archive, الدول العربية

قصبة الوداية بالمغرب.. تاريخ هجرة وتمرّد

قصبة الوداية المشرفة على وادي أبي رقراق تعد أول الحصون العسكرية التي شيّدت بمدينة الرباط، بناه مؤسسو المدينة زمن الدولة الموحدية (القرن الحادي عشر).

26.12.2012 - محدث : 26.12.2012
قصبة الوداية بالمغرب.. تاريخ هجرة وتمرّد

سارة آيت خرصة

الرباط – الأناضول

تغرق الأزقة الضيقة في الزرقة وبعض البياض، فعلى جدران البيوت التي تستوطن "قصبة الوداية" المطلة على مصب وادي أبي رقراق في المحيط الأطلسي، لا تتزين المساكن إلا بحلة زرقاء وأخرى بيضاء، تذكر أهلها بمدنهم الأندلسية، فالقصبة فيما مضى كان يأوي إليها "المورسكيون" القادمون إلى المغرب من الأندلس لجوءًا من محاكم التفتيش، وقد امتهن أغلبهم ملاحة السفن أو أعمال القرصنة.

قصبة الوداية المشرفة على وادي أبي رقراق تعد أول الحصون العسكرية التي شيّدت بمدينة الرباط، بناه مؤسسو المدينة زمن الدولة الموحدية (القرن الحادي عشر)، حيث أمر الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي سنة 1150 م بإنشاء قلعة تدفع عن ثغور المغرب الساحلية غزو الإسبان والقراصنة القادمين بحرًا.

شهرة القلعة ودورها الدفاعي سرعان ما سيفقد بريقه غداة وفاة مؤسسها، لن تعود لتتصدر واجهة الأحداث التاريخية إلا بقدوم أهل الأندلس وتوافدهم على سواحل المغرب هربًا من حكام إسبانيا الجدد بعد انهيار الحكم الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبرية (إسبانيا والبرتغال).

ومن مدينة "مورناشتوس" الإسبانية وفي أوائل القرن السابع عشر، سيصل إلى "قصبة الوداية" آخر المورسكيين المطرودين من الأندلس، سيستوطنون القصبة وفيها سيبنون بيوتهم ويبدأون في ترويج تجارتهم البحرية، لتغدو فيما بعد عاصمة لدويلة سيعلنون استقلالها عن المغرب "دويلة أبي رقراق" وستتخذ من قصبة الوداية عاصمة لها.

في القصبة، شيّد المورسكيون أندلسهم المفقود، فحرصوا على أن تشبه الأزقة والمساجد والنقوش على الأسوار تلك التي رحلوا عنها في مدنهم وقراهم، ففي مدينة الرباط أثث المورسكيون مداخل القصبة بأبواب زخرفت بنقوش أندلسية أصيلة، وحافظت المنازل على المعمار القديم الذي كان سائدًا في المدن الأندلسية خاصة الجنوبية المشرفة على البحر، ليستبد اللونان الأبيض والأزرق بفضاء القصبة، ويستنسخا منها أيقونات معمارية شبيهة بمثيلاتها في غرناطة وأشبيلية.

وداخل القصبة، كانت النسوة تمضين وقتهن بحياكة المناديل الأندلسية المشهورة في المدينة، المخططة بالأبيض والأحمر، وهي نفسها التي ورثنها عن أجدادهن وفيها حملن أمتعتهن في رحلة الهجرة القسرية من الأندلس إلى الضفة الجنوبية من البحر المتوسط.

 قصبة الوداية تؤرّخ كذلك لفترة مضطربة من تاريخ المغرب، لم تستطع فيه الدولة المركزية بسط سلطتها، حيث سيعلن المورسكيون في الرباط عن تشكيل دويلة صغيرة على ضفاف أبي رقراق "دويلة أبي رقراق"، تعتاش على ما تحصله من مداخيل ميناء المدينة ومن غنائم أعمال القرصنة، لكن مع بداية الحكم العلوي سيستطيع ملوك الدولة العلوية بسط سيطرتهم على القصبة وإنهاء سيطرة المورسكيين عليها حيث ستعرف القصبة توسيعًا وصيانة لأسوارها، لتغدو معلمًا أثريًّا مميزًا لمدينة الرباط وتاريخها. 

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın