الكوفية والشماغ.. رمزان للتلاحم الأردني الفلسطيني (تقرير)
- بات حضور الكوفية والشماغ في الأردن أمراً أساسياً، ويشكل ارتداءهما مظهراً من مظاهر التأييد لغزة

Jordan
عمان/ ليث الجنيدي/ الأناضول
- بات حضور الكوفية والشماغ في الأردن أمراً أساسياً، ويشكل ارتداءهما مظهراً من مظاهر التأييد لغزة- تاجر الأقمشة إحسان البكري: الشماغ والكوفية أصبحا اليوم رمزا للمقاومة ولكنها قديما كانت زيا عربيا
**الباحث حسين خزاعي:
- ارتداؤهما دليل على وحدة يصعب اختراقها وهي من علامات الرجولة والتعاضد ووحدة المصير
- الأعداء عندما يشاهدون ذلك يدركون مدى الوحدة بين الشعبين الأردني والفلسطيني
تعدى تزايد ارتداء الكوفية الفلسطينية والشماغ الأردني، خلال الفعاليات المؤيدة لغزة بالمملكة، التضامن مع القطاع المحاصر، إلى حّد إيصال الرسائل السياسية، والتي يُراد منها إثبات عمق الترابط بين الشعبين، والتأكيد على وحدة المصير بينهما.
قطع محدودة الحجم من القماش، تتشابه في الشكل وتختلف بالألوان، لكن ارتداءها تحول إلى "جريمة سياسية" لدى بعض الدول الأوروبية، لاسيما مع الإعلان عن توقيف بعض مرتديها، وخاصة الكوفية الفلسطينية.
في الأردن ومع تواصل الشعب المرتبط عقائديا وديموغرافيا مع أبناء فلسطين، بفعالياته المستمرة لتأكيد وقوفه مع غزة ضد "العدوان" الإسرائيلي، بات حضور الكوفية والشماغ أمراً أساسياً، ويشكل ارتداءهما مظهراً من مظاهر التأييد.
وعلى الرغم من أن الكوفية والشماغ تراثان لشعبي البلدين، وتشتهران بهما منذ عقود طويلة، إلا أن غزة أعادت إحياءهما من جديد، وأصبحا رمزين من رموز التضامن مع غزة ضد حرب إسرائيل عليها.
مراسل الأناضول أجرى جولة ميدانية بمنطقة وسط البلد، المكان الرئيس لانطلاق الفعاليات الأسبوعية المؤيدة لغزة وفلسطين، واطلع من خلال لقاء بعض التجار فيها على مستوى الإقبال على الكوفية والشماغ، ودلالات ارتدائها لشاريها.
**رمز للمقاومة وتعبير عن الوحدة
إحسان البكري (70 عاماً)، وهو أحد تجار الأقمشة، قال للأناضول: "إن الكوفية والشماغ لباس قبل أن تكون رمزا لأهل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية، ولكن الألوان تختلف من دولة لأخرى".
وعن تاريخ ظهور الشماغ الأردني، أشار إلى أنه "يعود إلي نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، وكان ارتداؤه لتمييز قوات حرس الحدود والبادية، وكان باللون الأحمر، ودخل إلى المملكة في الخمسينات بشكل رسمي، ثم انتقل لعامة الناس".
وأكد أن "الشماغ والكوفية أصبحا اليوم رمزاً للمقاومة وللكفاح، ولكنها قديما كانت زيا عربيا بلديا".
وأشار إلى أن "الإقبال والطلب عليها تزايد بعد الاعتداءات على غزة والضفة الغربية، كما أن أسعارها متفاوتة حسب نوعية الخام والهدب، وقديما كانت بدون هدب".
و"الهدب" عمليّة تزيين وتجميل للكوفية والشماغ، تكون من خلال إضافة خيوط مختلفة التصاميم على أطرافه الخارجية، بحيث تضفي عليه لمسات فنية، لا يُتقنها سوى القليلين.
وأوضح البكري أن "السعر حاليا 5 دنانير (7 دولار أمريكي) للكوفية والشماغ، وقد كانت تصنع بدمشق (جنوب سورية) وحلب (شمال) والخليل (جنوب الضفة الغربية)، والآن المصانع موجودة بالأردن ودمشق، ومع زيادة الطلب يُنسج بعضها بالهند لمجاراة الطلب الزائد عليها".
فيما اعتبر التاجر رجب ناغوج (40 عاما)، خلال حديثه للأناضول، أن "الإقبال عليها كبير جدا بسبب الأحداث الجارية في فلسطين".
واعتبر أن "الكوفية تعبير شعبي بأن الناس تقف مع القضية الفلسطينية، و أن الشعبين الفلسطيني والأردني شعب واحد".
** غزة أحيت التراث والقضية الفلسطينية
من جانبه، قال الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع حسين خزاعي، للأناضول: "إن الكوفية والشماغ هي من الرموز التي تظهر مدى الاعتزاز بالمجتمعين الأردني والفلسطيني ، فأي مجتمع لديه لباس يميزه ويحرص على ارتدائه في المناسبات".
