الدول العربية, أخبار تحليلية, رمضان

"أبرهة الليبي" في رمضان.. قصف طرابلس ليس "فتح مكة" (تحليل)

عندما أعلن الجنرال الانقلابي خليفة حفتر قبوله هدنة رمضان لم تصدق الحكومة الليبية هذا الكلام بعد أن خَبِرته في أكثر من اتفاق لوقف إطلاق النار، وكأنها تقول على لسان البطل عمر المختار لضباط الاحتلال الإيطالي "ما أردتم السلام أبدا، إنما أردتم الوقت".

14.05.2020 - محدث : 14.05.2020
"أبرهة الليبي" في رمضان.. قصف طرابلس ليس "فتح مكة" (تحليل)

Turquie

إسطنبول/ مصطفى دالع/ الأناضول

- حفتر مستعد لدخول طرابلس ولو على جثث أهلها في الشهر الحرام
- قصف المدنيين تكتيك لا أخلاقي اتبعه حفتر من قبل لتحقيق مكاسب عسكرية

عندما أعلن الجنرال الانقلابي خليفة حفتر قبوله هدنة رمضان، نهاية أبريل/ نيسان الماضي، لم تصدق الحكومة الليبية هذا الكلام بعد أن خَبِرته في أكثر من اتفاق لوقف إطلاق النار، وكأنها تقول على لسان البطل التاريخي عمر المختار لضباط الاحتلال الإيطالي "ما أردتم السلام أبدا، إنما أردتم الوقت".

وكذلك الأمر بالنسبة لحفتر، الذي ما طلب الهدنة إلا بعدما ضاق عليه الخناق، عقب سلسلة هزائمه في المنطقة الغربية، إثر سقوط مدن الساحل الغربي جميعها في يد الجيش الحكومي، وحصار مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) وقصف خطوط إمدادها، وتطويق قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) وقصفها بشكل شبه يومي.

فقد سبق وأن خرق الجنرال الانقلابي وقف إطلاق النار الذي بادرت به تركيا وروسيا في يناير/كانون الثاني الماضي، كما خرق الهدنة التي دعا لها مؤتمر برلين في نفس الشهر، والتي أقرتها لجنة "5+5" العسكرية (5 ضباط من الجيش الحكومي و5 عناصر تابعين لحفتر)، برعاية أممية.

لذلك سعى حفتر لطلب الهدنة مدعيا قبولها بعد عرضها من دول صديقة، في انتظار وصول الدعم العسكري من الإمارات، وتنصيب مضادات للطيران بالقرب من خطوط الإمداد جنوب مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس) وربما في قاعدة الوطية أيضا.

فضلا عن ترتيب أوضاعه السياسية في المنطقة الشرقية بعد التململ الذي أحدثته دعوته لتفويضه حاكما لليبيا، مما أثار غضب رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، الذي استنفر قبائلا من الشرق، أجبرت حفتر على التراجع، ولو إلى حين.

** صواريخ حفتر تدخل بيوت الآمنين بلا دعوة

لكن لم تمر أيام على "قبول" حفتر الهدنة حتى كشفت مليشياته عن حقيقتها، بعد أن قصفت بعشرات الصواريخ أحياء عديدة مكتظة بالسكان، مخلفة قتلى وجرحى في صفوف المدنيين بينهم نساء وأطفال مثل الملائكة.

بل طال قصف مليشيات حفتر حتى محيط مقري السفارة التركية وإقامة السفير الإيطالي في قلب العاصمة طرابلس، في 7 مايو/ أيار الجاري، وهو ما أثار استهجانا دوليا وتحذيرا تركيا، دفع حفتر لمحاولة التملص من هذا القصف ورمي التهمة للحكومة الشرعية التي دعت مجلس الأمن الدولي لمحاسبة حفتر على هذا الهجوم.

نكث حفتر مرة أخرى بعهوده، وهو الذي قال في بداية عدوانه على طرابلس، في 4 أبريل/نيسان 2019، "من دخل بيته فهو آمن"، لكن ما حدث ما بين 7 و9 مايو الجاري، أن صواريخ مليشيات اللواء التاسع ترهونة "الإرهابية"، التابعة له، هي من دخلت بيوت الآمنين في شهر رمضان، دون دعوة.

لا نتحدث هنا عن حجم الدمار الكبير الذي ألحقته مليشيات حفتر في مطار معيتيقة، بل عن 15 قتيلا بينهم 13 مدنيا وشرطيان، و50 جريحا، بحسب وزارة الصحة، قصفوا بلا رحمة ولا سابق إنذار، رغم أنهم يعرفون جيدا أين تقع جبهات القتال، مما يؤكد أن مليشيات حفتر لا يمكن أن تكون جيشا نظاميا إنما مجرد جماعات إرهابية بلا رادع.

ففي 9 مايو وحده، سقط 156 صاروخا وقذيفة، في أحياء كبيرة بطرابلس، مثل سوق الجمعة، والفرناج، وباب بن غشير، وبوسليم والسبعة والبدري.

** العدوان على طرابلس ليس "فتح مكة"

لا يفتأ حفتر في استخدام تعابير دينية لعملياته العسكرية في دغدغة العاطفة الدينية لعناصر التيار المدخلي الذين يقاتلون معه، دون أن يميز بين عسكري ومدني، فعملية "الفتح المبين" التي أطلقها حفتر عند بداية هجومه على طرابلس في 4 أبريل 2019، نسبة إلى فتح الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) لمكة في 20 رمضان.

لكن الصحابة لم تطل رماحهم الآمنين في بيوتهم، بينما لم تتوان مليشيات حفتر في قتل المدنيين بالشهر الحرام.

كما أن عملية "طيور أبابيل"، التي أطلقها حفتر، في 6 مايو الجاري، نسبة إلى الطيور التي أرسلها الله للقضاء على جيش أبرهة الحبشي الذي أراد هدم الكعبة، لا تنطبق على حفتر (أبرهة الليبي)، إلا في كونه من جاء بالجنجويد لهدم بيوت طرابلس على رؤوس الآمنين.

** تكتيك حربي نجح في الجفرة وفشل بطرابلس

واستهداف المدنيين جزء من خطة حرب، سبق وأن استخدمها حفتر في مايو 2017، وسمحت له بالسيطرة على قاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية وسط البلاد.

حيث كثف طيرانه حينها من قصف المدنيين في مدن محافظة الجفرة، القريبة من القاعدة الجوية، وخاصة ودان وهون وسوكنة، ووصل سكان هذه المدن إلى قناعة أن القصف العنيف على بيوتهم لن يتوقف إلا بعد خروج "القوة الثالثة" التابعة لكتائب مصراتة من القاعدة.

حيث خرجت مجموعة من السكان للتظاهر ضد القوة الثالثة التابعة للحكومة الشرعية، ومطالبة عناصرها بالخروج من محافظتهم (حتى يتوقف القصف على مدنهم).

وتحدثت إحدى الشهادات عن مشاركة مجموعات مسلحة من المحافظة في محاصرة القاعدة، مما دفع وحدات القوة الثالثة للانسحاب منها لتجنب تطويقها من مليشيات حفتر ومسلحي الجفرة، سمح ذلك لمليشيات حفتر بدخول القاعدة الجوية دون قتال، مطلع يونيو/حزيران 2017.

ويبدو أن حفتر يسعى لاستعمال نفس التكتيك في طرابلس، من خلال استهداف المدنيين والتضييق عليهم في معيشتهم عبر قطع المياه والكهرباء والنفط عنهم، لدفعهم إلى الاقتناع أن هذه الضائقة لن تنتهي إلا برحيل الحكومة الشرعية والقوات المساندة لها.

وعبر الشحن الدعائي، أوهمت مليشيات حفتر بعض سكان طرابلس، ليلة 9 مايو أن العاصمة تنهار بين أيديهم، مما أخرج بعض الخلايا النائمة من جحورها، بأسلحتهم وأجهزة الاتصالات اللاسلكية لضرب القوات الحكومية من الخلف، لكن سرعان ما تم القبض على عشرة منهم، والذين أبلغو عن 8 آخرين فتم اعتقالهم أيضا، بحسب ناشطين إعلاميين.

فاستهداف المدنيين في طرابلس بهدف دفعهم للتمرد على الحكومة الشرعية، ثبت فشله، خاصة أن سكان العاصمة قالوا كلمتهم في رفض الانقلاب يوم 17 فبراير/شباط الماضي.

كما أن حفتر، الذي برر عجزه في اقتحام طرابلس بعدم رغبته في وقوع خسائر بصفوف المدنيين، أكدت جرائمه الأخيرة، أنه مستعد لدخول طرابلس ولو على جثث أهلها في الشهر الحرام.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın