الدول العربية, التقارير

على رصيف "مكة المكرمة" بمقديشو.. للكتب الصفراء باعة وعشاق (تقرير)

كتب مستعملة بعضها ثمين، تباع بسعر معظمه زهيد في بلد يعاني ظرفا اقتصاديا صعبا.

21.09.2018 - محدث : 21.09.2018
على رصيف "مكة المكرمة" بمقديشو.. للكتب الصفراء باعة وعشاق (تقرير)

Mogadişu

مقديشو / نور جيدي / الأناضول

دون موعد مسبق.. على رصيف شارع "مكة المكرمة" وسط العاصمة الصومالية مقديشو، يلتقي باعة الكتب المستعملة وعشاقها أمام مبنى "تري بيانو" الشهير.

زبون مولع بالقراءة يبحث عن كتاب شيق أو مرجع مفيد، وبائع كتب يفرش بضاعته على الرصيف، لعله يُحصل رزقا، وربما يأتيه الموت قتلا قبل هذا الرزق.

فهذا الشارع لا تكاد تفارقه تفجيرات إرهابية، في كل شهر يسجل أحداثا دموية تصيب محلات تجارية ومقاهي ومطاعم شعبية وباعة كتب.

منذ سنوات تقاتل القوات الحكومية وقوات حفظ سلام مسلحي حركة "الشباب" المتمردة في بلد عربي فقير مزقته الحرب الأهلية.

عشرات من أكشاك بيع الكتب منتشرة على طول رصيف شارع "مكة المكرمة"، لا سيما أمام "تري بيانو" (tre-piano)، وهو من أقدم مباني الشارع، ويتألف من ثلاثة طوابق.

يعرضون قصصا وروايات وقواميس وبحوثا، وغيرها، من شتى اللغات، بجانب مجلات نفيسة.

سعر الكتاب غالبا يراوح بين دولارين أمريكيين وثلاثة دولارات، أي بين 40 و60 ألف شلن صومالي.

** درع واقية

مستظلا تحت مظلة بالية في الشارع، ينتظر محمد مري (66 عاما) صباح كل يوم زبونا.

يقول مري للأناضول: أرتزق من بيع هذه الكتب منذ نحو ثلاثة عقود، ونحن بمثابة درع واقية للعقل البشري الذي ينمو وتتفتح آفاقه بالقراءة.

يستدرك: "العائد ليس كبيرا، مرة نسد رمق أطفالنا، وأحيانا نعود خالي الوفاض بسبب ركود سوق الكتب، جراء الظروف الاقتصادية للبلد وقلة الدخل لهواة الكتب المستعملة".

يعرض باعة الكتب المستعملة شتى أنواع الكتب، بينها كتب نادرة، بأسعار زهيدة قد لا تتجاوز دولارين أو ثلاثة، رغم أن سعرها في المكتبات يتجاوز عشر دولارات.

** كتب نادرة

في الطرف الأيمن من كتب مفروشة على الأرض، يستند عمر محمد إلى حائط وهو يقرأ مقدمة وختام قصة خيالية، لعله يستنبط جوهرها.

يقول محمد للأناضول، إن الكتب المستعملة تمنح فرصة المطالعة لأصحاب الدخل المحدود العاجزين عن الذهاب إلى المكتبات ذات الأسعار الجنونية.

ويتابع أن باعة الكتب المستعملة كنز، فهم يوفرون لنا كتبا نادرة قد لا تجدها في المكاتب، وكلها بسعر بخس، كالقصص، والبحوث التي تساعد طلبة الجامعات لكتابة بحوث التخرج.

يتناوب رواد الكتب فرصة الجلوس والبحث عن الكتب المفيدة، في ظل صغر حجم الدكاكين وزحام المارة، إذ تشهد المنطقة زحاما يومي السبت والأحد.

** مكتبات الموتى

يحصل الباعة على الكتب المستعملة من جامعيها، وهؤلاء يحصلون عليها من مصادر مختلفة.

تعود كتب إلى مكتبات منزلية شرّدت الحرب الأهلية أصحابها، وتعود أخرى إلى مكتبات لمتوفين أراد ذووهم التخلص من كتبهم بالتبرع، فيما يبيع آخرون بسبب ظروف مادية.

يشتغل في جمع الكتب رجال عاطلون من العمل، معظمهم أساتذة سابقون، وهم يجمعون الكتب من مصادرهم الخاصة، ثم يبيعونها لأصحاب أكشاك بيع الكتب.

