دولي, التقارير

"الأصل قبل الأداء".. ملامح التمييز الوظيفي ضد الأجانب في ألمانيا (تقرير)

** دراسة أجرتها جامعة زيغن الألمانية كشفت عن انتشار التمييز الوظيفي ضد الأجانب في البلاد وخاصة العرب والأتراك

Hişam Sabanlıoğlu, Enes Taha Ersen  | 16.08.2025 - محدث : 16.08.2025
"الأصل قبل الأداء".. ملامح التمييز الوظيفي ضد الأجانب في ألمانيا (تقرير)

Istanbul

إسطنبول / أنس طه أرسن / الأناضول

** دراسة أجرتها جامعة زيغن الألمانية كشفت عن انتشار التمييز الوظيفي ضد الأجانب في البلاد وخاصة العرب والأتراك
** مدير مركز أبحاث الهجرة في تركيا علي ظفر صاغير أوغلو:
- رغم مرور أكثر من 60 عاما على موجة الهجرة الأولى للأتراك إلى ألمانيا ما زالت العنصرية والتمييز قائمين
- موجة اللجوء الكبيرة إلى ألمانيا 2015 وجائحة كورونا 2019 أسهمتا في زيادة خطاب الكراهية ضد الأجانب

كشفت دراسة أجرتها جامعة زيغن الألمانية عن انتشار التمييز الوظيفي ضد الأجانب، إذ يواجهون صعوبات جدية في الحصول على وظيفة أو ترقية في مسارهم المهني بالبلد الأوروبي.

ووفقا للدراسة التي نشرت تحت عنوان "أماكن التعليم: الأصل أهم من الأداء"، يتعرض الأجانب المقيمون في ألمانيا للتمييز في تفضيلات أصحاب العمل، ويأتي العرب والأتراك في الصدارة المجموعات التي تعاني من التمييز الوظيفي.

وشملت الدراسة إرسال 100 طلب تدريب مهني إلى شركات ومؤسسات مختلفة، لكل اسم يشير إلى أن صاحبه شخص ألماني أو أجنبي.

وأوضحت الدراسة أن الطلبات المرسلة بأسماء ألمانية مثل "لوكاس بيكر"، تلقت ردودا إيجابية أو سلبية على 67 منها، في حين كان الاسم الأقل تلقيا للردود هو "حبيبة محمود"، إذ لم تتجاوز الردود على طلبات هذا الاسم 36 ردا.

كما جاءت الأسماء التركية في المرتبة الثانية من حيث قلة الردود، إذ لم يحصل اسم "يوسف قايا" إلا على 52 ردا من أصل 100 طلب.

وأشارت الدراسة إلى أن إجمالي الطلبات المرسلة تجاوز 50 ألف طلب، وأن العلامات الدراسية للأشخاص الوهميين الذين قُدمت الطلبات بأسمائهم لم تُؤخذ في الحسبان، بل جرى التركيز أكثر على المعلومات التي قد تعطي انطباعا عن أصل المتقدم أو دينه.

** عنصرية مؤسسية

مدير مركز أبحاث الهجرة في تركيا التابع لمؤسسة أبحاث الهجرة، الدكتور علي ظفر صاغير أوغلو، قال إن نتائج الدراسة تسلط الضوء على مسألة العنصرية المؤسسية في المجتمع الألماني وعدم تقبّل الأجانب.

وأوضح للأناضول أن "العيش كأجنبي في أي بلد ينطوي على صعوبات معينة، إلا أن هذه المشكلة في ألمانيا ظاهرة للعيان ويمكن توضيحها بالأرقام والبيانات".

وقال إن الأفراد الذين يواجهون بالفعل صعوبات في مجالات مثل التعليم والحياة اليومية، يعانون أيضًا من التمييز في مجالات العمل وفرص الترقي الوظيفي، وهو ما يمثل مشكلة شائعة للغاية.

وأشار إلى أن نتائج دراسة جامعة زيغن تثبت هذه المشكلة، مؤكدا أن "رفض طلبات العمل المقدمة من الأتراك والعرب والروس أو عدم الرد عليها إطلاقا، يعد دليلا واضحا على هذا التمييز".

** تمييز عبر الزمن

صاغير أوغلو قال إنه "بالنظر خصوصا إلى حالة الأتراك، فرغم مرور أكثر من 60 عاما على موجة الهجرة الأولى، ما زالت حوادث العنصرية والتمييز من هذا النوع قائمة".

وأوضح أن الدراسة تعد مؤشرا على أن ألمانيا لم تتمكن بعد من تجاوز هذه القضية.

وأضاف: "لا يمكن القول إن هذا السلوك في أوروبا غير موجود في دول أخرى، بل قد يُواجه في بعض الأماكن بشكل أشد".

وتابع: "رغم مرور 60 ـ 70 عاما على هجرة الأتراك إلى ألمانيا، ما زلنا نشهد في أوروبا ممارسات تمييزية من هذا النوع ضد المسلمين وضد من لا يشبهون الأوروبيين في ملامحهم".

