إسطنبول/ بيبرس جان/الأناضول

قالت أستاذة العلاقات الدولية التركية عائشة كتنجي إن افتتاح ممر زنغزور سيحقق التواصل بين آسيا وأوروبا وبين تركيا وآسيا الوسطى وسيعزز الأواصر مع العالم التركي (الدول الناطقة بالتركية) سياسيا ولوجستيا وتجاريا.

وعبر ثلاثة أسئلة طرحتها الأناضول، قدمت كتنجي قراءة تحليلية حول الأهمية الجيوسياسية لممر زنغزور (بين تركيا وأذربيجان مرورا بأرمينيا) والقوة الفاعلة فيه وما سيترتب على افتتاحه، لاسيما على مستوى التجارة والعلاقات اللوجستية.

** ما هي أهمية افتتاح الممر؟

التفوق العسكري الذي حققته أذربيجان (على أرمينيا) عام 2020 فتح الباب أمام إعادة رسم خارطة القوى في المنطقة، وفرض على أرمينيا الانسحاب من الأراضي التي تحتلها، ما هيأ الأجواء فيما بعد لاستقرار سياسي وفتح ممر زنغزور.

(في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم "قره باغ"، عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مأهولة مدنية.

وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.)

وكانت المساحة الجغرافية التي تربط أذربيجان بآسيا الوسطى تقف عند أعتاب أرمينيا، وتقطع صلتها بمنطقة نخشيفان غربي أذربيجان الحدودية مع تركيا.

وعلى رأس مواد الاتفاق بين أذربيجان وأرمينيا يأتي فتح ممر زنغزور، وفي حال حدوثه سيتحقق التواصل بين آسيا وأوروبا وبين تركيا وآسيا الوسطى عبر هذا الممر، بجانب تعزيز الأواصر مع العالم التركي (الدول الناطقة بالتركية) سياسيا ولوجستيا وتجاريا.

وزنغزور مرشحة أن تكون بمثابة نجم لامع في سماء العالم التركي.

(في 24 مايو/ أيار الماضي، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الاتفاق مع أرمينيا بخصوص فتح الممر دون موعد محدد).

** ما هي القوة الفاعلة في الممر وما أهدافها؟

العلاقات التي تربط تركيا وأذربيجان قديمة جدا، والغاز الطبيعي الأذربيجاني يُنقل إلى أوروبا عبر خط تاناب (العابر للأناضول)، كما أن أذربيجان العضو في منظمة الدول التركية تسعى إلى إقامة علاقات قوية مع الجميع.

من جانب آخر توجد إيران التي تعرضت مؤخرا لضربة داخلية قوية بعد مقتل الشابة مهسا أميني (خلال احتجازها لدى الشرطة) واندلاع احتجاجات في مختلف مناطقها.

وبسبب العقوبات المفروضة عليها، فإن طهران محرومة من تصدير مخزوناتها من الطاقة الهيدروكربونية إلى الأسواق العالمية.

وإيران في الوقت نفسه فاعلة في السياسة الخارجية بمنطقتها وتسعى منذ سنوات إلى أن تكون قوة ذات تأثير في هذه المنطقة.

ولا ترغب طهران في أن تكون أذربيجان مركز جذب للأذريين الذين يعيشون في إيران، وفي الوقت نفسه من المتوقع أن يؤثر فتح ممر زنغزور على علاقاتها مع أرمينيا وانفتاحها على البحر الأسود.

ولذلك تعتبر إيران ممر زنغزور خطوة استراتيجية ضدها وتغيير للحدود ليس في صالحها؛ لأن الممر سيقطع وصولها إلى البحر الأسود وروسيا ويقلل تأثيرها في آسيا الوسطى ويضيع فرصة أن تكون ضمن الدول التي يمر فيها (مبادرة) "الحزام والطريق" الصيني.

وفي الحقيقة كل الأسباب التي تم ذكرتها بالنسبة لإيران في كفة وزيادة تأثير تركيا وأذربيجان في المنطقة في كفة أخرى، فهو السبب الحقيقي للقلق حيال ممر زنغزور.

والتعاون العسكري التركي الأذربيجاني في حرب قره باغ الثانية أظهر البلدين كقوتين رئيسيتين في المنطقة، بجانب تغير موازين القوة في اتجاه لا ترغب به إيران.

وتنص المادة التاسعة من الاتفاق المبرم بعد الانتصار الأذربيجاني في قره باغ على إدارة روسيا ممر زنغزور، وهذا ما يمكّن موسكو من لعب دور فاعل في المنطقة.

** ما الذي سيترتب على فتح الممر؟

ثمة تقاطع في المصالح بين القوى الرئيسية المؤثرة في ممر زنغزور، وفي حال فتحه فسيسهل ربط المنطقة بمناطق جغرافية مختلفة من العالم.

كما سيساهم في تعزيز التجارة والعلاقات اللوجستية وزيادة الرفاه بالتوازي مع سيادة التعاونات بدلا من التوترات.

إن تطوير الممر العابر لبحر قزوين (CTN) ورواق الشمال-جنوب الدولي للنقل (INSTC) يعني تعزيز خطوط التوريد والنقل في منطقة أوراسيا التي يلعب فيها ممر زنغزور دوا مهما.

وعلى دول المنطقة واللاعبين الرئيسيين التركيز على الفوائد التي سيجلبها فتح ممر زنغزور، وعليهم أيضا تطوير العلاقات التجارية والسياسية فيما بينهم دون إقصاء أي طرف.

وسيوفر هذا الممر رابطا جديدا بين تركيا وأذربيجان، حيث يعبر أراضي ولاية زنغزور الأرمينية التي تفصل بين البر الرئيسي لأذربيجان وإقليم ناختشيفان الأذربيجاني ذاتي الحكم المحاذي لتركيا.