رسوم الجدران.. تعبير صامت لشباب مغربي
هذه الظاهرة تنتشر وبشكل خاص في صفوف المراهقين والشباب، لحاجتهم للتعبير عن الذات وما يعتمل في النفس

سارة آيت خرصة
الرباط - الأناضول
يرسمان على عجل، ويسارعان إلى مغادرة المكان، قبل أن تقع عليهما عين شرطي أو حارس، يخلفان ورائهما أثرا على الجدران، رسما وقعاه باسمهما دون خشية، كَتابَا بخط سريع جملا غير مكتملة، وحروفا ملونة..
"الجدار يمنحك فضاء لامنتهي لتبدع ما تشاء يتجاوز الحدود الضيقة لأوراق الرسم، العبارات والرسوم تبدو مجهرية هناك أما على الجدار فهي واضحة، يراها العابرون على الطرقات دون الحاجة لدخول معرض للرسم"، يقول أنس (16 سنة) تلميذ في شعبة الفنون التشكيلية بإحدى ثانويات العاصمة المغربية الرباط،.
يلتقف بخاخ الألوان ، وبحركات سريعة ماهرة، يخط على الجدار كلمات يكتبها بحرف لاتيني، فإتقانه للفرنسية والإنجليزية يتفوق على تعبيره العربي .
يقف إلى جانب صديقه ويناول ألوان الرسم، يشارك معه في إبداع الجدارية، ويلعب دور الحارس تارة خوفا من قدوم شرطي.
يقول عثمان (17 سنة) وهو تلميذ في شعبة الفنون بنثانوية العاصمة: " قد يضايق البعض من كتاباتنا ورسومنا على الجدران، ويعتبرها آخرون تطاولا على الشارع العام، لكنها في نظري وسيلة للتعبير، لقول ما لايسمحون لنا بقوله".
ففي شوارع الرباط انتشرت بشكل واسع رسومات على الجدران، منها التي اختارت التعبير عن مواضيع اجتماعية وأخرى تعيد تصوير مآثر المدينة، فيما ذهبت أخرى لمحاكاة رسوم تجريدية يغيب عنها الموضوع وتحضر فيها كثافة الخطوط وتعدد الألوان.
مساحات شاسعة خصصت لرسوم تشجع فرق رياضية وأخرى تنقل رسائل شخصية توثق للحظة مرور كاتبها بجوار الجدار، أما في بعض أزقة وأحياء العاصمة فتباغت المارة وجوه، أراد لها راسمها أن تعبر عن ملامح الغضب وتارة عن الفرح أو الاندهاش فتسترعي انتباه بعضهم فيتأملها، فيما تثير غضب آخرين.
"يتفنن هؤلاء الشباب في تشويه الشارع، رسومهم لاتضيف جمالية للمكان سوى أنها تقحم أشكالا وألوانا دخيلة وغريبة عنه، فما معنى أن ترسم سيارة سباق سريع على جدار في المدينة العتيقة" تقول ربيعة (27 سنة)، وهي تعبر شارعا بالقرب من كلية الحقوق في الرباط وقد غضت جدرانه برسوم بشعارات وشعرات مضادة للفريقين الخصمين في كرة القدم بالمدينة.
ويفسر بعض الباحثين انتشار هذه الظاهرة وبشكل خاص في صفوف المراهقين والشباب، بحاجة لدى هذه الفئة العمرية في التعبير عن الذات وما يعتمل في النفس، وشكلا من أشكال الرفض والاحتجاج على واقعهم، ومشاركة صامتة في النقاشات السياسية والاجتماعية التي تدور في الحياة العامة، مع رفضهم للخطاب الإعلامي الرسمي واستغنائهم عن قنواته ووسائله، فالجدار بالنسبة
إليهم بنفلت من كل أشكال الرقابة، ويخاطب الناظر إليه كيفما كانت انتماءاته السياسية ومستواه الاجتماعي أو الثقافي.
هذه الكتابات التي نشاهدها في شوارع المدينة والتي تصل لحد تدوين قصيدة شعرية على الجدار أو تنحدر إلى كتابة كلام بذئ، تعبر جميعها عن آمال وأحلام وخيبات هؤلاء الشباب، وإن اعتبرها البعض اعتداءا على ممتلكات المواطنين و تشويه لجمال الشارع، فهي انعكاس لواقع أبنائه ولفكرهم" يقول عبد الغني (23 سنة) طالب جامعي بمدينة الرباط، فلم تعد هذه الرسوم والكتابات تحتل جدران المباني أو البيوت المهجورة فقط، بل انتقلت لمساحات بارزة في الشارع العام وفي مداخل المدارس وعلى واجهة البنايات على حد قوله.
ويعود فن الرسم على الجدران أوما يسمى" بالغرافيك" إلى موجة الهبيز التي انتشرت بشكل واسع في الولايات المتحدة الأمريكية زمن الستينات، لتعرف موجة إحياء جديدة مع انتشار موسيقى "الهيب هوب" في أوساط الشباب المغربي، وتنتعش بشكل ملحوظ بعد الحراك الشعبي والسياسي الذي شهدته شوارع المغرب مع بداية الربيع العربي، على غرار العديد من بلدان الربيع العربي التي
أضحى فيها فن الغرافيك(الرسم على الجدران) وسيلة للاحتجاج ضد الفساد والهتاف من أجل التغيير.
أما أنس وعثمان فيستغرقان في تلوين الحائط، يكتبان بعناية عبارتهما ، البياض الناصع للجدار حديث الطلاء، يغريهما بإضافة مزيد من لألوان وكتابة اسميهما بحروف لاتينية بأسود قاتم "حين أقوم بكتابة هذه العبارة على الجدار، فذلك لايدخل في خانة التخريب أو الفوضى بل الشكل الوحيد الذي أجده لتعبير عن شعوري وعن إحساسي بالأشياء " يقول أنس وقد انتهى برفقة صديقه من كتابتهما الجدارية.