الدول العربية, أخبار تحليلية, التقارير, العراق

رغم الخسائر.. الصدر يواصل الحضور في المشهد السياسي (تحليل)

رغم أن سلطات التيار وقدراته تراجعت بعد سلسلة قرارات، إلا أن الموقع القيادي للصدر لا يزال على حاله لأسباب تتمثل بالإرث التاريخي لعائلته

07.10.2022 - محدث : 07.10.2022
رغم الخسائر.. الصدر يواصل الحضور في المشهد السياسي (تحليل) زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر

Baghdad

بغداد / رائد الحامد/ الأناضول

في حين تراجعت قوة التيار الصدري في العراق بعد سلسلة قرارات وصفت بأنها "خاطئة"، إلا أن الموقع القيادي لمقتدى الصدر داخل البيئة الاجتماعية والدينية لأتباعه لم يتغير نظرا للإرث التاريخي لعائلته.

ولا يبدو أن مكانة الصدر بين أتباعه تأثرت سلبا بقراراته الأخيرة، سواء فشل كتلته البرلمانية في تشكيل حكومة أغلبية وطنية أو انسحاب نوابها من مجلس النواب، أو ما يتعلق بقراره اعتزال العمل السياسي نهائيا في 29 أغسطس/آب الماضي، وتداعيات اقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد بقوة السلاح ومحاولة الاستيلاء على المؤسسات السيادية للدولة.

وأدرك الصدر حقيقة أن استخدام القوة لفرض الأمر الواقع لم تعد تحقق أهداف تياره وغاياته بعد فشل اقتحام المنطقة الخضراء والاستيلاء على المواقع السيادية، وأن قوته تُواجه بقوة مماثلة أو تتفوق عليها من القوات الأمنية أو مقاتلي فصائل الحشد الشعبي.

وللحد من خسائره المعنوية وتراجع مستويات التأييد الشعبي له في أوساط التيار أو خارجه، أوعز الصدر بتجميد أنشطة "سرايا السلام" والفصائل الأخرى التابعة له في البصرة التي شهدت مؤخرا مزيدا من الاشتباكات بين مقاتليه وعصائب "أهل الحق"، واستثنى نشاطات مسلحيه بمحافظة صلاح الدين حيث تسيطر "سرايا السلام" على الملف الأمني والعسكري في مدينة سامراء التي تضم مراقد أئمة شيعة.​​​​​​​

عموما، سيظل التيار الصدري يشكل جزءا أساسيا من منظومة العمل السياسي في العراق من داخل العملية السياسية أو من خارجها.

ولا يزال الصدر يتبنى خطابا تحت عنوان "الإصلاح السياسي" يتمثل في مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وعدم القبول بمشاركة السياسيين والأحزاب التي كانت جزءا من العملية السياسية بعد عام 2003 في أي حكومة جديدة، ما ينفي أي احتمال لاستجابة الصدر للحوار الوطني الذي دعا له رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أو القبول بوجود حكومة يقودها الإطار التنسيقي.

وتعتقد الأمم المتحدة أن تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يوفر مخرجا من حالة الانسداد السياسي ويسهم في تخفيف التوتر وتقليل احتمالات الصدام بين القوى الشيعية المتنافسة منذ عام على السلطة والموارد.

في 29 و30 أغسطس الماضي كان العراق على وشك الدخول في حرب داخلية بعد اقتحام مئات المسلحين من التيار الصدري للمنطقة الخضراء للسيطرة على قصري الرئاسة والحكومة بقرارات اتخذتها قيادات في التيار قد تكون بعلم ودراية وتوجيه من رئيسه.

ويعتقد الكاظمي أن الصدر أخطأ في قراره بسحب نواب الكتلة من مجلس النواب ومنح خصومه في الإطار التنسيقي فرصة الأغلبية النيابية المؤهلة لتشكيل الحكومة.

ويُنظر إلى الكاظمي على أنه كان مرشح التيار الصدري لإدارة المرحلة الانتقالية بعد أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وإرغام المحتجين رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على تقديم استقالته.

يرى الكاظمي الذي وجه انتقادات لمسلحي الصدر، أن على رئيس التيار الجلوس إلى طاولة المفاوضات والانضمام إلى جلسات الحوار الوطني التي دعا إليها مؤخرا لعقد الجولة الثالثة من الجلسات بعد جلستين لم تؤد إلى نتائج واضحة حيث تغيّب عنهما الصدر أو من يمثله.

لكن الصدر يضع شروطا للانضمام إلى الحوار الوطني تنم عن رغبة واضحة في عدم الاستجابة لأي دعوات للحوار وعدم السماح للعراقيين بالخروج من الأزمة السياسية الراهنة.

ويشترط الصدر أن يكون الحوار علنيا لإبعاد كل المشاركين في العملية السياسية والدورات الانتخابية السابقة، ما يقود إلى التساؤل عن جدوى الحوار الذي يدعو إليه الصدر ومن هي الجهات أو الشخصيات التي تشارك فيه.

