الخليج المستفيد الأول من ثورات الربيع العربي "تحليل "
دفعت الثورات العربية الاستثمارات ببلدانها للهجرة لدول الخليج ، وجاء في مقدمة هذه البلدان مصر وتونس وليبيا وسوريا، ومراكز بحثية تقدر خسائر الاقتصادات العربية جراء الثورات بنحو 800 مليار دولار.

تحليل :عدنان كريمة
بيروت - الأناضول
دفعت الثورات العربية الاستثمارات ببلدانها للهجرة لدول الخليج التى تشهد استقرارا سياسيا واقتصاديا ملحوظا ، وجاء في مقدمة البلدان التى شهدت هجرة لرؤوس أموالها مصر وتونس وليبيا وسوريا، ومراكز بحثية تقدر خسائر الاقتصادات العربية جراء الثورات بنحو 800 مليار دولار .
وخلافاً لموجات حركة تدفق الاستثمارات وانتقال رؤوس الاموال والتي تكون عادة من البلدان المنتجة للنفط الى البلدان غير المنتجة وبالتحديد المستهلكة، فان تطور ثورات الربيع العربي ساهم في هجرة عكسية للاستثمارات العربية الهاربة، حيث استقبل عدد من بلدان مجلس التعاون الخليجي كمية من رؤوس الاموال من بلدان الربيع العربي.
وكان نصيب دولة الامارات العربية المتحدة نحو 8.2 مليار دولار طوال العامين الماضيين (2011-2012)، والسبب كما يقول الشيخ محمد بن راشد آل المكتوم، يعود الى "الاستقرار السياسي الذي تشهده الدولة فضلاً عن وضع دبي كمركز عالمي للأعمال".
ونظراً لأهمية موقعها الاستثماري، فقد جذبت الامارات في العام 2011 استثمارات اجنبية مباشرة بقيمة 7.68 مليار دولار، مقارنة ب 5.5 مليار دولار في العام 2010، ووفق تقديرات مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية فان هذا الرقم تجاوز العشرة مليارات في العام 2012، كنتيجة طبيعية لمساهمة الاستثمارات الهاربة من بلدان الربيع العربي في التدفق الى دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى الرغم من ضخامة الاستثمارات الهاربة من مصر وتونس واليمن وسوريا وبلدان أخرى بحثاً عن ملاذات آمنة اثر تفجر الاضطرابات الامنية والسياسية والاقتصادية في تلك الدول، فهي ضئيلة نسبياً في رأي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد الذي اعتبر "ان الامارات لم تستفد من دول الربيع العربي لانه سبق لها ان استثمرت بمبالغ اكبر في تلك الدول"، وقال: "لو استمر الامن والاستقرار في دول المنطقة لكان حجم الاستثمارات في الامارات اكبر بكثير".
وهو يقصد بالطبع انه اذا كان الاضطراب الامني والسياسي في بلدان الربيع العربي قد ساهم في تدفق مبالغ ضئيلة الى الامارات، فان اجواء الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي يفسح المجال لأصحاب رؤوس الاموال من البلدان النفطية الى مضاعفة استثماراتهم في البلدان المستهلكة ، وبالتالي مضاعفة ارباحهم خصوصاً وان تلك البلدان بحاجة ماسة الى تمويل مشاريع استثمارية ضخمة يتطلب تنفيذها في اطار خطط التنمية المستدامة.
وانطلاقاً من كل ذلك يبدو أن رؤوس الاموال الخليجية، سواء ما يعود منها الى المستثمرين الافراد أو الشركات، أو المتعلقة بخطط الحكومات والصناديق السيادية، قد بدأت منذ الآن تدرس خطط تمويل اعادة الاعمار ومختلف المشاريع الاستثمارية في بلدان الربيع العربي.
مليارات تتدحرج
أرقام بعشرات المليارات تتداولها الدراسات الاقتصادية وتقارير الخبراء والمؤسسات الدولية، عن خسائر اقتصادات بلدان الربيع العربي وحجم الاستثمارات الهاربة منها، وهي متباينة وتختلف باختلاف مصادرها.
واللافت بروز فوارق كبيرة بين الأرقام الأمر الذي يثير اكثر من علامة استفهام حول غياب المعلومات والاحصاءات الدقيقة عن تلك الخسائر والاستثمارات، شأنها في ذلك شأن الكثير من المعلومات الاساسية عن جوانب مهمة في مسيرة الحياة في منطقة الشرق الاوسط ،والسبب يعود الى ان لا أحد في الوطن العربي يهتم بتكوين قواعد معلومات او احصاءات دقيقة ومنتظمة.
وبالاستناد الى الأرقام المتداولة، فقد قدرت خسائر اقتصادات بلدان الربيع العربي باكثر من 550 مليار دولار حتى نهاية 2012، وهناك تقديرات عن الخسائر المباشرة وغير المباشرة تصل الى نحو 800 مليار دولار، منها:
- مصر، خسرت نحو 100 مليار دولار، وقد يرتفع الرقم الى 160 مليار دولار.
