الثقافة والفن, الدول العربية, التقارير

"الطريق إلى محتشد رجيم معتوق"... طلبة تونسيون زمن المنفى (عرض كتاب)

مئات الطلبة من تيارات فكرية مختلفة، اعتقلتهم السلطات التونسية في عهدي الرئيسيْن الراحلين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، واستبعدتهم إلى منفى بمنطقة نائية في تجنيد عسكري عقابي، سعيا نحو إخماد احتجاجات طلابية.

23.01.2020 - محدث : 23.01.2020
"الطريق إلى محتشد رجيم معتوق"... طلبة تونسيون زمن المنفى (عرض كتاب)

Tunisia

تونس/ مروى الساحلي/ الأناضول

- تجنيد عقابي اختبره المئات من الطلبة في عهديْ بن علي وبورقيبة ممن "انتفضوا" ضد الاستبداد 
- رواية للكاتب التونسي عمار الجماعي توثّق معاناة كان أحد أبطالها ولحقبة تاريخية تغيب الكثير من حيثياتها عن الأجيال الجديدة

مئات الطلبة من تيارات فكرية مختلفة، اعتقلتهم السلطات التونسية في عهدي الرئيسيْن الراحلين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، واستبعدتهم إلى منفى بمنطقة نائية في تجنيد عسكري عقابي، سعيا نحو إخماد احتجاجات طلابية.

رحلة معاناة في معتقل نائي للتجنيد العقابي استعرضها الروائي والشاعر التونسي عمار الجماعي، في روايته الجديدة بعنوان "الطريق إلى محتشد رجيم معتوق".

رواية صدرت مؤخرا عن دار نشر "ورقة" (تونسية) في 150 صفحة، تروي تجربة اعتقال عاشها الراوي صحبة مجموعة من رفاقه في منفى بمنطقة "رجيم معتوق" النائية بأقصى جنوب الصحراء التونسية، في أواخر عهد الحبيب بورقيبة (حكم من 1956-1987).

و"رجيم معتوق" تقع على بعد 120 كلم عن مدينة قبلي قرب الحدود الجزائرية، أقيمت فيها ثكنة عسكرية، اعتقل فيها المئات من الطلبة من قبل النظام التونسي زمن حكم بورقيبة وبن علي في ثمانينيات القرن الماضي.

** معاناة زمن الاستبداد

عمار الجماعي؛ كاتب الرواية واحد أبطالها في نفس الوقت تم تجنيده بطريقة قسرية، عام 1987، عندما كان طالبا في السنة الثانية من المرحلة الجامعية في اختصاص الأدب العربي، وذلك لمعاقبته على خلفية خطاب ألقاه في ساحة جامعة منوبة بالعاصمة، انتقد فيه نظام بورقيبة ووصفه بـ"القمعي" و"الظالم".

"جرأة" ترجمت مسعى مبحث الانعتاق من الدكتاتورية التي كانت نقطة تلتقي فيها، آنذاك، جميع مشارب الفكر والأيديولوجيات في الجامعة التونسية.

الجماعي وجد في الكلية مناخا مثمرا ورحبا للحرية ليعبر فيه عما يخالج ذاته وما يعتمل في قريحته، مما جعله يلعن الحاكم بطريقة مباشرة كلفته أشهرا من حياته في المنفى.

الرواية سبرت أغوار تجربة الاعتقال التي انطلقت في البداية بسجنه في سراديب وزارة الداخلية وسط العاصمة وتعذيبه، مرورا بمرحلته في الإصلاحية العسكرية بمنطقة "قرعة بوفليجة" في صحراء محافظة قبلي (جنوب)، حيث وقع تدريبه بطريقة قاسية ولا إنسانية، وصولا إلى مرحلة ترحيله إلى معتقل رجيم معتوق الصحراوي حيث بدأت المعاناة.

رواية جسدت معاناته وآخرين مثله، ووثّقت لمرحلة من تاريخ تونس بعد الاستقلال (1956)، وعرت وجهها الغاشم والظالم في زمنها المترهل الذي أبى في نهاية العهد البورقيبي أن يستجيب لإرادة الحياة ومنها لإرادة الديمقراطية.

** ما بين نظاميْن

دخل الراوي المعتقل في ربيع عام ، أي1987 قبل أشهر من انقلاب بن علي على نظام بورقيبة (7 نوفمبر/ تشرين ثان) وخرج منه منتصف الشهر نفسه عقب حصوله على عفو خاص.

الجماعي وصف المعتقل بـ"المنفى الصحراوي الذي كانت تغيب عنه جميع مقومات الإنسانية".

ووفق الرواية، كان المعتقل مقسما بحسب الإيديولوجيات، فكانت هناك خيام تجمع الطلبة المنتمين للفكر الإسلامي (الاتجاه الإسلامي/ النهضة لاحقا/ في الحركة الطلابية)، وخيام أخرى تجمع اليساريين (تيارات ماركسية مختلفة)، وبعض القوميين (الطلبة العرب التقدميون الوحدويون - ناصريون) وجماعة "الحياد" غير المنتمين مثل راوي القصة.

معتقل شكل مزيجا وفسيفساء فكريا في جيل حاول أن يرث بورقيبة عبر مفاهيم متصارعة ولكنها منسجمة في هدف الإطاحة به.

عمار الجماعي لم يكن منتميا لأي تيار سياسي، وإنما كان يرفض طغيان النظام واحتقاره لأهل الجنوب وتهميشهم، وهو المنحدر من منطقة الحامة بمحافظة قابس جنوب شرقي البلاد.

وبحسب نص الرواية، كان الجماعي يبحث عن "جنوبيته" الرافضة للسلطة التي جوعت أهله، وهمشت تاريخ بلده، وصنفته منذ الصراع البورقيبي واليوسفي (نسبة لصالح بن يوسف/ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات)، وصولا لصراع اليسار والإسلاميين مع بورقيبة (في السبعينات والثمانينيات)، معتبرا أن "الجنوب كان محتقرا من قبل بورقيبة."

** طلبة "عسكريون" رغم أنوفهم

الرواية لم تفتصر على تجربة الراوي عن تجربته فقط، وإنما تطرق لعلاقته الإنسانية والشخصية ببعض الطلبة ممن كانوا رفاقه في الكفاح، وأصبحوا الآن سياسيين بارزين على غرار شكري بلعيد، القيادي اليساري الذي اغتيل العام 2013، وسالم الأبيض، النائب عن حركة "الشعب" (قومية ناصرية) ومحسن مرزوق، رئيس حزب "مشروع تونس" (ليبرالي اجتماعي).

كما أراد الراوي من خلال الحديث عن تجربته أن يكرم رفاقا له أغفلهم التاريخ مثل حمادي حبيق (الاتجاه الإسلامي حينها/ النهضة لاحقا) الذي وصفه بـ"شهيد الحركة الطلابية"، حيث توفي عطشا في الصحراء خلال محاولته الفرار من المعتقل حينها.

رواية تدفع بالوعي الجماعي التونسي إلى ضرورة استحضار فصول قريبة من تاريخه فيها تمازج بين السياسي والاجتماعي والثقافي.




الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.