ولفت إلى أنه يمكن القول إن دراسة جامعة زيغن توضح أن الأشخاص الذين يُستدل من أسمائهم على أنهم مسلمون، أو على الأقل ليسوا أوروبيين "يُوضعون في طبقة منفصلة، ويشغلون مرتبة مغايرة، ويواجهون قدرا معينا من التمييز في فرص العمل".

** "إسلاموفوبيا"

وأشار صاغير أوغلو إلى أن الدراسة التي أجرتها جامعة زيغن "ليست الأولى من نوعها، بل يعد هذا الموضوع محط اهتمام العديد من الدراسات الرسمية".

وذكر مثالا لدراسة مشابهة، إذ أنشأ باحثون ملفا وهميا لشخص لا يمكن تمييزه عن الأوروبيين من حيث الاسم والصورة، وملفا ثانيا يحمل اسما غير ألماني وغير أوروبي لكن صورته تشبه الأوروبيين، وملفا ثالثا لامرأة محجبة تحمل اسما إسلاميا.

تلك الملفات الثلاثة قُدمت للحصول على الوظيفة نفسها، وكانت نتائج الدراسة مشابهة لنتائج دراسة جامعة زيغن، إذ تبيّن أن أقل من تلقى ردودا كان الشخص المسلم، وفق ما ذكره صاغير أوغلو.

وقال مدير مركز أبحاث الهجرة في تركيا إن تلك الدراسات توضح أن هناك "شكلًا خاصا من التمييز ضد المسلمين، وهو ما يُعرف بالإسلاموفوبيا. هذه حقيقة مؤلمة تستحق التوقف عندها والتفكير فيها مليا".

** أسباب المشكلة

وذكر صاغير أوغلو أن موجة اللجوء الكبيرة إلى ألمانيا عام 2015، وما تلاها من جائحة كورونا نهاية 2019، أسهمتا في زيادة خطاب الكراهية ضد الأجانب، إضافة إلى تصاعد نفوذ التيارات السياسية التي تروّج لتلك المواقف.

واعتبر أن تلك العوامل تعد من العناصر الرئيسية للمشكلة التي تُناقش اليوم داخل ألمانيا، لكنها في الواقع موجودة بمختلف أنحاء العالم.

ولفت إلى أنه "رغم اتخاذ أوروبا إجراءات جادة للحد من هذه الظاهرة، فإن استمرار وقوع حوادث مشابهة قد يرتبط بعدم كفاية الجهود أو بعدم توعية المجتمعات بشكل كافٍ".

وتابع: "النتائج التي كشفت عنها الدراسة، وبعض المؤشرات المماثلة، تظهر أن مسار أوروبا في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة يحتاج إلى مزيد من التطوير".

وزاد: "شهدنا في السنوات العشر الأخيرة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وهي أحزاب معروفة بعدائها للأجانب والمهاجرين".

وأوضح أن الأحزاب اليمينية المتطرقة تجد مساحة أكبر في الحياة السياسية، إذ يطرحون تساؤلات عن كيفية وإمكانية العيش مع الأجانب، والمبادئ التي ستحكم ذلك، وكيفية معالجة المشكلات القانونية وفي الحياة اليومية بهذا الخصوص.

** حلول مقترحة

وأوضح صاغير أوغلو أن المشكلات التي يواجهها الأجانب في ألمانيا بخصوص الاستفادة من فرص العمل يمكن في الواقع تفسيرها أيضا بالعنصرية المؤسسية المرتبطة بالبلاد.

وأشار إلى أن تقديم هذه المسألة للناس على أنها "مشكلة اندماج"، يُعتبر نوعا من مشكلة القبول لدى الألمان رغم مرور 60 عاما على الهجرة، وظهور نحو 4 ـ 5 أجيال جديدة.

وأكد أن على الدولة الألمانية القيام بواجبات متعددة لتجاوز هذا الوضع، تشمل تطبيق سياسات وتسهيلات تشجيعية لتوظيف الأجانب على وجه الخصوص.

وأورد مثالا على تلك الإجراءات التشجيعية تخفيف رسوم التأمين الشهرية التي يدفعها صاحب العمل في البلاد لتوظيف الأجانب مقارنة بالألمان.

وتحدث أيضا عن البيروقراطية في إجراءات توظيف الأجانب التي تستغرق وقتا طويلا وتتطلب معاملات منفصلة، مبينا أن ذلك يؤدي إلى "إحجام أصحاب العمل أو عدم رغبتهم في توظيف الأجانب".

وشدد صاغير أوغلو على أهمية غرس ثقافة عدم التمييز منذ الصغر، خاصة عبر التعليم من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة.

وأضاف: "عندما نتحدث عن العنصرية المؤسسية، لا بد من تذكر البعد الاجتماعي للمسألة، إلى جانب بعدها على مستوى الدولة".

وأكد ضرورة أن تنتهج الحكومات "سياسات حازمة وتُجري تعديلات قانونية للقضاء على هذا التمييز في مؤسسات الدولة".

وتابع: "ينبغي لأوروبا التفكير في هذا الأمر، لكن يبدو أن ما نسميه العنصرية المؤسسية تتحول إلى كيان يتغلغل تدريجيا في السياسة، وتتوسع إلى مجالات أخرى".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.