كرامة منتهكة خلف القضبان.. قصة ناجٍ من جحيم صيدنايا السوري (تقرير)
**المهندس السوري قيس مراد، أحد الناجين من سجن صيدنايا سيئ الصيت بعهد نظام الأسد: صيدنايا كان المكان الذي دُمّرت فيه كرامة الإنسان وتحوّلت الحياة فيه إلى صراع من أجل البقاء

Damascus
دمشق/ أحمد قره أحمد، محمد براق قرجه أوغلو/ الأناضول
**المهندس السوري قيس مراد، أحد الناجين من سجن صيدنايا سيئ الصيت بعهد نظام الأسد:- صيدنايا كان المكان الذي دُمّرت فيه كرامة الإنسان وتحوّلت الحياة فيه إلى صراع من أجل البقاء
- الزنازين كانت في غاية السوء، وسط نقص في الغذاء، وتردي النظافة، وانتشار الخوف بشكل دائم
- لم أتمكن من رؤية عائلتي سوى ثلاث مرات فقط، في لقاءات قصيرة محفوفة بالمخاطر، ونصحتهم أحيانًا بعدم المجيء
"المكان الذي دُمرت فيه كرامة الإنسان"، هكذا وصف المهندس السوري قيس مراد، سجن صيدنايا سيئ الصيت بعهد نظام بشار الأسد المخلوع، مستعرضًا ما تعرض له من فظائع وتعذيب خلال فترة اعتقاله في أحد أكثر المعتقلات رعبًا في البلاد منذ اندلاع الحرب عام 2011.
وتم اعتقال مراد في فبراير/ شباط 2012، وخضع للتحقيق في عدة فروع أمنية قبل أن يُنقل إلى سجن صيدنايا بريف دمشق في مايو/ أيار من العام نفسه، حيث ظل معتقلًا حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
وكانت محاكم النظام المخلوع قد حكمت على مراد، البالغ من العمر 39 عامًا والأب لثلاثة أطفال، بالسجن لمدة 15 عامًا، واضطر لدفع نحو 70 ألف دولار مقابل الإفراج عنه، حسبما أفاد في حديث للأناضول.
وتمكّن فريق الأناضول من الدخول إلى الطابق الأول من سجن صيدنايا برفقة قيس مراد، الذي قدّم شرحًا تفصيليًا عن البنية الداخلية للسجن، موضحًا مواقع الزنازين، وآلية توزيع الطعام، ووضعيات الركوع القسري التي كان يُجبر المعتقلون على اتخاذها، فضلًا عن الظروف المعيشية القاسية الأخرى.
وأشار مراد إلى أن كل جزء في السجن كان يُستخدم وسيلة للتعذيب والإذلال، مؤكدًا أن كل زاوية فيه تحمل قصة ألم لا تُنسى.
وأوضح أنه بعد خروجه من السجن، أُصيب بمرض السل، وخضع لعلاج طويل في تركيا.
وأشار إلى أنه لم يكن قادرًا على الحديث إلا همسًا لفترة طويلة، وأنه عانى من صعوبات كبيرة في النطق بسبب ما تعرض له.
- سجن صيدنايا المكان الذي دُمّرت فيه كرامة الإنسان
وفي معرض وصفه لسجن صيدنايا، قال مراد إنه لم يكن مجرد مكان احتجاز، بل ساحة ممنهجة لإذلال المعتقلين، حيث كانوا يتعرضون لعقوبات مستمرة، ويُعاملون بوحشية لا تراعي أبسط الحقوق الإنسانية، وإنه "المكان الذي دُمّرت فيه كرامة الإنسان".
وأشار إلى أن الزنازين كانت في غاية السوء، وسط نقص في الغذاء، وتردي النظافة، وانتشار الخوف بشكل دائم، ما جعل البقاء على قيد الحياة تحديًا يوميًا.
ورغم القسوة والمعاملة اللاإنسانية، قال مراد إن السجناء حاولوا التكيّف من خلال تبادل الخبرات والمعارف بهدوء، حيث تعلم بعضهم تلاوة القرآن، ووجد آخرون متعة في لعب الشطرنج أو تفسير الأحلام، ما ساعدهم على بناء نوع من التضامن الداخلي.
واستذكر مراد لحظة دخوله الأولى إلى السجن بوصفها الأصعب، حيث تم رميه في زنزانة تحت الأرض، وتركوه عاريًا في الظلام، ما تسبب له بصدمة نفسية شديدة.
وأضاف أنه لم يتمكن من رؤية عائلته سوى ثلاث مرات فقط، واصفًا هذه اللقاءات بأنها كانت قصيرة، محفوفة بالمخاطر، وشديدة التوتر، حتى إنه اضطر أحيانًا إلى نصحهم بعدم المجيء.
- رسالة إلى المجتمع الدولي
بعد خروجه من السجن، قرر مراد تأسيس "جمعية معتقلي صيدنايا" إلى جانب عدد من الناجين من هذا المعتقل، بهدف توثيق الجرائم التي ارتُكبت بحقهم، والعمل على محاسبة الجناة.
وأكد أن الهدف الأساسي للجمعية هو إيصال الحقيقة كما هي، دون تهويل أو مبالغة، وبعيدًا عن الشائعات.
كما دعا مراد إلى الكشف عن مصير المفقودين، والعمل على إعادة دمج من نجا من هذه المعتقلات في المجتمع، مشددًا على أن الشعب السوري تعرّض على مدى سنوات طويلة لانتهاكات ممنهجة، لكن ما جرى في سجن صيدنايا وأماكن مشابهة كان أقسى وأعمق من أي وصف.
وفي ختام حديثه، وجّه مراد دعوة إلى المجتمع الدولي للتحرك الجاد إزاء هذه الجرائم، ودعم الجهود الرامية إلى محاسبة المسؤولين عنها، وعدم ترك الضحايا وحدهم في مواجهة ماضيهم المؤلم.
وفي تقرير سابق لها عن سجن صيدنايا بعنوان "المسلخ البشري"، أكدت منظمة العفو الدولية، على وجود ادعاءات ذات أساس قوي حول إعدام آلاف الأشخاص شنقا في عمليات إعدام تحت الأرض في سجن صيدنايا.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أكملت فصائل سورية سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من سيطرة عائلة الأسد، بينها 24 عاما تولى خلالها بشار الأسد الرئاسة (2000-2024).
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.