"الكوشوك" يثير خلافات بين ثوّار غزة (تقرير)
يستعد نشطاء لإشعال كميات كبيرة من إطارات السيارات المطاطية قرب الحدود اليوم، لحجب الرؤية عن الجيش الإسرائيلي مطلقين على اليوم اسم "جمعة الكوشوك" وهي خطوة رفضها آخرون بسبب أضرارها البيئية
Gazze
غزة/ نور أبو عيشة/ الأناضول
أثار إعلان نشطاء فلسطينيون، نيتهم إشعال أعداد كبيرة من إطارات السيارات المطاطية المستعملة، وهو ما يعرف محليا بـ"الكوشوك"، اليوم الجمعة، على الشريط الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل، كخطوة احتجاجية، آراءً متباينة.
ففي الوقت الذي أيد البعض الخطوة، على اعتبار أنها خطوة احتجاجية متقدمة، وستلحق ضررا بالسياج الحدودي، وستؤذي الجيش الإسرائيلي، رفضها البعض الآخر، وقال إنها تلحق ضررا فادحا بالبيئة، جراء دخان الإطارات.
وانتقل هذا الجدال إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك به محللون سياسيون، وأكاديميون ونشطاء وأشخاص عاديون.
وشارك في هذا الخلاف كذلك، أطراف إسرائيلية، حيث أصدرت تصريحات تحذر من مغبة الإقدام على هذه الخطوة.
ويبدو أن الغلبة كانت لفريق إشعال "الكوشوك"، حيث تمكن النشطاء الداعين للخطوة، من جمع كميات كبيرة من إطارات السيارات، وجلبوها قرب السياج الحدودي، وأطلقوا على اليوم، اسم "جمعة الكوشوك".
ورصدت وكالة الأناضول، انشغال مئات الشبان الفلسطينيين في تجميع الإطارات المطاطية على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، فيما انهمكت العشرات من الفلسطينيات في تلوين إطاراتٍ أخرى وغرس أشتالٍ زراعية بداخلها.
ويعتزم هؤلاء النشطاء إشعال المئات من إطارات المركبات، بشكل متزامن، كي يشكل الدخان الأسود الكثيف الصادر عنها حاجزا يعيق رؤية الجيش الإسرائيلي للمتظاهرين، بحسب الداعين للفعالية.
**أداة قديمة
ويعد إشعال الإطارات المطاطية، شكلا قديما من أشكال المقاومة الشعبية الفلسطينية، وانتشر تحديدا إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) التي اندلعت عام 1987.
ويشعر الشاب الفلسطيني محمد راضي (25 عاماً)، بـ"الحماس"، منتظراً إشعال إطارات الكوشوك، التي ساهم في تجميعها قرب حدود مدينة غزة، خلال الأيام الماضية.
ويستذكر راضي بذلك "أيام الانتفاضة التي استخدمت فيها إطارات المركبات المطاطية، كإحدى أدوات النضال الفلسطيني".
ولا يكترث للأخطار البيئية أو الصحية التي يسببها الدخان المنبعث من إحراق الإطارات، قائلاً "المهم تشتيت الرؤية على القناصة الإسرائيلية تقليل الخسائر البشرية".
وقال لـ"الأناضول":" من حق الجميع التظاهر والتنفيس عن غضبه بالطريقة المتاحة لإيصال رسالته للعالم الخارجي، وهذه الطريقة سلمية ولا تخرج عن إطار فعاليات المسيرة".
ورفض راضي الاعتراضات التي واجهت فكرة إشعال الإطارات المطاطية على طول الحدود الشرقية الفاصلة بين قطاع غزة وإسرائيل، بدعوى "الأضرار البيئية"، على حدّ قوله.
وأضاف:" أين كانت تلك الأصوات حينما استخدم الجيش الإسرائيلي الأسلحة المحرمة دولية، الضارة بالإنسان قبل البيئة، وأين صوته عندما يستخدم المبيدات الكيميائية المسرطنة والضارة بالبيئة؟".
**تقليل أعداد الضحايا
مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، يرى أن إشعال "الكوشوك" أمر مشروع، طالما أنه يأتي بغرض "تشكيل حاجز دخاني كثيف لحجب الرؤية على الاحتلال بغرض حماية المعتصمين من القتل الذي يمارسه الاحتلال".
ويقول لـ"الأناضول":" هذا عمل جماهيري شعبي ومبادرات شبابية، لم تخرج من إطار رسمي".
ويوضح إبراهيم أن إشعال "الكوشوك" على طول حدود غزة لا يُخرج مسيرات العودة وكسر الحصار، عن طابعها السلمي.
ويرجع ذلك إلى أن المتظاهرين السلميين، باستخدامهم لـ"الكوشوك"، يريدون تقليل أعداد الضحايا، الذين يتم استهدافهم بشكل متعمّد من الجانب الإسرائيلي، على الرغم من الضرر البيئي الذي يتسبب به إحراق تلك الأعداد الكبيرة منها.
ويذكر أن ذلك يشير إلى نجاح مسيرات العودة السلمية في إعادة تشكيل الوعي لدى الجمهور الفلسطيني بـ"أهمية المشاركة السلمية"؛ ما دفعهم للبحث عن وسائل لتقليل أعداد الضحايا وضمان ديمومة العمل السلمي.
ومن المحتمل أن يُعطي حجب الرؤية على الجانب الإسرائيلي باستخدام دخان "الكوشوك" ذريعة للجيش، من أجل استهداف المواطنين العزل بشكل عشوائي، لكن ذلك يبقى مستبعداً، وفق إبراهيم، طالما أن الهيئة الوطنية العُليا لمسيرات العودة وضعت قواعد للمسيرة من ضمنها عدم الاقتراب من السياج الأمني الفاصل بين القطاع وإسرائيل.
كما يمنع الدخان الكثيف المتوقع أن ينبعث من إشعال الإطارات المطاطية، المتظاهرين من الاقتراب من السياج الأمني، الأمر الذي قد يقلل من أعداد الضحايا، بحسب إبراهيم.
**المعارضون
وعلى الجانب الآخر، يعتبر أحمد أبو ارتيمة، أحد منسقي المسيرة، أن فكرة إشعال "إطارات المركبات المطاطية، لا علاقة لها بمبادئ مسيرة العودة السلمية".
ويعتمد أبو ارتيمة في وجهة نظره على أن "إشعال الإطارات تفترض وجود مواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يتعارض مع الاعتصام السلمي على بعد 700 متر من السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل".
ويقول أبو ارتيمة، في تدوينة نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك":" هذا فضلاً عن أن إشعال الكوشوك من شأنه أن يلوث البيئة".
وأكّد أن الهيئة الوطنية العُليا لـ"مسيرة العودة" لا تدعو إلى "مواجهات، بل إلى حياة طبيعية في الميادين الحدودية".
واقترح على الثوار الشباب الذين يتحمسون لإشعال الإطارات المطاطية بـ"زراعة ألف شجرة قرب حدود غزة، بدل إحراق ألف إطار".
وشدد على أن إطالة أمد الاعتصام السلمي ومسيرات العودة يعتمد على "تكثيف الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية"، إلى جانب تحويل الميادين الحدودية إلى "قبلة للناس ولوسائل الإعلام الدولية".
**إعادة تدوير "الكوشوك"
وبالقرب من خيام "العودة" المقامة على الحدود الشرقية لمدينة غزة، تنهمك الشابة الفلسطينية إسراء العرعير (26 عاماً)، في تلوين إطارات المركبات المطاطية سوداء اللون، تجهيزاً لغرس الورود، وشتلات زراعية بداخلها.
واختارت العرعير أولوان علم فلسطين "الأحمر، والأبيض، والأخضر" لتلوين الإطارات سوداء اللون، إلى جانب الألوان الزاهية، كي تعطي الأمل للفلسطينيين باقتراب موعد عودتهم إلى أراضيهم التي هُجروا منها عام 1948، حسب قولها.
وتضيف لـ"الأناضول":" كنا نتمنى أن يتم استغلال إطارات المركبات المطاطية بطرق أفضل من حرقها، لاستقطاب الناس للمنطقة الحدودية، وتحويلها إلى مناطق وميادين حيوية، كزراعة الأشتال الزراعية والأزهار بداخلها".
وعلى الرغم من الضرر الذي تسببه فكرة إشعال "الكوشوك"، إلا أن "العرعير" بدأت تتقبل تلك الفكرة، كونها أحد أدوات النضال الفلسطيني، وليست أقل ضرراً من الأسلحة المحرّمة دولياً التي تستخدمها إسرائيل.
لكنها ترى أن زراعتها واستغلالها بطرق أكثر أمنا للفلسطينيين له إيجابيات أكثر من حرقها وإشعال النيران، وتلويث البيئة.
وتعتبر العرعير تلوين إطارات المركبات المطاطية وزراعتها بالأزهار، نوعاً من "المقاومة السلمية"، بحيث يمكّن الشابات الفلسطينيات من مقاومة الاحتلال و المطالبة "بحق العودة".
وتقول:" نريد أن نثبت دورنا ومشاركتنا في المقاومة السلمية، فنحن الفتيات لنا طرقنا الخاصة".
وتلفت إلى أن المشاركات في هذه الفعالية، والبالغ عددهن 8، اختاروا الأولوان الزاهية "لأنها ترمز إلى الفرحة"، وذلك تأملاً بـ"تحقق العودة".
وأضافت:" هذه الألوان تدل على أصالة الشعب، الأحمر والزهري، الذي استخدم بكثرة في المطرزات الفلسطينية".
**تدخلات إسرائيلي ة
وأثارت فكرة "جمعة الكوشوك"، سخطا في الأوساط الإسرائيلية العسكرية والسياسية.
وقال موقع "إسرائيل بالعربية" التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية:" حماس ستحاول حرق الجدار الأمني مع إسرائيل من خلال إشعال الآلاف من إطارات السيارات (أو بلغتها "الكوشوك") وإلقاء الزجاجات الحارقة".
وأضافت:" هذا سيحرق حقولاً ومزروعات فلسطينية قرب الجدار وسيتسبب في أزمة بيئية خطيرة جدا لسكان القطاع جميعاً".
وقالت إن "(حركة) حماس لا تكترث بالفلسطينيين إطلاقا ولا تبالي إذا تسبب ذلك في وفاة الأطفال والشيوخ والمرضى".
واقتبست الوزارة في بيانها، وفي مشهد غير اعتيادي، آيات قرآنية من سورتي "البقرة"، و"الأنفال".
ومن جانبه، قال أفيخاي أدرعي، المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي، في تغريدات له على موقع "تويتر":" يا مواطني غزة، احذروا من إرهاب حماس البيئي، فقد بات واضحاً استخفافها بصحّتكم".
وبدأت مسيرات العودة، صباح الجمعة الماضي، حيث تجمهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين، في عدة مواقع قرب السياج الفاصل بين القطاع وإسرائيل، للمطالبة بالعودة.
ولا زالت فعاليات مسيرة العودة مستمرة للأسبوع الثاني على التوالي، ومن المقرر أن تصل ذروتها في 15 مايو/ أيار المقبل.
ويقمع الجيش الإسرائيلي هذه الفعاليات السلمية بالقوة واستهدف المدنيين بدم بارد، ما أسفر استشهاد 22 فلسطينيًا، وإصابة المئات، منذ الجمعة الماضي.