وتلقى الصدر أقسى الضربات من مرجعه الديني كاظم الحائري الذي أعلن في سابقة غير معروفة بالتراث الشيعي عن إغلاق مكاتبه وتخليه عن موقعه مرجعا دينيا لمقلديه، ومنهم مقتدى الصدر، ودعوتهم لتقليد المرجع الإيراني الأعلى علي خامنئي، وتوجيهه انتقادات تنتقص من مكانة مقتدى الصدر العلمية وأهليته لتمثيل مرجعية والده محمد صادق الصدر.

خلال عقدين من العمل السياسي، خرج الصدر بنتائج تشير إلى عزلته عن البيئة المحيطة به سياسيا ودينيا.

وظلت علاقات الصدر وتياره متوترة مع أقوى الأحزاب الدينية الشيعية، حزب الدعوة الإسلامية الذي تأسس بخمسينات القرن الماضي ولا يزال يتمسك بالتراث الفكري لأحد أبرز مؤسسيه المفكر الشيعي محمد باقر الصدر، عم مقتدى الصدر ووالد زوجته الذي أعدم في ثمانينات القرن الماضي.

كما أن علاقاته بباقي قوى الإطار التنسيقي لا تزال متوترة وتشوبها خلافات عميقة مع التيار المعتدل فيه هادي العامري وفالح الفياض وحيدر العبادي، وتوترات أخرى تنذر أحيانا باحتمالات الاقتتال مع التيار الصدري من التيار المتشدد في الإطار نوري المالكي وعمار الحكيم وقيس الخزعلي.

وتعد حالة انعدام الثقة بين قوى تشرين والتيار الصدري من أهم عوامل تراجع شعبية رئيس التيار في أوساط القوى المطالبة بالإصلاح الجذري والتي تعارض العملية السياسية وتنظم تظاهرات واحتجاجات منذ أكتوبر 2019 بشكل منظم في المراحل الأولى انتهت بانقلاب الصدر على المحتجين نهاية 2019 وبدايات 2020 في مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة الانتقالية التي جاءت برئاسة الكاظمي خلفا لعبد المهدي.

ولم يعد لتحالف "إنقاذ وطن" أي وجود يذكر في المشهد السياسي الراهن بعد أن قرر مقتدى الصدر انسحاب أعضاء كتلته من مجلس النواب دون تنسيق مع الشركاء في التحالف، الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة.

إضافة إلى خسارته تأييد الكاظمي أو بتعبير آخر انقلاب الأخير على رئيس التيار بعد اقتحام المنطقة الخضراء وتصدي القوات الأمنية وقوات أمن الحشد لمسلحي التيار ومنعهم من اقتحام القصرين الرئاسي والحكومي.

ودون تحقيق أي نجاحات حقيقية، ركز الصدر طيلة عام على حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة وفق الأطر الدستورية أو باللجوء إلى القضاء أو باستخدام القاعدة الجماهيرية في التظاهرات والاعتصامات وباستخدام القوة المسلحة من الأجنحة العسكرية في تنفيذ اقتحامات مسلحة للمنطقة الخضراء أو محاولة الانقلاب على النظام السياسي والاستيلاء على السلطة بالقوة.

لقد خسر الصدر حيزا واسعا من ثقة الحلفاء والشركاء الذين سيترددون كثيرا في تكرار تحالفهم معه مستقبلا بعد تجربة الانتخابات الأخيرة وتفرده دون تنسيق معهم في رسم مسار العملية السياسية، واختيار شكل الحكومة وطبيعة النظام السياسي وفق ما ينسجم مع رؤيته الشخصية ورغباته في إقصاء خصوم سياسيين من المشاركة في الحكومة.

وبدلا من اللجوء إلى الخيارات الدستورية في حل المجلس عبر تحالف "إنقاذ وطن" وتشجيع بعض المستقلين للانضمام إلى تحالفهم في التصويت على حل المجلس، وجّه الصدر أعضاء كتلته في المجلس بتقديم استقالتهم في 12 يونيو/ حزيران الماضي، ضمن حسابات قادته للاعتقاد بأن استقالة نوابه ستدفع نواب شركائه لاتخاذ قرار مماثل يؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض مجلس النواب.

ولا تزال القوى السنية والكردية التي تحالفت مع الصدر متمسكة بالثوابت التي قام عليها تحالف إنقاذ وطن في الإصلاح الجذري للعملية السياسية ومكافحة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة وغير ذلك.

لكن لكل منهما، العرب السنة والأكراد حاجة أساسية للمضي في تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات من تحالف ائتلاف إدارة الدولة الذي أصبح إطارا جامعا لكتل سياسية من جميع المكونات العرقية والطائفية.

من المهم للعرب السنة والأكراد أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على إعادة الحياة لمدن ومحافظات غرب وشمال غربي العراق وإقليم كردستان الشمال، وهي جميعا تعاني من أزمات اقتصادية وتدنٍ في مستوى معيشة سكانها وتراجع في الخدمات وغير ذلك من تداعيات تعطيل الحياة وعمل المؤسسات.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.