دولي, الدول العربية, أخبار تحليلية

نفاق فرنسا السياسي يهدد استقرار ليبيا (تحليل)

** فرحات بولات، الباحث في مركز البحوث العالمية TRT: - فرنسا تُظهر دعمها للحكومة الليبية المعترف بها شرعيا، وتتعاون بشكل وثيق مع حفتر - لباريس مجموعة متنوعة من المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية والأيديولوجية في ليبيا

27.06.2020 - محدث : 27.06.2020
نفاق فرنسا السياسي يهدد استقرار ليبيا (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ فرحات بولات/ الأناضول

** فرحات بولات، الباحث في مركز البحوث العالمية TRT:
- فرنسا تُظهر دعمها للحكومة الليبية المعترف بها شرعيا، وتتعاون بشكل وثيق مع حفتر
- لباريس مجموعة متنوعة من المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية والأيديولوجية في ليبيا
- تستمر فرنسا في رفع شعار "مكافحة الإرهاب" لتبرير موقفها
- سياسة فرنسا تجاه ليبيا تتجاهل على ما يبدو شواغل حقوق الإنسان والمثل الديمقراطية

اتهمت فرنسا مؤخرا، وهي حليفة الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر، تركيا بإحباط جهود وقف إطلاق النار من خلال كسر حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة.

وتأتي هذه الاتهامات رغم أن حفتر حافظ حتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على تفوق عسكري على الحكومة الشرعية في ليبيا بفضل الدعم الكبير من عدد من الدول، بما في ذلك مصر والإمارات وروسيا وفرنسا.

ومنذ توقيع تركيا اتفاقية عسكرية مع حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها شرعيا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قدمت أنقرة دعما عسكريا كبيرا للحكومة، وفي مقدمته الطائرات المسلحة بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي، التي قلبت التوازن على الأرض في ليبيا.

وبدعم حيوي من تركيا، ألحقت القوات المتحالفة مع الحكومة الليبية، منذ أبريل/ نيسان الماضي، سلسلة مستمرة من الخسائر في صفوف حفتر أدت أخيرا إلى هزيمة ميليشياته في غرب ليبيا.

وتحارب قوات الحكومة الليبية الشرعية الآن ضد مليشيا حفتر في تخوم سرت (شرق)، وهي مدينة ساحلية وبوابة إلى حقول النفط والشرق.

وتمثل هذه الهزائم ضربة قوية لحفتر وحلفاءه بعد أكثر من عام من شنه لهجوم على العاصمة طرابلس في أبريل/ نيسان 2019.

وكما لو كان لإثبات أهمية الضربة، اتهمت وزارة الخارجية الفرنسية تركيا بلعب دور "عدواني" في ليبيا. ولا يمكن لهذا الاتهام الذي لا أساس له، أن يخفي حقيقة أن حفتر وراءه.

في المقابل، اتهم إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، فرنسا بـ "تعريض" أمن حلف الناتو للخطر من خلال دعم حفتر.

وأكد أن تركيا تدعم الحكومة الشرعية فى ليبيا بينما تدعم الحكومة الفرنسية أمراء حرب غير شرعيين، مما يعرض أمن المنطقة والاستقرار السياسي في ليبيا للخطر.

وحتى الآن، كان موقف فرنسا تجاه الطرفين الرئيسيين داخل ليبيا متذبذبا باستمرار.

وفي حين أن الحكومة الفرنسية تُظهر دعمها للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، فقد تعاونت بشكل وثيق مع حفتر.

ويقال إن الحكومة الفرنسية دعمت حفتر بشكل كبير، وزودته بالأسلحة والتدريب والاستخبارات والقوات الخاصة، فالقوات العسكرية الفرنسية تعمل متخفية في ليبيا.

وذكرت منظمات إعلامية أن ضباطا مسلحين من المخابرات الفرنسية اعتقلوا في أبريل من العام الماضي، أثناء عبورهم الحدود التونسية الليبية.

وعلاوة على ذلك، فإن اعتراف فرنسا بأنها تمتلك صواريخ مضادة للدبابات من طراز جافلين الأمريكية التي تم الكشف عنها عندما استعادت القوات الحكومية السيطرة على مدينة غريان (شمال غرب) من حفتر أواخر يونيو/حزيران الماضي، يطرح أسئلة هامة حول دور فرنسا في ليبيا.

** نفوذ ضئيل للاتحاد الأوروبي

يدعم الاتحاد الأوروبي رسميا الحكومة الشرعية، وعلى الرغم من هذا الموقف، طورت باريس علاقات قوية مع حفتر؛ ما يضعف من نفوذ الاتحاد في ليبيا.

وعندما بدأ حفتر هجومه على الحكومة المعترف بها دوليا، قرر الاتحاد الأوروبي التحرك وإدانة الهجوم بعد وقت قصير من انطلاقه في أبريل 2019، لكن فرنسا عطلت القرار؛ وهو ما سمح لحفتر بمواصلة التقدم دون عقاب.

ولفرنسا مجموعة متنوعة من المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية والأيديولوجية في ليبيا. إذ أن التدخل في ليبيا مدفوع في الغالب بالحفاظ على المصالح الاقتصادية الفرنسية ويتماشى مع طموحها لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا.

كما أن الاعتبارات الأمنية تدخل بشكل كبير في عملية صنع القرار الفرنسي في المنطقة.

وعندما كان معمر القذافي في السلطة، أنتجت ليبيا حوالي 1.6 مليون برميل من النفط يوميا، وصدّرت معظمها إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا.

فالنفط الليبي رخيص وسهل التصدير إلى أوروبا، ومن هنا تسعى باريس إلى جني فوائد تجارية كبيرة من خلال تأمين وتعزيز مصالح شركة "توتال"، عملاق البترول الفرنسي.

كما يبدو أن فرنسا لديها نهج عسكري للغاية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، والذي جاء على حساب دعم الأنظمة العسكرية بدلا من دعم الديمقراطية في المنطقة.

وذلك لأن العديد من الحكومات التي تربطها علاقات وثيقة تقليديا بفرنسا لديها سجل ضعيف من الحكم في الداخل من حيث حقوق الإنسان، إضافة إلى استشراء الفساد وتركيز السلطة بين نخبة حاكمة صغيرة فيها.

وعلى سبيل المثال، جاء غناسينغبي إياديما، الرئيس السابق لتوغو، إلى السلطة عقب انقلاب عسكري وحكم بنظام قمعي بينما كان يتمتع بدعم باريس، وحينئذ وصفه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بأنه "صديق شخصي مقرب لي ولفرنسا".

وعلى الرغم من أن هدفها الأساسي في مساعدة حفتر هو جني الفوائد الاقتصادية وتحقيق نفوذ سياسي أكبر، فإن فرنسا تستمر في رفع شعار "مكافحة الإرهاب" لتبرير موقفها.

** فرنسا تتجاهل المثل الديمقراطية

وعلى هذا النحو، فإن سياسة فرنسا تجاه ليبيا تتجاهل على ما يبدو شواغل حقوق الإنسان والمثل الديمقراطية.

وفي الواقع، من خلال دعم حفتر، الذي يسعى إلى إعادة ليبيا للحكم العسكري ودكتاتورية الرجل الواحد، فإن فرنسا تتعارض بشكل مباشر مع المبادئ الديمقراطية التي تقول إنها تؤيدها.

ويجب أن يكون تحقيق الاستقرار في ليبيا هو الهدف الرئيسي لأي مشاركة أجنبية.

لكن لأن دولا مثل فرنسا تهتم بشكل خاص بمصالحها الضيقة، فقد جلبت أعمالها التي تخدم مصالحها الذاتية قدرا أكبر من عدم اليقين إلى ليبيا وأعاقت التوصل إلى حل للأزمة في الوقت المناسب.

وتسعى فرنسا فقط إلى حماية مصالحها التجارية وتعزيز نفوذها السياسي في شمال إفريقيا.

ومن خلال توفير الدعم العسكري وخدمات الاستخبارات لزعيم الحرب حفتر، يبدو أن كل ما تفعله فرنسا هو توليد المزيد من الانقسام وعدم الاستقرار في البلاد، بدلا من جلب أي مظهر من مظاهر "الديمقراطية"، التي وعدت بها الشعب الليبي في عام 2011.

لذلك، ينبغي على الحكومة الفرنسية أن تعيد النظر في سياستها بليبيا وأن تلقي بثقلها وراء تعزيز عملية سلام الأمم المتحدة - وهي السبيل الوحيد للمضي قدما - مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وتركيا.

** الآراء الواردة بالتحليل لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول

** الكاتب باحث في مركز البحوث العالمية TRT، ويعمل على إنهاء درجة الدكتوراه في دراسات شمال إفريقيا من معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر البريطانية، وتركز دراساته بشكل خاص على السياسة الخارجية التركية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın