الطفل "أمير".. منهك جائع قبّل يد جندي أمريكي ثم اختفى (تقرير)
في 28 يوليو/ تموز المنصرم وصل عبد الرحيم (10 أعوام) إلى "مركز مؤسسة غزة الإنسانية" الذي يخضع لإشراف أمريكي وإسرائيلي، حيث يرتكب الجيش الإسرائيلي مجازر يومية بحق الفلسطينيين من طالبي المساعدات المجوّعين.

Gazze
غزة / جمعة يونس / الأناضول
** والدة الطفل الفلسطيني عبد الرحيم الجرابعة المعروف بلقب "أمير" بحديث للأناضول:- أريد فقط أن أعرف إن كان ابني حيا أو ميتا بحثت عنه في كل مكان لكن لم أجده
- كان حافي القدمين منهكا، يحمل كيسا صغيرا فيه قليل من الرز والعدس
- بعد استشهاد والده أصبح عبد الرحيم المعين لنا، كان يخرج ليحاول أن يأتي بشيء نأكله
بخطى حافية وملامح أنهكها الجوع والمعاناة، شقّ الطفل عبد الرحيم الجرابعة طريقه الطويل عبر الأنقاض والخيام وصولاً إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث تقع مراكز توزيع المساعدات التي باتت تُعرف بـ "مصائد الموت"، أملاً في أن يعود بما يسد رمق أسرته النازحة، لكنه اختفى هناك ولم يعد.
في 28 يوليو/ تموز المنصرم وصل عبد الرحيم (10 أعوام) إلى "مركز مؤسسة غزة الإنسانية" الذي يخضع لإشراف أمريكي وإسرائيلي، حيث يرتكب الجيش الإسرائيلي مجازر يومية بحق الفلسطينيين من طالبي المساعدات المجوّعين.
هناك التقط الجندي الأمريكي المتقاعد أنتونيو أفيلار صورة للطفل الفلسطيني وهو يقبّل يده، في مشهد مؤلم اختصر المأساة الإنسانية التي يعيشها أطفال غزة.
أفيلار الذي عمل ضمن الطواقم المشرفة على توزيع المعونات، نشر صورة عبد الرحيم وأطلق عليه لقب "أمير"، لكنه قال لاحقا إنه قتل جراء إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على طالبي المساعدات عند ذلك المركز.
** رحلة البحث المؤلمة
غير أن والدة عبد الرحيم، سهام الجرابعة، تؤكد في حديثها للأناضول أن مصير ابنها لا يزال مجهولا، رغم مضي أيام طويلة على الحادثة.
تقول: "منذ 28 يوليو وأنا أبحث عنه في كل مكان، توجهت إلى ثلاجات المستشفيات، إلى الصليب الأحمر، لم أترك بابا إلا وطرقته لكن دون جدوى، لم أجد له جثة، ولم يؤكد لي أحد أنه أصيب أو استشهد، وكأن الأرض ابتلعته".
وبعيدا عن إشراف أممي أو دولي، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/ أيار الماضي تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر "مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية" المعروفة بتواطؤها باستدراج طالبي المساعدات وإعدامهم، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأمريكيا، لكنها مرفوضة من الأمم المتحدة.
ومنذ ذلك التاريخ، قتلت إسرائيل ألفا و516 فلسطينيا، وأصابت 10 آلاف و67 من منتظري المساعدات قرب تلك المراكز، حيث يطلق الجيش الإسرائيلي وبوتيرة يومية النار على الفلسطينيين المصطفين للحصول على مساعدات، ما تركهم بين الموت جوعا أو رميا بالرصاص، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وتعيش سهام الجرابعة، والدة عبد الرحيم في خيمة مهترئة جنوب قطاع غزة، إلى جانب حماتها المسنّة وأطفالها الصغار، منذ أن قتل زوجها بقصف إسرائيلي استهدفه في يناير/كانون الثاني الماضي.
ومنذ ذلك الحين، تحاول الأرملة الفلسطينية أن تلملم جراحها وأسرتها، تجمع بين ألم فقدان الزوج وغموض مصير الابن، واحتياجات أطفالها الذين لا يجدون ما يسد رمقهم.
تقول بصوت منكسر: "كل يوم أصلي وأدعو، ربما يعود عبد الرحيم من الغياب، ويطرق باب خيمتنا من جديد، حاملًا كيس الطحين أو قطعة خبز لأشقائه الجياع".
وتتحدث عنه قائلةً: "عبد الرحيم كان طفلا جميلا يفرح بأبسط الأشياء، بعد استشهاد والده، أصبح هو المعين الوحيد لي ولإخوته. كان يخرج ليحاول أن يأتي بشيء نأكله، لكنه لم يعد".
وكان عبد الرحيم سار نحو 12 كيلومترًا من منطقة النزوح في خان يونس حتى وصل مركز المساعدات شمال مدينة رفح حافيًا، على أمل الحصول على وجبة يسد بها جوعه، لكنه اختفى هناك، وسط الزحام والنيران التي استهدفت المجوعين.
** صورة ثم اختفاء
أفيلار في شهادته التي نشرتها وسائل إعلام غربية أبدى حزنه لما جرى، وقال إن "أمير" كان يبتسم رغم الجوع، وإنه لم ينسَ كيف قبل الطفل يده ظنا أنه يحمل له طعام النجاة.
اليوم، تواصل سهام البحث عنه وتناشد المنظمات الدولية، وعلى رأسها لجنة الصليب الأحمر، للتحقق من مصير نجلها، وتقول: "لا أريد شيئًا، فقط أرشدوني على مكانه، هل هو حي؟ هل مات؟ أريد أن أدفنه بيدي إن كان شهيدا".
تتابع بحزن شديد: "لم أكن أعلم أنه توجه إلى مركز المساعدات في ذلك اليوم، وصُدمت حين رأيت صورته وهو يقبل يد جندي أمريكي أطلق عليه الجندي اسم أمير".
وتردف قائلة: "كان حافي القدمين منهكا، يحمل كيسا صغيرا فيه قليل من الرز والعدس، وأنا لا زلت أصلي وأدعو ليل نهار أن يعود".
وتختم بكلمات تختصر لوعة قلبها: "أنا أم، لا أطلب من الدنيا سوى عودة عبد الرحيم، حتى إن كان مع الأمريكيين أريد أن أعلم إن كان على قيد الحياة، مجرد خبر بسيط يُعيد لنا بعض الطمأنينة، إن عاد سأقبّل يده وأفعل له ما يشاء.. فقط أريده أن يعود".
** نار الانتظار تشتعل
ولم تكشف السلطات الإسرائيلية أو القائمون على "مؤسسة غزة الإنسانية" عن مصير عبد الرحيم، رغم تداول صورته وشهادات تؤكد وجوده في أحد مراكز توزيع المساعدات قبيل اختفائه.
وتعيش آلاف العائلات الفلسطينية بقطاع غزة حالة من القلق واليأس جراء استمرار فقدان أحبائها منذ بداية الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسط تضارب الإحصاءات حول أعدادهم، وتزايد المخاوف من أن يكون كثير منهم قد قضوا تحت الأنقاض أو اختفوا قسريا.
وفي أبريل 2024، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأن تقديراته تشير إلى وجود أكثر من 13 ألف فلسطيني مفقودين، إما تحت الركام، أو في مقابر جماعية عشوائية، أو تعرّضوا للإخفاء القسري داخل سجون ومراكز احتجاز إسرائيلية، حيث يرجح أن بعضهم قتل داخلها.
فيما قالت منظمة "إنقاذ الطفولة" الدولية في يونيو 2024 إن نحو 21 ألف طفل في قطاع غزة يعدون في عداد المفقودين، حيث يعتقد أنهم دفنوا تحت الأنقاض، أو اعتُقلوا، أو دفنوا في مقابر جماعية أو مجهولة.
ومنذ بدئها الإبادة الجماعية في أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بالتوازي جريمة تجويع بحق فلسطينيي غزة حيث شددت إجراءاتها في 2 مارس/ آذار الماضي، بإغلاق جميع المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، ما تسبب بتفشي المجاعة ووصول مؤشراتها إلى مستويات "كارثية".
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 210 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.