الحياة, الدول العربية, التقارير, لبنان

"مأساة" الليطاني.. سوء الإدارة أفقد لبنان شريان حياته (تقرير)

- يعاني أطول نهر بلبنان من تلوث حاد أفقده دوره الحيوي للبلاد - أكثر من 1000 هكتار من الأراضي الزراعية تروى من مياه النهر الملوثة

17.09.2021 - محدث : 17.09.2021
"مأساة" الليطاني.. سوء الإدارة أفقد لبنان شريان حياته (تقرير)

Lebanon

بيروت / نعيم برجاوي / الأناضول

- يعاني أطول نهر بلبنان من تلوث حاد أفقده دوره الحيوي للبلاد
- أكثر من 1000 هكتار من الأراضي الزراعية تروى من مياه النهر الملوثة
- ارتفاع في معدل الإصابة بالأمراض السرطانية في البلدات القريبة من النهر
- في أبريل الماضي نفق أكثر من 120 طناً من الأسماك في بحيرة يصب فيها النهر

يكفي مشاهدة لون مياه داكن ونفايات تطفو على سطح نهر الليطاني، لتدرك أن أطول الأنهار بلبنان تحوّل من شريان للحياة إلى مصدر للأوبئة والموت، وذلك بفعل سوء التخطيط والإدارة المزمن.

ويشق نهر الليطاني منتصف خريطة لبنان، ويمتد بطول 170 كلم من منطقة سهل البقاع (غرب) ويصب في البحر المتوسط جنوبي البلاد، وتشكل مساحة حوضه حوالي 20 في المئة من مساحة البلاد.

هي نعمة طبيعية ومصدر للحياة في هذه البقعة الجغرافية، لكنها تحولت منذ نحو 3 عقود إلى "نقمة"؛ جراء تزايد نسب التلوث بالنهر بفعل مياه الصرف الصحي والصناعي التي تصب فيه مباشرة دون معالجة.

** خسارة لبنانية

وهكذا خسر لبنان أهم مورد طبيعي في البلاد، فعلى هذا النهر أقيمت مشاريع ودراسات للاستفادة منه في إنتاج الطاقة الكهرومائية وتأمين مياه الري والشرب لنصف المناطق اللبنانية تقريباً، إلا أن التلوث أفقده معظم وظيفته التنموية.

لا تقتصر تداعيات هذا الواقع المرير على البيئة والاقتصاد، فالتلوث يفتك أيضا بصحة عشرات آلاف المواطنين واللاجئين القاطنين في بلدات ومناطق تقع عند ضفاف النهر.

ويقدر عدد اللبنانيين المقيمين في المناطق السكنية القريبة جداً من نهر الليطاني بحوالي 100 ألف نسمة، بينما يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في مخيمات عند ضفاف هذا النهر بنحو 70 ألف نسمة.

** تلوث وأخطار صحية

يقول "أبو عماد" أحد سكان بلدة حوش الرافقة الملاصقة للنهر، إن "مياه الصرف الصحي تعبر من خلال النهر بين بيوتنا منذ سنوات، وتسبب تداعيات خطرة على صحة السكان".

ويضيف في حديثه للأناضول: "المزروعات في المنطقة أيضا ملوثة وهذا حال جميع البلدات التي يمر بمحاذاتها النهر".

وبحسب تقرير صدر حديثاً عن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (حكومية تتبع وزارة الطاقة والمياه) وحصلت عليه الأناضول، فإن "أكثر من 1000 هكتار من الأراضي الزراعية في سهل البقاع تروى مباشرة من مياه النهر وروافده الملوثة".

ومراراً حذرت المصلحة، من أن "مياه النهر غير مطابقة للمعايير الجرثومية لاستخدامها لري المزروعات"، ونبهت من أن "استخدامها للري قد يهدد الأمن الغذائي والصحي في البلاد".

ووفق المصدر ذاته، فإن "معدل الإصابة بالأمراض السرطانية في البلدات القريبة من نهر الليطاني تُسجل ارتفاعا كبيرا مقارنة بمعدل الإصابة بالسرطان في لبنان بشكل عام".

وتقول المصلحة في تقريرها، إن نهر الليطاني "تحوّل بفعل التلوث إلى نهر للصرف الصحي والصناعي، وأصبح ناقلاً للأوبئة والأمراض وتسبب في تلويث المياه الجوفية والأراضي الزراعية".

** كارثة بيئية

بلدية الروضة أيضاً هي إحدى البلدات التي تعاني من جراء تلوث نهر الليطاني، يقول رئيس بلديتها ماجد يونس للأناضول، إن السكان "واقعون بكارثة بيئية وإنسانية".

ويضيف: "المنتوجات الزراعية ملوثة، وكذلك الأسماك في البحيرة، دائما يتحدثون (المسؤولون) عن مشاريع لوقف التلوث، لكن لم ينجز أي منها".

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلنت السلطات اللبنانية استخراج أكثر من 120 طناً من الأسماك النافقة في بحيرة "القرعون" الملوثة والتي يصب فيها نهر الليطاني.

ورجح خبراء بيئيون حينها أن يكون التلوث هو السبب في نفوق الأسماك بعد إصابتها بوباء خطر.

وبسبب المعدلات المرتفعة للتلوث في بحيرة "القرعون"، تمنع وزارة الزراعة اللبنانية منذ عام 2018، صيد الأسماك منها، ما تسبب بفقدان عشرات العائلات لمصدر رزقهم.

** أمر مخجل

الشيخ جميل عاصي إمام قرية "ضهر الحما" التي يعبر النهر في وسطها يصف الأمر بـ"المخجل" بسبب التلوث المستمر منذ عقود دون معالجة.

ويقول عاصي للأناضول، إن هذا الواقع "يسبب أمراضاً مزمنة ومستعصية لأبناء البلدة كالسرطان والربو وأوبئة أخرى، كما يؤدي إلى موت عشرات الأطفال والمسنين في بلدته سنوياً".

ويضيف أن "السلطة الفاسدة على مدى السنوات الماضية جعلتنا نواجه الموت الذي يعبر بلدتنا (النهر)"، مناشداً "الأمم المتحدة مدّ يد العون لإنقاذ السكان من هذا الواقع".

في بلدة "برالياس" القريبة من النهر سُجلت 600 حالة إصابة بالسرطان من مجمل عدد سكانها البالغ نحو 12 ألف نسمة، أما في بلدة "حوش الرافقة" البالغ عدد سكانها نحو 1700 نسمة فقد سجلت 60 حالة إصابة بالسرطان.

هذه الأرقام بحسب المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تكشف أن معدل الإصابة بالسرطان في هاتين البلدتين، وغيرها من البلدات القريبة من النهر هو من أعلى المعدلات في العالم نسبة لعدد السكان.

** سوء إدارة

يقول مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، للأناضول، إن مشكلة تلوث نهر الليطاني "سببها سوء إدارة الموارد المائية في لبنان منذ نيل البلاد استقلالها عام 1943".

ويتمثل ذلك "بضعف التنظيم المدني على مرّ العقود، بالإضافة إلى عدم وجود مخطط توجيهي للصرف الصحي في ظل التوسع العمراني"، وفق ما يشرح علوية.

ومن الشواهد على "سوء الإدارة المزمن تحويل أراض زراعية إلى مناطق صناعية دون التقيد بالإجراءات البيئية في ظل الفساد الإداري المستشري في القطاع العام وانعدام الرقابة والمحاسبة" بحسب علوية.

ويشير إلى أن "كل تلك العوامل والظروف جعلت مياه الصرف الصحي والصناعي تصب عند شواطئ البحر وفي الأنهار مباشرة وعلى رأسها نهر الليطاني".

ويلفت علوية، إلى أن هذا الواقع "أدى إلى خسارة الدولة اللبنانية لقطاع المياه التي كانت تتغنى به تاريخياً، على اعتبار أن البلاد تتمتع بثروة مائية كبيرة لكثرة الينابيع والأنهار فيها".

ويختم المسؤول اللبناني قائلا "للأسف هذه الثروة أُهدرت وتبددت نتيجة سوء الإدارة المتعاقبة على مدى عقود من جهة، وعدم إنشاء محطات لتكرير مياه الصرف الصحي والصناعي من جهة أخرى، بل تركت تصب بالنهر دون معالجة".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın