archive, الدول العربية

وسائل المواصلات في الخرطوم.. "ورقة" سياسية و"معاناة" اجتماعية

ثمة جيل مخضرم في العاصمة السودانية، يجتر "محاسن" النظم الإدارية المتبعة في العاصمة المثلثة في ستينات القرن الماضي، مقارنا بينها وبين الوضع الحالي، وخاصة فيما يتعلق بوسائل المواصلات.

29.05.2013 - محدث : 29.05.2013
وسائل المواصلات في الخرطوم.. "ورقة" سياسية و"معاناة" اجتماعية

الخرطوم/ الأناضول / يوسف حمد - ثمة جيل مخضرم في العاصمة السودانية، يجتر "محاسن" النظم الإدارية المتبعة في العاصمة المثلثة في ستينات القرن الماضي، مقارنا بينها وبين الوضع الحالي، وخاصة فيما يتعلق بوسائل المواصلات التي يرونها صارت بمثابة "معاناة يومية" للمواطن، بينما يراها محللون سياسيون "ورقة سياسية يديرها النظام لصالحه".

ويردد بعضهم في حسرة ساخرة مقولة ينسبونها إلى رئيس الإمارات الراحل زايد آل نهيان حين زار الخرطوم في ستينات القرن العشرين، وكان يمني نفسه بأن "تصبح أبو ظبي أقرب إلى الخرطوم" من حيث التنظيم.

ويقصد بالعاصمة المثلثة، التجمع الحضري المكون من المدن الثلاث (الخرطوم، أم درمان، الخرطوم بحري)، والتي يرجع كبار السن فيها فضل تقدم إدارتها وتنظيمها في الستينات إلى الإنجليز الذي استعمروها في الفترة من 1899 وحتى 1956، ووضعوا للخرطوم بنية تحتية بديعة آنذاك، بحسب المواطن السبعيني صديق أبو بكر.

ويعود أبو بكر من رحلته في الماضي ليكسو الأسف ملامحه وهو يقول لمراسل الأناضول "نعاني اليوم من المواصلات بشكل يومي، فيكفي أن أماكن مواقف الحافلات في الخرطوم تغيرت ثلاث مرات خلال العشر سنوات الأخيرة فقط، كان آخرها قرار حكومة بلدية الخرطوم بإجراء تغييرات في أماكن توقف الحافلات العامة واتجاهات حركة المرور منذ منتصف شهر مايو (آيار) الحالي، مخلفة بلبلة عارمة، وحيرة لدى المواطنين الذين صاروا كالتائهين في عاصمتهم".

ويتابع أبو بكر الذي يعمل موظفا بأحد بنوك العاصمة "الخرطوم تتدهور بقوة.. لم تعد مدينة صالحة للطبقة الوسطى العاملة.. لتنجز مهامك عليك أن تستقل أمجاد (سيارة أجرة خاصة) أو ريكشه (دراجة بخارية بثلاث عجلات تدعى في بعض الدول توك توك) بتكلفة عالية".

والي بلدية الخرطوم عبد الرحمن الخضر، دشن السبت الماضي خطا دائريا (مسارا جديدا للمواصلات) لتحسين الأوضاع، حيث صرح حينها لمجموعة من الإعلاميين المرافقين له أن العمل جارٍ في الوقت الراهن لإدخال القطارات كوسيلة مواصلات جديدة في العاصمة، وأن هناك 6 قطارات جاري تصنيعها، سعة الواحد 450 راكبا، لافتا إلى أنه من المتوقع أن تدخل الخدمة فى الربع الأول من العام القادم.

لكن البعض استبعد إمكانية تطبيق وعود الخضر خاصة في ظل الحالة الاقتصادية التي تمر بها السودان، فمنذ انفصال جنوب السودان عن شماله عام 2011 خسرت الخرطوم نحو ثلاثة أرباع نفطها وهو مصدر الدخل والعملة الأجنبية الرئيسي في البلاد.

وفي الخرطوم من الطبيعي أن تشهد شجاراً وعراكاً بالأيدي بين المواطنين وأصحاب المركبات العامة حول الأجرة، فرغم أن الحكومة تحددها إلا أنها لا تملك آلية للمراقبة عليها.

حيث تخلت الحكومة السودانية عن ملكية المواصلات العامة منذ إعلانها اعتماد سياسة التحرير الاقتصادي في العام 1993، وأصبحت وسائل النقل مملوكة للأفراد، لكن بلدية الخرطوم فقط تدخلت قبل عامين واستوردت 450 حافلة لصالح شركة مواصلات ولاية الخرطوم.

وبحسب إحصاءات رسمية سودانية، يعتمد أكثر من 80% من سكان الخرطوم على المواصلات العامة في حركتهم.

وتعليقا على تحويل مواقف الحافلات أكثر من مرة مؤخرا قال الخضر للصحفيين السبت "ليس صحيحاً أن الحكومة ترغب فى عذاب المواطنين وصرف أنظارهم، بتحويل مواقف المواصلات"، مؤكدا "التعديلات إذا لم تحقق أغراضها فلن يكون هناك إصرار عليها".

المحلل السياسي عبد الحميد عوض من جانبه يعتبر أن "حكومة الإنقاذ التي جاءت للحكم بانقلاب في 30 ينونيو/حزيران 1989 ومستمرة حتى اليوم، درجت دائماً على تجفيف أماكن التجمعات في وسط الخرطوم مثل: ميدان الأمم المتحدة وسوق الخضار والسوق الأفرنجي، وهي أماكن تجمعات الناس في السابق، وبالفعل حلت محلها بنايات تجارية ضخمة وحديثة".

ويضيف عبد الحميد في تصريح خاص لمراسل الأناضول أن "التجفيف الذي من بينه أيضا نقل مواقف الحافلات قصد منه تفريغ وسط الخرطوم من الانتلجنسيا (النخبة المثقفة) الفاعلة سياسياً"، مشيرا إلى ما وصفه بـ"رغبة الحكومة الآن في تحويل جامعتي النيلين والسودان من مكانهما الحالي وسط الخرطوم إلى الأطراف، لتحجيم تحركات الطلاب الذين ينشطون بين الفينة والأخرى لإطلاق شرارة الثورة.. فقد أصبح نقل المؤسسات ومواقف المواصلات ورقة سياسية في يد الحكومة".

وتغيرت مواقف المواصلات منذ العام 2007، من وسط العاصمة الخرطوم إلى مناطق متفرقة منها، وكانت في موقعها القديم أقرب إلى مقرات الوزارات والقصر الجمهوري.

ويشير المختصون بحركة السكان والديموغرافية إلى حدوث زحف سكاني هائل نحو العاصمة الخرطوم في السنوات الأخيرة، لكونها ملاذاً يتوفر فيه متطلبات الحياة الأساسية من مأكل ومشرب وتعليم وصحة، على العكس من بقية المناطق الأخرى في السودان، التي تعاني من تدهور هذه الخدمات على حد قولهم.

وساعدت الحروب التي تدور في أكثر من إقليم على نزوح المواطنين نحو العاصمة، الأمر الذي خلق زيادة سكانية مطردة في الخرطوم حتى أن عدد سكانها بلغ نحو 8 ملايين نسمة من حوالي إجمالي عدد سكان بلغ 32 مليون، طبقاً لاحصاءات غير رسمية.

ويردد المخضرمون من أبناء العاصمة ومن بينهم أبو بكر أن "خطوط المواصلات وشبكات المياه في الخرطوم صممت لحاجة (3) آلاف نسمة لكنها الآن زادت بكثافة عالية، ولم تعد مكاناً مناسباً للسكن والعمل".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın