الدول العربية, التقارير, فلسطين, إسرائيل, قطاع غزة

الحلاقة مقابل الطعام.. صالون "نعمان" شاهد على المجاعة بغزة (تقرير)

- في غزة المحاصرة، استبدل كثيرون النقود بالطعام لتسديد أثمان أبسط الخدمات، ومنها الحلاقة

Jomaa Younis  | 14.07.2025 - محدث : 15.07.2025
الحلاقة مقابل الطعام.. صالون "نعمان" شاهد على المجاعة بغزة (تقرير)

Gazze

غزة / جمعة يونس/ الأناضول

- في غزة المحاصرة، استبدل كثيرون النقود بالطعام لتسديد أثمان أبسط الخدمات، ومنها الحلاقة
- الحلاق نعمان عماد: خطرت لي فكرة أجدادنا الحلاقة مقابل الطعام من أجل التسهيل على الناس
- الفلسطيني أبو رائد: أحضرت كيس معكرونة بدل النقود مقابل الحلاقة
- الطفلة دانا: أحضرت علبة فول من أجل قص شعري

في غرفة صغيرة حولها الفلسطيني نعمان عماد إلى صالون متواضع داخل منزله بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يدور مشهد يعيد إلى الأذهان قصص الأجداد عن زمن المقايضة.

هناك، لا يدفع الناس ثمن الحلاقة بالمال الذي فقد قيمته، بل بما يتوافر لديهم من مؤن غذائية بسيطة استطاعوا الحصول عليها من بيوتهم.

ويعيش الفلسطينيون في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تحت وطأة حرب إبادة إسرائيلية مستعرة تفرض عليهم أوضاعًا إنسانية وأمنية واجتماعية بالغة القسوة.

فقد أدت الهجمات الإسرائيلية إلى قتل وتشريد مئات الآلاف، ليجد الفلسطينيون أنفسهم موزعين بين مراكز إيواء مكتظة تختنق بآلاف العائلات، أو في خيام بدائية لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء ولا خطر القصف، وسط غياب تام للأمان واستمرار سقوط عشرات القتلى يوميًا.

ولا تقتصر معاناتهم على ذلك، بل يعيشون أيضًا في ظل مجاعة قاتلة، بسبب سياسات الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والماء والدواء، ما أدى إلى نقص حاد في أبسط مقومات الحياة.

**مساندة الناس

وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، ورغبة منه في مساعدة نفسه ومساندة الأهالي من حوله، لجأ نعمان إلى إعلان بسيط على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض فيه العمل بمبدأ "الحلاقة مقابل الطعام".

هكذا وجد طريقة تضمن له ولزبائنه تجاوز أزمة السيولة والعملة المنهارة، فصار يقص الشعر مقابل ما يتوفر لدى الناس من مواد غذائية، مخففا عنهم بعضا من أعباء الحياة الثقيلة في غزة.

ومع إغلاق البنوك ومنع إسرائيل إدخال أي سيولة نقدية إلى القطاع، انهار النظام المصرفي في قطاع غزة، ما اضطر الناس للجوء إلى السوق السوداء، حيث يدفعون عمولات باهظة لسحب أموالهم، الأمر الذي استنزف ما تبقى من قدراتهم المعيشية، وفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

ويقول نعمان عماد للأناضول: "قبل الحرب الطويلة والحصار المشدد، كانت حياتنا مستقرة، كنا نعمل ونؤمّن احتياجاتنا اليومية دون قلق، وكانت مهنتي في الحلاقة توفر لي دخلاً جيداً".

وتابع: "لكن بعد مرور عامين على الحرب، تغيّر كل شيء، حيث أصبح دخلنا لا يغطي حتى أبسط مقومات الحياة".

وأضاف نعمان وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة: "خطرت لي فكرة قديمة سمعت عنها من أجدادنا، عندما كانوا يقصّون شعرهم ويدفعون قمحا أو شعيرا بدلا من النقود، فقلت لنفسي: لماذا لا أجرب ذلك؟ وضعنا اليوم أصعب بكثير من أيامهم".

ويضيف نعمان متحدثاً عن خطوته الأولى: "نشرت إعلاناً بسيطاً على وسائل التواصل الاجتماعي أعرض فيه حلاقة الشعر مقابل ما يتوفر لدى الناس من طعام، لم أكن أتوقع هذا التفاعل الكبير، صار الزبائن يأتون محملين بما لديهم من مؤن، فيدفعون الطعام بدلاً من المال".

ويحصل الفلسطينيون في غزة على مواد غذائية من مساعدات إنسانية "مغمسة بالدم"، في ظل استهداف إسرائيل المتكرر لنقاط تجمع الجوعى والمحتاجين.

فبينما يقف آلاف المدنيين في طوابير طويلة أملاً في كيس طحين أو علبة طعام تسد رمقهم، لا يتردد الجيش الإسرائيلي في قصفهم، فتتحول موائد الفقراء إلى ساحات موت، ويصير السعي خلف لقمة العيش مغامرة قد تنتهي بفقدان الحياة.

وتواصل إسرائيل كل ذلك متجاهلة النداءات الدولية المتكررة لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدنيين في القطاع المنكوب.

**المقايضة وسيلة للتخفيف

وفي صالون نعمان المتواضع، يجلس المواطن "أبو رائد" (لم يكشف عن اسمه بالكامل) مع طفله الممسك بكيس معكرونة، ويقول: "نعمان نزل إعلانا على السوشيال ميديا عن الحلاقة مقابل الطعام".

وأشاد أبو رائد في حديثه للأناضول بهذه المبادرة، معتبرا أنها تخفف كثيرا عن المواطنين في ظل انعدام الدخل وشح السيولة.

وأضاف: "الفلوس (النقود) ما لها قيمة، العملة صارت مهترئة، والسيولة مفقودة".

وتابع: "جئت أنا وابني بكيس معكرونة من بقايا المساعدات، ثمنه بالسوق حوالي 30 شيكل، ما معي سيولة أحلق، فأعطيته إياه مقابل الحلاقة، لقد خفف عنا وعن ناس كُثر".

ويعاني سكان قطاع غزة منذ سنوات، ولا سيما مع اندلاع حرب الإبادة، من شبه انعدام لمصادر الدخل في ظل توقف آلاف المؤسسات والمنشآت التجارية والصناعية عن العمل بفعل القصف والحصار.

كما فقد عشرات الآلاف وظائفهم، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية مع إغلاق إسرائيل المعابر ومنع دخول المواد الخام وغياب المشاريع التنموية، ما جعل الغالبية الساحقة تعتمد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

وفي زاوية الصالون، تقف دانا الصغيرة ذات الأعوام السبعة ممسكة بعلبة فول بين يديها الصغيرتين.

تتلفت دانا بخجل نحو نعمان قبل أن تهمس ببراءة لمراسل الأناضول: "هاي لعمي نعمان علبة الفول من أجل أن يقص لي شعري".

وفي مشهد آخر داخل الصالون، أنهى نعمان بهدوء قص شعر شاب بدا عليه الحرج، قبل أن يمد يده إلى جيبه ويخرج علبة "تونة" صغيرة، يقدّمها للحلاق بامتنان.

يتناولها نعمان ويضعها برفق على رف جانبي، في لوحة صامتة تختزل كيف صارت "المعلبات" عملة حياة في غزة المحاصرة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل – بدعم أمريكي – إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلةً النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة أكثر من 196 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، بينهم أطفال، فضلاً عن دمار واسع.

وتفرض إسرائيل حصارًا خانقًا على غزة منذ 18 عامًا، ما أدى إلى تشريد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون، بعد تدمير منازلهم بفعل الحرب.

وتمنع إسرائيل منذ اندلاع حرب الإبادة، البنوك والمؤسسات المصرفية من إدخال أي كمية أو نوع من السيولة النقدية إلى القطاع، بالتزامن مع استهداف مباشر لمقارّ تلك البنوك وأجهزة الصرّاف الآلي وتدميرها، ما أجبر الغالبية الساحقة منها على الإغلاق الكامل أمام السكان، وفق المرصد الأورومتوسطي.

وأكد المرصد أن العواقب الناجمة عن الشحّ الحاد في السيولة تجاوزت حدود الاحتمال، إذ اضطر السكان في ظل شلل شبه كامل للخدمات المصرفية إلى اللجوء للسوق السوداء مقابل عمولات مرتفعة تستنزف ما تبقى من قدراتهم المعيشية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.