archive, archive, الدول العربية

في "حارة اليهود" المصرية.. تعايش الأديان لا يزال مستمرا

لم يرث سكان حارة اليهود "وسط القاهرة" عن أجدادهم بيوتا فقط، لكنهم ورثوا أيضا حكايات وقعت أحداثها خلف جدران هذه البيوت.

22.05.2013 - محدث : 22.05.2013
في "حارة اليهود" المصرية.. تعايش الأديان لا يزال مستمرا

القاهرة / الأناضول / حازم بدر

لم يرث سكان حارة اليهود "وسط القاهرة" عن أجدادهم بيوتا فقط، لكنهم ورثوا أيضا حكايات وقعت أحداثها خلف جدران هذه البيوت، أبطالها محمد وجرجس وشموئيل، الذين عاشوا سويا في عمارات سكنية واحدة، وكان يغلق عليهم باب واحد.

وبينما تعيش مصر حاليا حالة من الاحتقان الطائفي تتحول إلى أحداث ساخنة من حين لآخر، آخرها في محافظة الإسكندرية، شمالا، حيث لقي مساء الجمعة الماضية شخص مصرعه وأصيب آخرون في مشاجرة بين أسرتين مسلمة ومسيحية، يرى سكان الحارة في ذلك أمرا غريبا على طبيعة الشخصية المصرية.

محمد أحمد الذي يدير صالونا للحلاقة في مدخل الحارة، كان يشاهد نشرة إخبارية في التليفزيون تذيع هذا الخبر، بينما كان يقوم بحلاقة شعر الأسطى جرجس صاحب إحدى ورش الخراطة بحارة اليهود.

يقول أحمد لمراسل الأناضول: "لم نعرف في هذه الحارة فرقا بين مسلم ومسيحي، لأننا تربينا على قيم وحكايات التسامح، حيث كانت الأديان الثلاثة ( الإسلام والمسيحية واليهودية ) تعيش في نفس المكان".

وينقل محمد عن أبيه الحاج أحمد حكايات هذا التعايش، والذي يظهر جليا في أن معظم من كانوا يمتهنون بيع الطعام والشراب في الحارة هم اليهود.

وقال: "كان المسلم يشتري طعامه من اليهودي دون خوف أو قلق".

وأشار إلى بيت قديم مقابل لصالونه، مضيفا: "هنا كانت تعيش سمرة اللبانة (التي تبيع اللبن)، وهي يهودية الديانة".

وعلى بعد خطوات من صالون الحلاقة، كانت العمارة رقم "3" وهي أشهر عمارات حارة اليهود، كونها العمارة التي قضى فيها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر سنوات من طفولته، ويتردد أيضا أن موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، عاش في نفس المنزل، وإن كانت هذه الرواية غير مؤكدة.

محمد محجوب، الذي يقطن في وحدة سكنية توجد بالطابق الأول من العمارة، حيث عاش عبد الناصر، يعتبر ذلك أحد الأسباب التي تدفعه للإحساس بالفخر والاعتزاز.

وقال لمراسل الأناضول: "تخيل أنك تعيش في منزل أقام فيه عبد الناصر، فهذا وحده يبعث على الفخر".

سبب آخر يبعث على الفخر لدى محجوب هو أن العمارة التي يسكن فيها كانت "مجمعا للأديان"، بحسب وصفه.

وأشار إلى باب العمارة الذي لا يزال يحمل رسمه "نجمة داوود" قائلا: "في هذه العمارة عاشت الديانات الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية)، وكان يغلق عليهم هذا الباب".

ويعتبر محجوب عدم قيام مالك العمارة بتغيير بابها عندما اشتراها من اليهودي شموئيل "خير دليل على التعايش السلمي بين الأديان".

ولأن محجوب هو ابن البيئة التي شهدت هذا التعايش، فإنه يرى في الأحداث الطائفية التي تشهدها مصر من حين لآخر أمرا غريبا على نسيج المجتمع المصري.

وأشار إلى شرفة المنزل المجاور لمنزلهم وقال: "هذا المنزل كانت تملكه أسرة مسيحية، كنا نهرب إليه من عقاب الأم، وكانت صاحبته تدفع عنا العقاب، وتقدم لنا الطعام".

العمارة رقم 3 التي يقطن فيها محجوب تقع في بداية شارع طويل تتفرع منه عده حارات، منها "حارة الكنيسة"، التي توجد بها عدة ورش أغلب ملاكها من المسيحيين، ويقع في نهايتها معبد لليهود.

الحارة بها عدة شواهد تؤكد أيضا على التعايش السلمي بين الأديان، فالورش التي يملكها مسيحيون نسبة ليست بقليلة من العاملين بها مسلمين، كما يقول أحد محمد خميس أحد سكان الحارة.

"خميس" يشير إلى شاهد آخر على التعايش السلمي وهو العمارة رقم "4" التي لا تزال تحمل واجهتها بقايا "نجمة داوود".

وقال: " لم يسع صاحب العمارة إلى إسقاطها، لكنها سقطت بفعل الزمن".

اللافت للانتباه أن الواجهة كانت تحمل – أيضا – الهلال وهو رمز علم مصر في فترة ما قبل ثورة يوليو 1952، في إشارة إلى اعتزاز صاحبها اليهودي بمصريته.

وعلى بعد أمتار من هذه الحارة كان يوجد معبد آخر لا توجد أي إشارة ذات دلاله تشير إلى هويته، فقط السكان المقيمون بالمكان يعرفون ان هذه البناية كانت معبدا يهوديا.

والمفارقة أن هذه البناية وضعت عليها لافتة تشير إلى وجود مسجد في نهاية الشارع الذي توجد فيه، وهو ما لا يستغربه سكان الحارة.

وقال محمد فتحي: " يحكي أجدادنا عن وحدة أصحاب الديانات الثلاثة في نفس المكان، فلا زلنا نعيش حتى الآن بهذه الروح ".

وفي نهاية الحارة يقع معبد موسى بن ميمون، أحد المعابد اليهودية، وفي المقابل للمعبد إحدى المدارس، التي يقول أحد العاملين بها أنها من أملاك الطائفة اليهودية بمصر، ولا تزال وزارة التربية والتعليم تدفع للطائفة اليهودية إيجار لهذه المدرسة.

ولا يوجد أي فاصل يربط بين المعبد ومنزل سيد حسن، الذي ورثه عن والده.

ولا يشعر سيد بأي ضيق لالتصاق منزله بمعبد يهودي، وقال لمراسل الأناضول: "والدي اشترى هذا المنزل من يهودي، وكانت تربطنا علاقات ود ومحبة، لم نكن نعرف هوية المسلم من المسيحي واليهودي، إلا من خلال أسمائهم، فنحن أبناء هذه البيئة، وهو ما عاش معنا إلى الآن".

وأضاف: "أغلب أصدقائي من المسيحيين، فنحن لا نعترف بالفوارق، فالعلاقة مع الله تخص المرء وحده، أما مصر فهي لنا جميعا".

وتقع حارة اليهود، وسط القاهرة، وهي ليست حارة بالمعنى المتعارف عليه، لكنها حي متكامل، به شوارع رئيسية متقاطعة تتفرع منها عشرات الحارات الضيقة والمتشابهة، وكان يسكنها اليهود المصريون قديما وقبل أن يهجروها إلى دول العالم المختلفة.

ويشكل المسيالمسيحيون نحو 10% من إجمالي عدد السكان الذي تجاوز الـ90 مليون نسمة، بحسب تقديرات غير رسمية، فيما لا يتجاوز عدد اليهود العشرات، بعدما كان 80 ألفا عام 1922.

وهاجر أغلب اليهود المصريين الذين كانوا جزءا من النخب التجارية والثقافية والسياسية في الماضي إلى الخارج بعد قيام ثورة 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي، واشتعال الصراع العربي الاسرائيلي، فيما شكل بعضهم جمعيات حقوقية في المهجر تسعى للحفاظ على التراث اليهودي في مصر.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın