
Dar es Salaam
دار السلام / كيزيتو ماكوي / الأناضول
قبل ثلاث سنوات ومع حلول منتصف الليل، وجدت الشابة التنزانية مارثا كيليجو نفسها بوضع صعب لا تحسد عليه، حين كانت حاملا في الأشهر الأخيرة، وكلها أمل بحياة جديدة مع أول مولودة لها حملتها في بطنها 9 شهور.
لكن إيتالي القرية التي كانت تعيشها كيليجو (25 عامًا) في إقليم سونغوي جنوب غرب تنزانيا، كانت تبعد بضعة أميال عن أقرب مستشفى لها.
وبينما كانت تعاني من آلام المخاض وضعها زوجها جون على الجزء الخلفي من دراجته، وانطلق بها سرعة كبيرة متوجها إلى مستشفى إيتومبا.
عندما وصلوا أخيرا إلى المستشفى، تم نقل كيليجو إلى غرفة الولادة، ولكن ما أثار استياءها عدم وجود قابلة لمساعدتها.
وعندما أصبح الألم لا يطاق، رافقه صرخات وصلت أصداؤها لممرات المشفى، جلست كيليجو بوضع القرفصاء ودفعت الطفل للخارج تاركة زوجها في حالة صدمة وذهول.
ومن المؤسف أن الطفلة ماتت بعد وقت قصير من ولادتها، ولا تزال معاناة فقدان كيليجو طفلتها منذ ثلاث سنوات محفورة بعمق في ذهنها.
قالت للأناضول: "ما زلت أشعر بألم شديد في قلبي لفقدان طفلتي".
تسلط قصة كيليجو الضوء على محنة متفاقمة للنساء بالمناطق الريفية في تنزانيا، وكيف أدى البحث عن فرص أفضل في الخارج إلى نزوح الأطباء والممرضات، ما ألقى بظلال قاتمة على قطاع الرعاية الصحية الذي يعاني بالفعل من أزمة وفيات الرضع والأمهات.
يعد الحمل والولادة من أكبر المخاطر التي تواجه النساء في تنزانيا، رغم التقدم الطفيف في تقديم خدمات الرعاية الصحية، وفقًا لخبراء الصحة العامة.
وتشهد الدولة الواقعة شرق إفريقيا واحدا من أعلى معدلات وفيات الأمهات بالعالم، مع 556 حالة وفاة لكل 100 ألف أم تلد، وفقا لمسح ديموغرافي صحي لعام 2016.
أزمة صامتة
المشكلة تفاقمت بسبب الأعداد الكبيرة من الأطباء والممرضات وغيرهم من المهنيين الطبيين المدربين تدريباً عالياً، الذين يغادرون بحثا عن حياة أفضل في أوروبا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ودول غربية أخرى.
في مستشفى إيتومبا، كانت أغنيس مويندا، وهي مسؤولة طبية، تحلم دائمًا بالتقدم في حياتها المهنية.
مويندا قالت للأناضول: "ليس لدي المال لمواصلة الدراسة، وإذا أتيحت لي الفرصة للدراسة والعمل في الخارج، فسأغتنم هذه الفرصة بالتأكيد".
هجرة الأدمغة في القطاع الصحي بتنزانيا مثل غيرها من بلدان شرق إفريقيا تكلف أرواحا، وفقاً للوكومبودزو لولاندالا، كبير المسؤولين الطبيين الإقليميين بمستشفى سونغوي الإقليمي.
لولاندالا، أوضح للأناضول أن "هذا تحد كبير لنظام الرعاية الصحية لدينا حيث يغادر العاملون الصحيون المهرة مستشفياتنا".
وشدد على حاجة السلطات إلى ضمان بيئات عمل أفضل للعاملين في مجال الرعاية الصحية من أجل الاحتفاظ بهم، مشددا: "يجب أن ندرك قيمة أطبائنا وممرضينا وأن ندفع لهم أجوراً جيدة".
سارة مايكل، قابلة شابة من سونغوي حصلت مؤخراً على وظيفة تمريض في السويد، عملت بلا كلل لمساعدة النساء في المناطق الريفية خلال فترة الحمل والولادة.
وقالت مايكل، للأناضول في اتصال هاتفي: " لم أكن راضية عن ظروف العمل.. لهذا السبب انتقلت إلى السويد".
ترك رحيلها زملاءها في حالة ذهول، حيث كانوا يكافحون من أجل الحفاظ على نفس مستوى الرعاية التي قدمتها.
هجرة الأدمغة في تنزانيا أدت إلى إغراء المتخصصين في الرعاية الصحية مثل مايكل بالأجور الأعلى وظروف العمل الأفضل وآفاق العمل الأكثر إشراقًا في الخارج.
وقد ترك هذا النزوح العديد من المستشفيات تكافح من أجل تلبية متطلبات الأعداد المتزايدة من المرضى.
بيانات وزارة الصحة أظهرت أن المناطق الريفية التي تضم 9 بالمئة من أطباء تنزانيا و28 بالمئة من القوى العاملة الصحية، بحاجة ماسة إلى متخصصين بالرعاية الصحية.
وفي المقابل، فإن مدينة دار السلام، التي يسكنها 10بالمئة من سكان تنزانيا البالغ عددهم نحو 65 مليون نسمة، يضم 45 بالمئة من إجمالي الأطباء.
خسارة كبيرة
تعد هجرة الأدمغة للأطباء والممرضات من تنزانيا جزءًا من اتجاه أكبر، حيث يبحث متخصصو الرعاية الصحية في أنحاء شرق إفريقيا عن فرص في الدول الغربية، مما يؤثر على أنظمة الرعاية الصحية في إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، حيث تعد نسبة الأطباء إلى المرضى سيئة بالفعل.
وقالت ليليان مسيلي، رئيسة مجلس التمريض والقبالة التنزاني، إن هجرة الأدمغة لها العديد من العوامل الدافعة، مشيرة إلى التكلفة التي يتحملها الاقتصاد الوطني.
وأوضحت أن تدريب طبيب واحد فقط يكلف الحكومة حوالي 100 ألف دولار، وأردفت: "لذا عندما يغادر هؤلاء الأطباء، فهذه خسارة كبيرة للبلاد".
وأكدت أن الممرضات والقابلات يتقاضون في كثير من الأحيان رواتب منخفضة، واحتمالات تقدمهن الوظيفي محدودة، ما يدفعهن إلى الانتقال إلى الخارج.
وهناك قضية أخرى وهي الفجوة بين قطاعي الرعاية الصحية العام والخاص.
وقال ديوس كيتابونديا، طبيب الطوارئ في مستشفى موهيمبيلي الوطني، إن العديد من المهنيين المؤهلين تأهيلاً عالياً والذين يقيمون في تنزانيا يجدون عملاً في قطاعات أخرى أو في الرعاية الصحية الخاصة.
وكشف كيتابونديا أن "الرعاية الصحية الخاصة تنمو بشكل كبير، ما يخلق سوقًا ضخمًا للرعاية الصحية، وفي المقابل فإن قطاع الرعاية الصحية الحكومي بطيء وبيروقراطي".