- تونس، خسرت نحو 60 مليار دولار، وقد يرتفع الرقم الى نحو 100 مليار دولار.
- اليمن، خسرت نحو 20 مليار دولار، وقد يرتفع الرقم الى 60 مليار دولار.
- سورية، خسرت عشرات المليارات والنزف مستمر في اقتصادها المنهار مع استمرار الحرب في مختلف مناطقها، وقدر حجم الاستثمارات الهاربة بنحو 22 مليار دولار، وخروج ما يزيد عن 60 في المئة من رجال المال والاعمال السوريين الى الخارج.
وبنهاية العام 2012 وصلت تقديرات المركز السوري لأبحاث السياسات لإعادة اعمار سورية الى 48 مليار دولار، في حين قدرها مؤتمر الشراكة للاستثمار في سورية المستقبل بين 60 و 200 مليار دولار، على ان تستغرق عملية الاعمار 25 عاماً.
انحسار التدفق الاستثماري
مع هروب رؤوس الاموال الى الخارج، بسبب الاضطرابات الامنية والسياسية، انخفضت التدفقات الرأسمالية الى المنطقة العربية بنسبة قدرت بنحو 90 في المئة، وذلك نظراً لارتفاع عوامل عدم اليقين تجاه الاوضاع السياسية والتشريعية.
وبذلك، شهدت تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة الى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تراجعاً الى اكثر من النصف حيث انخفضت من 22.7 مليار دولار في العام 2010 الى 8.6 مليار دولار عام 2011، وكان التراجع الاكبر في كل من دول المغرب العربي ومصر والاردن وسوريا.
واشار تقرير للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات الى تراجع الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى الدول العربية في الفترة ذاتها بنحو 17 في المئة، من 66.2 ملياراً الى 55 مليار دولار ، وكان الانخفاض اكثر حدة في دول الربيع العربي.
ولكن التوقعات المتفائلة في حال تمكن دول الربيع العربي من تجاوز المراحل الانتقالية واطلاق ورش الاصلاحات الهيكلية، فهي تشير الى امكانية عودة مستوى تدفق الاستثمارات الى ما كان عليه قبل الاضطرابات، وذلك بحلول عام 2014.
معوقات الاستثمار
اضافة الى الاضطرابات الامنية والسياسية والاقتصادية والتي ساهمت في هروب الاستثمارات ورؤوس الاموال من بلدان الربيع العربي، وكذلك بتراجع تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى المنطقة، هناك سلسلة معوقات للاستثمار وطاردة له الى الخارج، وهي تشمل وفق تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 15 تصنيفاً تضم: البيروقراطية الحكومية، صعوبة الحصول على التمويل، الكفاءة العلمية للعمال، مدى استقرار السياسات، كفاءة البنى التحتية، اخلاقيات العمل والعمال، نظم صرف العملة الاجنبية، معدلات الضريبة، الجريمة والسرقة، تشريعات العمل، مدى الاستقرار الحكومي، التضخم، ومدى تردي الصحة العامة.
ويبقى موضوع الفساد المستشري في معظم البلدان العربية، أهم طارد للاستثمارات والمستثمرين، وفي آخر تقرير عن نتائج "مؤشر مدركات الفساد لعام 2012" ، احتل لبنان مراتب متدنية عربياً وعالمياً، الامر الذي يدل على انه من بين اكثر الدول فساداً على المستويين الاقليمي والدولي، وجاء ترتيبه في المركز 128 عالمياً من اصل 176 دولة، واحتل عربياً المرتبة 14 من اصل 21 دولة، وهكذا يكون لبنان افضل من 48 دولة عالمياً، ومن 7 دول عربياً.
وبما ان "ثورات الربيع العربي" التي تطالب بالحرية والديمقراطية لمحاسبة ومعاقبة السارقين والفاسدين والذين يرتكبون جرائم مختلفة ضد "الامن المالي" هم في المنطقة العربية، فان هناك سبع دول عربية يعمها الفساد والرشوة اكثر من لبنان وهي: سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، السودان، الصومال، وجزر القمر.
و"الفساد" لا تقتصر نتائج عملياته على سرقة الدولة وهدر المال العام وتفشي الجريمة والمحسوبيات، بل يعتبر أكبر "طارد" للاستثمار و "منفر" للمستثمرين الذين يعانون من البيروقراطية الحكومية التي تفسح في المجال الى مضاعفة عدد السماسرة لانجاز المعاملات المدفوعة الثمن.
لذلك فان المطلوب في مسيرة عملية اعادة الاعمار وتمويل مشاريع استثمارية جديدة، بعد توفير الاستقرار الامني والسياسي في بلدان الربيع العربي، تحقيق مقاربة عربية مشتركة تواكب التطورات والتحولات وتضع سلماً للاولويات تهدف الى اصلاحات هيكلية بما يردم الهوة المتزايدة بين فئات المجتمع، ويعزز المساواة في فرص المشاركة في التنمية امام الجميع دون استثناء.
تحليل :عدنان كريمة
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.