خاضت تجربة الموت وبحثت وسط اللهب عن حضن أم، أو يد أب.
وعلى مدار نحو 20 شهرا من الإبادة في غزة استهدفت إسرائيل عشرات مراكز الإيواء بينها مدارس وجامعات وساحات مستشفيات ومناطق صنفها الجيش الإسرائيلي على أنها آمنة، ما أسفر عن مقتل وإصابة آلاف الفلسطينيين غالبيتهم أطفال ونساء، وفق بيانات رسمية.
وبحسب بيان المكتب الحكومي، فإن الجيش الإسرائيلي استهدف بشكل متعمد وممنهج نحو 241 مركزا للإيواء والنزوح القسري منذ بدء الإبادة الجماعية.
والجمعة، قالت وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، سماح حمد للأناضول، إن عدد الأيتام في قطاع غزة تضاعف من نحو 25 ألفًا إلى ما يقارب 50 ألفًا خلال 17 شهرًا فقط(منذ بدء الإبادة في 7 أكتوبر 2023)، نتيجة القصف المكثف واستهداف العائلات.
بين المجازر والجوع
في غزة، يتكرر هذا المشهد كثيرًا، لكن قصة حنين تظل واحدة من أكثر الحكايات التي تختصر الألم الفلسطيني في جسد صغير، يمشي وسط الركام، شاهدة على ما يعيشه ملايين الأطفال المحاصرين.
فما عاشته حنين من فقد ونجاة وسط المجزرة، ليس إلا وجهًا واحدًا لمأساة أوسع، إذ تأتي هذه المجازر اليومية بالتزامن مع أزمة جوع خانقة تطال جميع الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر المؤدية للقطاع في 2 مارس/آذار الماضي.
والاثنين، قالت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، حنان بلخي، إن قطاع غزة يشهد واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم بسبب هجمات إسرائيل وحصارها الخانق للقطاع.
وأوضحت، أن الوضع في غزة وصل إلى مستوى كارثي، وأن أكثر من 1500 اعتداء على القطاع الصحي في غزة والضفة الغربية وقعت منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأضافت أن شخصا من كل خمسة من سكان غزة يواجه الجوع، داعية إلى تطبيق القانون الإنساني الدولي ورفع الحصار ووقف إطلاق النار وإحلال السلام في غزة.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
ويحتاج قطاع غزة يوميا إلى 500 شاحنة مساعدات إغاثية وطبية وغذائية عاجلة و50 شاحنة وقود كحد أدنى منقذ للحياة وسط تفاقم المجاعة، بحسب ما أورده المكتب الحكومي.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، خلّفت نحو 177 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.