بعد طول نقاش ومساومة يسلّم عبد القادر حسين، وهو جامع كتب مستعملة، سبعة كتب من تخصصات مختلفة لصاحب كشك، مقابل ثلاثة دولارات.

يقول عبد القادر، وهو يعمل في هذه المهنة منذ سنوات، للأناضول، إن مصادر الكتب المستعملة متنوعة، لكن أغلبها يأتي من مكتبات الموتى، إذ ترغب الأسرة في التخلص منها.

ويزيد بأنه يعتمد على شباب يزودونه بمعلومات عن مكتبات منزلية، كأن يرغب صاحب مكتبة مثلا بالتخلص من بعض الكتب لكثرة كتبه أو لحاجته إلى مال.

ويوضح أن بعض مكتبات الموتى تضم كتبا ناردة من حقبة الاستعمار وعهد النظام العسكري للرئيس سياد بري (1961 ـ 1991)، ما يجعل بائعي الكتب المستعملة منافسا قويا للمكتبات.

لكن عند الشراء من صاحب المكتبة أو أسرته لا قيمة لمحتوى الكتاب ولا تاريخه، فالمقياس هو الكيلوغرام.

جامع الكتب يشتري الكيلوغرام من الكتب بأقل من نصف دولار، ويبيعه إلى بائع الكتب بسعر يراوح بين دولارين وأربعة (من 40 إلى 80 ألف شلن صومالي).

** مدرسة ومقر عمل

مقولة "الكتاب خير جليس في الزمان" تنطبق على بائعي الكتب المستعملة في مقديشو، فبعضهم تعلم منها القراءة والكتابة، وبات يشرح لزبائنه عناوين الكتب.

أمضى إدريس أحمد نحو عقدين في عالم بيع الكتب المستعملة.

مع كل إشراقة، ينهمك في فض الغبار عن الكتب، ثم رصها بحسب الفئات.

يقول إدريس للأناضول: مكتبتي بالنسبة إلي مدرسة ومقر عمل، تعلمت فيها القراءة والكتابة بعد أن كنت أميا يبيع الثمين بثمن بخس لكسب قوت يومه.

يضع لوحا وسط كتب مفروشة، لمنع اختلاط بعضها ببعض، بعد تنظيمها بحسب الفئات.

ويتابع إدريس: مكتبتي منظمة تسهل للزائر التنقل بينها واختيار الكتب، بدلا من عناء البحث، وهذا سر جذبي لعشاق الكتب المستعملة.

عناء البحث وعدم المساعدة من صاحب الكشك هو شعور ينتاب معظم رواد المكان، لذا بات الباعة يتنافسون في فرز الكتب وتصنيفها، لجذب الزبائن.

** مكتبة منظمة

أويس محمد من رواد المكان، يقول للأناضول: فكرة شراء الكتب المستعملة لازمتني منذ وقت طويل، فهي مصدر معرفة لنا.

ويشير أنه هو وبعض زملائه يفضلون مكتبة إدريس كونه يجيد القراءة، لذا أحيانا نكتفي بسؤاله عن عنوان الكتاب، بدلا من البحث عنه وسط الكتب.

ويوضح أن البحث عن كتاب وسط مئات الكتب مضيعة للوقت، وربما لا تجد في النهاية كتابك المفضل.

رغم انتشار ملايين من الكتب الرقمية، إلا أن بائعي الكتب في الهواء الطلق لا يزالون يحتفظون بجمهور كبير مهتم بالكتب الورقية أكثر من الرقمية.

لم يعد شارع "مكة المكرمة" هو المكان الوحيد لبيع الكتب المستعملة، إذ باتت منتشرة في مناطق عديدة، أغلبها في سوق البكارة (أكبر أسواق الصومال)، وبعض أزقة أحياء مقديشو.

صارت معارض الكتب المستعملة وجهة للراغبين في الكتب بعد انهيار المكتبة الوطنية، عقب عام من الإطاحة بالحكومة المركزية عام 1991.

ومع عودة الاستقرار، بدأت المكتبات الخاصة تعود بقوة بفضل انتشار عمارات ومبانٍ حديثة في العاصمة الصومالية.

وباتت تلك المكتبات تسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام أصحاب الكتب الصفراء (المستعملة) على أرصفة الشوارع الرئيسية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın