شارع الحمراء..الوجه الآخر لبيروت (فيديو)
"يشكل لمحة، ولو كانت بعيدة، عن ماضٍ جميل لا يوجد اليوم إلا في كتب التاريخ وذاكرة كبار السن، والتجوال فيه هو محاولة خجولة لتلمس هذا الماضي"، بحسب وصف أحد رواد شارع الحمراء في حديث لمراسل الأناضول.

محمود مروة
بيروت – الأناضول
شارع وسوق الحمراء في العاصمة اللبنانية بيروت.. رغم الأوجه المشتركة بينه وبين باقي الأسواق البيروتية إلا أنه يتميز بوجود عدد كبير من المكتبات والمقاهي والمطاعم وأماكن السهر والترفيه، تجعله ملتقى مفتوحًا للبنانيين من كافة الفئات، وخاصة المثقفين.
ولشارع الحمراء عدة مميزات تجعله عنوانًا واضحًا في المدينة وعلى تلازم دائم مع الحداثة، فهو من جهة يصوّر ديناميكية بيروت كمدينة تجارية، وإن صعُبت الظروف، ومن جهة أخرى يطبع الحياة الاجتماعية والثقافية للمدينة.
وشكّل نجاح منطقة الحمراء - أي شارع الحمراء إضافة لمتفرعاته وما يحيط به من شوارع - حالة خاصة دعت اللبنانيين للبقاء على موعد دائم معها.
لا تستطيع زيارة الحمراء دون زيارة مكتباتها، ورغم أن أبرزها "مكتبة أنطوان" العريقة إلا أنّ في الحمراء نوعًا آخر من المكتبات هي أقرب إلى متاجر لبيع الكتب النادرة، منها مكتبات حديثة الطابع كـ"الفرات، بيسان، المعرّي، عيّاد.. إلخ".
وفي حين يؤكد لنا أحد أصحاب هذه المكتبات أن "سوق بيع الكتب يتراجع مع مرور الوقت"، لكنّه يقول في الوقت نفسه، "إن وجودي في شارع الحمراء يعوّض عني بعض الشيء نظرًا لكثرة الزائرين".
ورغم صعوبة الأوضاع، يصمد في الشارع حتى اليوم بعض الحرفيين مثل بائعي وشاغلي المسابح.
وإلى جانب المكتبات، يوجد عدد كبير من دور النشر ومراكز ثقافية أخرى، إذ أنّ الصحف اللبنانية تأخذ من الحمراء مركزًا لها. وفي حين غادرت جريدة "النهار" مكاتبها الكائنة في الحمراء، بقيت "السفير" و"الأخبار" شاهدتين على حياة ثقافية لا تفارق المنطقة.
ولمقاهي الحمراء قصة خاصة، ففيما وجدت المقاهي البيروتية الأساسية قديما بوسط بيروت أو مناطق أخرى كالبسطة مثلاً، ظهرت، بدءًا من ستينيات القرن الماضي، مقاهٍ جديدة في بيروت وتحديدًا في شارع الحمراء نذكر منها "الهورسشو"، "المودكا"، "الويمبي"، "كافيه دو باري"، وغيرها، ثم اختفت هذه المقاهي مؤخرًا لتحل مكانها مقاهٍ جديدة وحديثة الطابع. ورغم ذلك، لا تزال مقاهي الحمراء تجمع العديد من المثقفين اللبنانيين فضلاً عن كونها أماكن للتلاقي العام.
أما مطاعم الحمراء ومتاجرها فهي شاغلة الناس هذه الأيام، وتشكلان سرًا من أسرار صعود نجم هذه المنطقة، إذ أنّ للحمراء وجهها الليلي الذي يطغى على نهارها ويعطيها رونقًا خاصًا ويغني بيروت بأوجه متعددة.
وإذ لا يختلف اللبنانيون حول جمال ودفء ليالي الحمراء، غالبًا ما يصادفون زوارًا أجانب في المنطقة ويعزو أحدهم السبب إلى "الروح الجميلة التي تسود أروقة المنطقة ليلاً نظرًا لتنوّع أماكن الترفيه وروح الانفتاح التي تطغى"، وتضيف أخرى "الحمراء بلياليها تطبعنا وتلاحقنا أينما حللنا في هذا العالم".
ومن جانبه، يقول محمد عيتاني، وهو باحثٌ من روّاد مقاهي شارع الحمراء، إنه كشاب لم يعرف بيروت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، يجد أن شارع الحمراء "يشكل لمحة، ولو كانت بعيدة، عن ماضٍ جميل لا يوجد اليوم إلا في كتب التاريخ وذاكرة كبار السن"، مضيفًا "هي لمحة تعكس الحياة الثقافية لمدينة كانت مركز إشعاع في كل العالم العربي مفعمة بعبق حبر الجرائد وضجيج المطابع التي لا تهدأ"، ويختتم كلامه بالقول بأنّ "التجوال في الحمراء هو محاولة خجولة لتلمس هذا الماضي".
ولشارع الحمرا حكاية خاصة به بدأت في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي حينما تنازع "بنو تلحوق" الدروز مع بني الحمرا المسلمين الذين كانوا يترددون على بيروت لبيع غلالهم ومحاصيلهم الزراعيّة، ونتيجة هذا النزاع اضطر بنو تلحوق إلى النزوح عن مساكنهم في رأس بيروت، المنطقة التي كانت تُعرف في عهدهم باسم "جرن الدب"، والتحقوا بالجبل تاركين أراضيهم ومنازلهم لبني الحمرا الذين حلّوا مكانهم ونسبت المنطقة من يومها وعرفت باسم كرم الحمرا وأهمل اسم جرن الدب إلى غير رجعة، وهكذا فإن شارع الحمرا اليوم هو منسوب إلى بني الحمرا.
وتنحدر من بني الحمرا عائلات بيروتيّة مرموقة مثل آل العيتاني، وآل اللبّان، وآل شاتيلا، وآل حمندي.
هذا الشارع الذي يحمل اسم الحمرا اليوم، كان حتى عهد بعيد عبارة عن خندق لا يكاد يتسع للرجل الواحد ودابته، بيد أن تطور العمران في بيروت وضواحيها وجّه الأنظار إلى كرم الحمرا فأخذت هذه المنطقة تشهد كثافة سكانيّة وأصبحت معابرها الضيقة تتسع وتمتد وتحمل أسماءً تميزها بعضها عن بعض، فمحيط شارع بلس وجان دارك والمكحول كان يعُرف باسم زقاق طنطاس، وعندما دخلت قوات الحلفاء في ختام الحرب العالمية الاولى بيروت عام 1918م، عرف شارع الحمرا باسم شارع لندن.
يبلغ طوُل شارع الحمرا اليوم نحو 1300 متر، و يبدأ من الشرق عند تقاطع الطرق التي فيها وزارة السياحة والإعلام من جهة الجنوب وبناية جريدة النهار من جهة الشرق وينتهي غربًا عند تقاطع طرق يقع فيها محل بقّال شهير في المنطقة يدعى أبوطالب.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.