"حاكورتنا".. مزرعة بالضفة تقاوم التضييق الإسرائيلي 40 عاما (تقرير)
- تقع المزرعة المحاصرة من جدار الفصل الإسرائيلي ومصانع إسرائيلية غرب مدينة طولكرم شمالي الضفة

Ramallah
طولكرم/ قيس أبو سمرة/ الأناضول
- تقع المزرعة المحاصرة من جدار الفصل الإسرائيلي ومصانع إسرائيلية غرب مدينة طولكرم شمالي الضفة- السلطات الإسرائيلية أخطرت بوقف العمل وإزالة منشآت المزرعة
- صاحبة المزرعة منى الطنيب: حكايتي مع المزرعة التي أسسناها في الثمانينيات لا يمكن وصفها
- نجل صاحبة المزرعة عدي: الاحتلال الإسرائيلي يواصل بكل الطرق التضييق علينا لترك الأرض والاستيلاء عليها
ما أن تشرق الشمس حتى تشق الفلسطينية منى الطنيب طريقها إلى مزرعتها الواقعة إلى الغرب من مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، غير آبهة بفوهات بنادق الجيش الإسرائيلي التي ترقب كل حركة في مزرعتها الملاصقة لجدار الفصل الإسرائيلي.
وتقول الطنيب التي تعمل في مزرعة عائلتها المسماة "مزرعة حاكورتنا" للأناضول، إن لها "حكاية مع كل ذرة تراب في الأرض".
لكن الألم يعتصر السيدة التي عاشت نحو 40 عاما بين أشجار ونباتات "الحاكورة"، جراء تصاعد التضييق إسرائيل عليها وقرارها وقف العمل في المزرعة وتحويلها إلى منطقة "آمنة عازلة".
وبدأت إسرائيل في بناء جدار الفصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، بذرائع أمنية عام 2002.
وفي عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قرارا استشاريا، يقضي بإدانته وتجريمه.
** مزرعتي طفلتي المدللة
وكانت السلطات الإسرائيلية أخطرت العائلة مطلع أغسطس/ آب الجاري بوقف العمل وإزالة المنشآت (بيوت بلاستيكية ومزرعة لتربية الأسماك ومنشآت أخرى) بحجة أنها "منطقة أمنية".
ويحاصر الجدار الإسرائيلي ومصانع استيطانية إسرائيلية المزرعة من 3 جهات، والوصول إليها يتم عبر طريق ترابي وحيد تحت مراقبة السلطات الإسرائيلية حيث يقف جنود في برج عسكري يرقبون كل حركة فضلا عن كاميرات تنتشر على جدار الفصل.
وعن الأرض تقول الطنيب: "ليس من السهل أن تحكي عن الأرض، عشت فيها حياتي، مع كل ذرة تراب لي فيها حكاية، هي عمرك وأملك وحبك وحلمك وكل شيء".
وأسست السيدة برفقة زوجها فايز الطنيب (63 عاما) المزرعة في ثمانينات القرن الماضي.
وأشارت إلى أن حكايتها مع الأرض "لا يمكن وصفها، أنا منها وهي مني، وهي طفلتي المدللة".
تمسك الطنيب بمنجل تقطع به نباتا عطريا، ترقب مزرعتها، وتعرف كل تفاصيلها.
وفي ظل شجرة تعد إبريقا من الشاي على نار الحطب، لكنها بمزاج عَكر، تقول بصوت خافت: "أخشى أن نخسر الأرض" ثم تشيح وجهها وتكاد تذرف الدموع.
** نحوض حربا
يقول نجلها عدي (35عاما) للأناضول، إن عائلته "تخوض حربا مع الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيس المزرعة عام 1984، وخسرت منها 16دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) في 2002 لصالح جدار الفصل العنصري".
وتعمل العائلة اليوم، في مساحة تصل 20 دونما، تزرع الأشجار بأنواع مختلفة، ونباتات وخضار وفواكه، وتضم المزرعة بركة لتربية الأسماك وخلايا نحل.
يقول عدي إن "الاحتلال الإسرائيلي يواصل بكل الطرق التضييق عليهم لترك الأرض والاستيلاء عليها".
ومع اندلاع الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 منعت العائلة من الوصول إلى المزرعة لعدة أشهر، وعادت بعد نضال مرير ووجدت كل شيء مدمر فأعادت بناء المزرعة رغم المضايقات.
وأشار إلى أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا الرصاص مرات عديدة نحو المزرعة من أجل ترهيبهم.
وعن الإخطار الإسرائيلي الأخير يقول "اليوم بدواعٍ أمنية يطلب منا وقف البناء وإزالة كل البيوت البلاستيكية والمنشآت في المزرعة لتحويلها إلى منطقة عازلة بجوار جدار الفصل الإسرائيلي".
لكن العائلة ترى في الإخطار، بحسب عدي "محاولة للسيطرة على كل ما هو فلسطيني والتضييق على السكان والدفع بهم خارج بلادهم في تطهير عرقي".
وقال: "ما يجري هنا هو ذات الأمر الذي يجري من التضييق على السكان في مسافر يطا جنوبي الضفة والأغوار".
ولمواجهة القرار الإسرائيلي وكلت العائلة محامين وتوجهت إلى جهات حقوقية وقانونية.
** متمسكون بالأرض
عدي الطنيب يتابع: "نشأت هنا وكبرت مع أشجار الأرض. أنا ابن الأرض لا يمكن لنا تركها".
ويمضي قائلا: "العلاقة مع الأرض علاقة ترابطية مكملة لبعضها البعض علاقة مثل الأم وطفلها لا يمكن أن نتخلى عنها".
وتعد مزرعة الطنيب أو "حاكورتنا" مزرعة بيئة عضوية تعتمد على أسلوب الزراعة الصديقة للبيئة والإنسان، وتبتعد قدر الإمكان عن استخدام المبيدات الحشرية.
و"الحاكورة" في الموروث الثقافي هي الأرض الملاصقة للبيت وكانت تزرع العائلات فيها ما تحتاجه من ثمار بطريقة عضوية.
ويأتي قرار وقف العمل والإزالة في مزرعة "حاكورتنا" وسط تصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية وتسارع غير مسبوق في الاستيطان والسيطرة على الأراضي، ومساعي لضمها للسيادة الإسرائيلية.
وبموازاة حرب الإبادة في غزة، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1015 فلسطينيا على الأقل، وأصابوا نحو 7 آلاف، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية.
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة الإسرائيلية 62 ألفا و64 قتيلا، و156 ألفا و573 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 266 شخصا، بينهم 112 طفلا.