وأضاف: "يُراد من ارتدائها إرسال رسائل لمن يعادون هذه الرموز، سواء على المستوى الاجتماعي أم على القضية، بأن التخلي عنها من المستحيلات، فهي ترتبط باللحمة الوطنية".
واعتبر خزاعي، أن "ارتداءهما دليل على وحدة يصعب اختراقها وتفتيتها، وهي من علامات الرجولة والتعاضد ووحدة المصير".
ولفت إلى أنهما "تراث انتقل من الأجداد إلى الآباء والأحفاد"، مؤكداً أن "غزة لم تحي فقط التراث، وإنما أحيت القضية الفلسطينية بأكملها علي مستوى العالم".
وأردف "هذا أثبت أن في الوجدان والقلب والروح اسم القضية الفلسطينية، تفرض حضورها من خلال كل شيء، والتي من بينها الكوفية التي توازي الشماغ".
ووصف الباحث الأردني، الكوفية والشماغ، بأنهما "بمثابة بندقية، لأن الأعداء عندما يشاهدون ذلك يدركون مدى الوحدة بين الشعبين الأردني والفلسطيني".
وأشار إلى أن ارتداءهما "رسائل سياسية وحربية واجتماعية ونفسية"، مبيناً أن الأخيرة منهما "تحطم معنويات العدو الإسرائيلي بأن هناك وحدة، وهذا يقتلهم".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى الأربعاء، "24 ألفا و448 شهيدا و61 ألفا و504 مصابين"، وتسببت بنزوح أكثر من 85 بالمئة (نحو 1.9 مليون شخص) من سكان القطاع، بحسب السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.
**المقاومة أعادت الوهج
ومن وجهة نظر سياسية، قال جمال الشلبي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية (حكومية)، للأناضول، إن "الكوفية والشماغ رمزان عربيان عميقان يعكسان التراث والهوية والتاريخ الطويل والمستمر، اجتماعياً، وسياسياً، وعسكرياً، وهناك الكثير من الدول العربية تعتبر الشماغ رمزاً وطنياً، كدول الخليج العربي بالعموم، والأردن بالخصوص".
وأوضح الشلبي أن "المقاومة الفلسطينية في غزة أعادت الوهج من جديد لهذين الرمزين اللذين أصبحا يمثلان الشجاعة والمقاومة، بعد عقود طويلة عرفها العالم العربي من الهزائم المتتالية، والمتكررة، والعميقة".
وتابع: "بعدما كانت الكوفية البيضاء والسوداء تشير سياسياً إلى حركة فتح وقائدها التاريخي ياسر عرفات (..)، أصبح الشماغ الأحمر والأبيض رمزاً لحركة المقاومة حماس منذ تأسيسها عام 1987 وإلى الآن، بعد أن كان رمزاً للفصائل الفلسطينية اليسارية مثل؛ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
وأكد أن "اهتمام الشعوب العربية، وخاصة الشباب منهم في دول مثل الأردن وفلسطين بهذا الزي التراثي، زاد بعد بروز صورة أبو عبيدة الناطق الإعلامي لكتائب القسام (الجناح العسكري لحماس)، الملثم بالشماغ الأحمر والأبيض في وسائل الأعلام المختلفة العربية منها والدولية، كونه أصبح يمثل بالنسبة لهم القوة، والشجاعة والنضال".
واعتبر أن هذا الأمر "دفعهم لارتدائه كتعبير أولاً عن التضامن مع المقاومة الفلسطينية، وعن اعتزازهم ثانياً بتاريخهم وإرثهم الحضاري المتمثل بهذا اللباس".
وأوضح أن "ارتداء المقاومين الفلسطينيين الكوفية والشماغ، وحّد الكثير من أبناء المجتمعات العربية التي كانت تتنازعها فكرة الرمز الذاتي لكل منهما، ولا سيما في بلاد الشام، بحيث ساد الاعتقاد والإحساس لدى هذه المجتمعات، بأن كلا لون له طعم مختلف، ونكهة فكرية وسياسية مختلفة، ولكنهما يعبران عن الوحدة، والكرامة، والعزة العربية التي يسعون لها جميعاً".
وختم الشلبي حديثه بالقول: "إن الشيء المهم ذكره، أن الكوفية والشماغ يعدان رموز مناقضة تماماً للقلنسوة التي يرتديها اليهودي والإسرائيلي، وهذا يعني أن الصراع بين الطرفين ليس صراعا عسكريا فحسب، بل هو أيضا صراع قائم على الرموز والمعاني، والدلالات الدينية والقيم الوطنية".
وتشهد مدن المملكة، بينها العاصمة عمان، وقفات تضامنية مع قطاع غزة، طالب فيها المشاركون بطرد السفير الإسرائيلي من الأردن، وإغلاق سفارة تل أبيب، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإدخال المساعدات.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.