تركيا, السياسة, إضاءات عثمانية

الغازي مراد.. شهيد ملحمة "كوسوفو" (إضاءات عثمانية)

يتبادر إلى الأذهان لدى ذكر حكام الدولة العثمانية، أمراء وسلاطين بعينهم نظرًا لشهرتهم الواسعة، أمثال المؤسس عثمان، ومحمد الفاتح، سليم الأول، سليمان القانوني، وعبد الحميد الثاني.

06.01.2022 - محدث : 12.01.2022
الغازي مراد.. شهيد ملحمة "كوسوفو" (إضاءات عثمانية) مصدر الصورة : ويكيبيديا

Istanbul

إسطنبول / إحسان الفقيه / الأناضول

- انتصر الغازي مراد في 37 معركة خاضها، ووسّع من حدود الدولة العثمانية 5 أضعاف ما كانت عليه قبل توليه الحكم.
- من أبرز الخصال الحميدة لمراد الأول تسامحه مع غير المسلمين بشهادة العدو قبل الصديق، إضافة إلى تقديمه الكفاءات من رجال الدولة.
- أعظم المعارك التي خاضها مراد الأول كانت معركة قوصووه (كوسوفو)، والتي كانت بوابة عبور العثمانيين إلى أوروبا، وبدء حكم 500 عام لهم في البلقان، وفي أعقابها قتل على يد جندي صربي غدرًا.

 

يتبادر إلى الأذهان لدى ذكر حكام الدولة العثمانية، أمراء وسلاطين بعينهم نظرًا لشهرتهم الواسعة، أمثال المؤسس عثمان، ومحمد الفاتح، سليم الأول، سليمان القانوني، وعبد الحميد الثاني.

إلا أن هناك العديد من حكام الدولة العثمانية لهم أعمال جليلة وسيرة حسنة نبيلة، لم يأخذوا نصيبهم من هذه الشهرة الواسعة، ومن هؤلاء: الغازي مراد، أو مراد الأول، أو كما أُطلق عليه "مراد خداونديكار"، ومعناه صاحب السلطة.

مراد بن أورخان بن عثمان بن أرطغرل، هو حفيد مؤسس الدولة، ولد عام 1326م، تسلم الحكم بعد وفاة أبيه، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، وفي العام التالي لتوليه الحكم فتح "أنقرة" مرة أخرى، ثم قام بفتح "أدرنة" وجعلها العاصمة بدلا من "بورصة".

وفي العام الذي يليه قام بفتح "فيليبا" أحد المراكز الحيوية في البلقان، حتى يتسنى له جعْل مدينة القسطنطينية محاطة بالأراضي العثمانية، وبفتوحات مراد صارت الإمارة العثمانية متاخمة للصرب والبلغار وألبانيا.

أثارت فتوحات الغازي مراد مخاوف الدول الأوروبية، فقام البابا أوربانوس الخامس بتعبئة الجيوش الصليبية التي هاجمت "أدرنة" في غياب مراد والذي كان محاصِرًا لمدينة أخرى، لكنه عاد ليواجه الجيش الصليبي فهزمه.

قام ملك الصرب الجديد وقتها بتكوين جبهة صليبية مع الأمير البلغاري ضد الدولة العثمانية، إلا أن الجيش العثماني قام بدحر هذا الجيش الصربي البلغاري، وعلى إثره قام ملك الصرب وأمير البلغار بتوقيع معاهدة مع مراد، يلتزمان بموجبها بدفع جزية سنوية للدولة العثمانية.

عهِد مراد الأول إلى وزيره "تيمور طاش" بتكوين سلاح للفرسان، فقام الأخير بفتح العديد من البلدان، منها مدينة صوفيا العاصمة الحالية لبلغاريا.

انتصر الغازي مراد في 37 معركة خاضها، ووسّع من حدود الدولة العثمانية 5 أضعاف ما كانت عليه قبل توليه الحكم

ثم قام الصرب بالهجوم على العثمانيين في البلقان عام 1387م، وانتصروا على العثمانيين الذين كان يقودهم تيمور طاش، وذلك في معركة "بلوشنك"، الأمر الذي أغرى الجيوش الصليبية باستهداف الدولة العثمانية.

وجّه مراد الأول أحد القادة العثمانيين الكبار وهو "علي باشا"، بالتحرك للهجوم على أمير بلغاريا، وقام بفتح عدة مدن بلغارية، الأمر الذي جعل الأمير البلغاري يفر إلى "نيكوبولي"، ثم عاد لمباغتة الجيش العثماني على حين غرة، إلا أن العثمانيين كانوا يقظين، فقاموا بدحره وأسره.

عام 1389م، قام تحالف صليبي بين ملك الصرب "ستيفان أوروس الخامس" وأمراء ألبانيا ضد الدولة العثمانية، فقام مراد الأول باللحاق بهذا التحالف في قوصوَوَه (كوسوفو)، وقام بقيادة الجيش العثماني بنفسه، وجعل ابنه بايزيد على يمينه، وابنه يعقوب على يساره.

وتعد هذه المعركة من المعارك الكبرى ليس في التاريخ العثماني فحسب، بل في التاريخ الإسلامي ككل، وفيها انتصر العثمانيون على الجيش الصليبي انتصارا ساحقا، وقتل فيها قائد الصرب.

كان من نتائج هذه المعركة الكبرى بدء حكم 5 قرون للعثمانيين للبلقان، وكانت بداية التوغل العثماني في صربيا ومنها إلى أوروبا، وظلت قوصووَه "كوسوفو" حاضرة الألبان المسلمين لعدة قرون.

ومن حينها، أمدت قوصووه، الدولة العثمانية بقادة بارعين، منهم القائد حامد باشا الأرناؤوط، وأحمد بك الأرناؤوط، وأصبحت خط الدفاع الأول للدولة العثمانية في أوروبا، ومن ثم أصبحت مركزًا للجيش العثماني الثالث.

ظلت هذه المعركة الفاصلة ماثلة أمام الصرب إلى العصر الحديث، واستخرج ذكراها الأحقاد الكامنة في الضمير الأوروبي تجاه الدولة العثمانية.

من أبرز الخصال الحميدة لمراد الأول تسامحه مع غير المسلمين بشهادة العدو قبل الصديق، إضافة إلى تقديمه الكفاءات من رجال الدولة.

ففي عام 1989 وبعد 6 قرون على مصرع الملك الصربي في تلك المعركة، وقف الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش يبث سمومه في حشد من الصربيين العنصريين، يستحضر أجواء هذه المعركة وذكراها ليشحذهم ضد مسلمي البوسنة.

وذكرهم حينها بمقتل مليكهم الصربي التاريخي في معركة كوسوفو على يد الجيش العثماني بقيادة مراد الأول، وكانت نتيجة هذا الاستحضار التاريخي للمعركة، قيام أبشع مذابح العصر ضد المسلمين في البوسنة.

في أعقاب هذه المعركة الفاصلة، قام الغازي مراد بتفقد ساحة المعركة التي امتلأت صفحتها بالدماء في ليلة مظلمة أضاء فيها الهلال والنجوم مكان الواقعة، وعزا بعض المؤرخين شكل العلم العثماني إلى هذا المشهد، حيث لونه الأحمر الذي يذكّر بالدماء التي ملأت ساحة المعركة، والهلال والنجوم التي زينت سماء تلك الليلة.

بينما كان مراد يتفقد الساحة، وجد أحد الجنود الصرب في تعداد الجرحى يتظاهر بأنه يريد الدخول في الإسلام، فلم يكد يقترب منه حتى عاجله الصربي بطعنة بخنجره أردته قتيلا، وحُمل رحمه الله إلى "بورصة" حيث دفن هنالك وهو في الخامسة والستين من عمره بعد رحلة طويلة من الكفاح والنضال.

لقد كانت أبرز الخصال الحميدة التي عرف بها مراد الأول تسامحه الديني مع غير المسلمين، فعلى الرغم من أن الكنيسة قد أعلنته عدوا للمسيح وحكمت بأنه كافر، إلا أن المسيحيين الذين عاشوا في ظل حكمه كانوا يحبونه أكثر مما يحبون البابا، لأنه كان يعاملهم بسماحة وعدل تعاليم الإسلام التي كان يدين بها.

وقد شهد له المؤرخ البيزنطي هالكو نديلاس بذلك حيث قال: "كان يعامل رعيته معاملة شفوقة دون نظر لفروق العرق والدين".

أعظم المعارك التي خاضها مراد الأول كانت معركة قوصووه (كوسوفو)، والتي كانت بوابة عبور العثمانيين إلى أوروبا، وبدء حكم 500 عام لهم في البلقان، وفي أعقابها قتل على يد جندي صربي غدرًا

على الصعيد العسكري، نجد أن مراد الأول قد فاز في 37 معركة في الأناضول أو في البلقان، وزاد في رقعة الدولة العثمانية 5 أضعاف ما كانت عليه عندما تولى الإمارة، فقد ترك له والده أورخان حدودا بلغت 95 ألف كم2، وعندما مات مراد كانت قد بلغت خمسمائة ألف كم2، وذلك في غضون 3 عقود تقريبا، هي فترة حكمه.

ويذكر المؤرخ أحمد آق كوندز في كتابه "الدولة العثمانية المجهولة"، أن مراد الأول أحاط نفسه بعدد من الكفاءات، كانت سببا رئيسيا في نجاحاته.

حيث استحدث منصبا جديدا وهو "قاضي العسكر" ووكله إلى العالم "جاندارلي قره خليل"، والذي قام مع "قره رستم القرماني" بتنظيم المؤسسة المالية، وتطوير ووضع تفاصيل مؤسسة الانكشارية ومؤسسة "عجمي أوغلانلاري" اللتين تم تشكيلهما في عهد أبيه أورخان.

كما أحاط نفسه بعدد من رجال الدولة البارزين المشهود لهم بالكفاءة، أمثال: علي باشا، تيمور طاش باشا، لالا شاهين باشا، ساروجا باشا، وأورنوس بك، وغيرهم من رجال الدولة البارزين.

نختم الحديث عن هذه الشخصية الفذة على قلة شهرتها، بشهادة للمؤرخ الفرنسي كرينارد، نقلها عنه المؤرخ المصري محمد حرب في كتابه "العثمانيون في التاريخ والحضارة"، حيث قال: "كان مراد واحدا من أكبر رجالات آل عثمان، وإذا قوّمناه تقويما شخصيًا، نجده في مستوى أعلى من كل حكام أوروبا في عهده". ​​​​​​​

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın