"النظام يريد".. عرض مسرحي لـ"ربيع سوداني متأخر"
"النظام يريد".. عنوان لمسرحية بدأ عرضها مؤخرا في العاصمة السودانية الخرطوم تصور وقائع اللحظات الأخيرة لرئيس عربي يعيش حالة من الرعب، بعدما تواردت إليه أخبار نظراءه المخلوعين من قبل شعوبهم.

محمد الخاتم
الخرطوم ـ الأناضول
"النظام يريد".. عنوان لمسرحية بدأ عرضها مؤخرا في العاصمة السودانية الخرطوم تصور وقائع اللحظات الأخيرة لرئيس عربي يعيش حالة من الرعب، بعدما تواردت إليه أخبار نظراءه المخلوعين من قبل شعوبهم.
ومع مرور الوقت تتصاعد هواجس هذا الرئيس حتى فكر في "تغيير الشعب" كسبيل للخروج من أزمته، قبل أن ينجح الشعب في الإطاحة به في خاتمة المطاف.
المشهد المحوري في العرض الذي شاهده مراسل الأناضول هو: طلب الرئيس من أحد وزرائه الشروع في تغيير الشعب، قائلا له: "صمت الشعب لا يريحني، والأفضل أن نتغدى به قبل أن يتعشى بنا، ونأتي بشعب محبا لحاكمه مهما فعل به".
وبدأ أحد المقربين من الرئيس، والذي عادة ما توكل إليه مهام الرئيس الخاصة، في تنفيذ الفكرة؛ حيث جاء إلى الرئيس بعدة مقترحات لشعوب رأى أنها الأفضل؛ لأنها تعيش في بلدان بها ربيع مناخي، ولا تحتاج إلا ربيع سياسي؛ فكان المشهد الأكثر دلالة على اختمار الفكرة، حسبما قال أحد المواطنين الذين حضروا المسرحية لمراسل الأناضول.
وحظي العرض المسرحي بإقبال غير مسبوق من الجماهير التي تتزاحم يوميا على شباك التذاكر قبل ساعات من بدء العرض؛ لضمان الحصول على تذكرة، وربما كان دافعهم التقاير الصحفية التي تتحدث عن إعتزام السلطات وقف العرض.
وبحسب نقاد مسرحيون سودانيون، تدور أحداث المسرحية بصورة مطابقة للواقع السوداني من حيث شخصياتها وطباعهم بداء من الرئيس ووزرائه وأقاربه وهو ما عدوه "ربيعا سودانيا متأخرا"، لكن مؤلف المسرحية مصطفى الخليفة قال لمراسل الأناضول إن "شخصيات وأحداث المسرحية لا علاقة لها بالواقع السوداني تحديدا، وإنما بكل الرؤساء العرب الذين لم تنتقل إلى بلدانهم حتى الآن ثورات الربيع العربي".
وأضاف: "صحيح المسرح له إيحاءات، لكن مسرحية "النظام يريد" تنتمي إلى عالم خيالي، وتستبطن روح ثورات الربيع العربي وإنتصارات الشعوب وقدرتهم على الإطاحة بالطغاة، وتصور الحالة التي يعيشها الرؤساء الذين لم تطالهم الثورات بعد، لكنها لا تقصد نظام بعينه".
ومنذ يناير/ كانون الثاني 2011، شهدت 5 دول عربية ثورات عرفت إعلاميا باسم "ثورات الربيع العربي". وبينما نجحت شعوب 4 من هذه الدول - التي خرجت تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" في الإطاحة بزعماء سابقين بها وهي: تونس (زين العابدين بن علي) ومصر (حسنى مبارك) واليمن (على عبدالله صالح)، وليبيا (معمر القذافي)، لم تتمكن الثورة في سوريا منذ انطلاقها في مارس آذار 2011 في إسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد.
كما شهدت بعض البلدان العربية احتجاجات من قبل المعارضة اختلف المراقبون بين تسميتها بـ"الثورات" أو "الاحتجاجات" ومن هذه الدول: البحرين والعراق والسودان.
وإستبعد الخليفة أن توقف السلطات العرض كما تحدثت بعذ التقارير الصحفية، قائلا: "لا أظن أن السلطات ستمنع المسرحية؛ لأن هامش الحريات الموجود (في البلاد) يسمح بعرضها"، لافتا إلى أن المسرح السوداني عموما "ظل يتمتع بهامش معقول من الحرية في تناوله للقضايا العامة".
ومضى قائلا: "المسرح مهمته تثقيف الناس وحثهم على معالجة مشاكلهم، وليس في صالح الحكومة محاربة المسرح؛ لأن ذلك سيضع مدنيتها ورقيها على المحك".
وأوضح أنه "لم يكن متخوفا من كتابة النص، ولم يتساءل إن كانت السلطات ستسمح بعرضه أم لا؛ لأن الفكرة عندما تنتاب المؤلف فهو لا يتراجع عنها؛ لأنها تسيطر عليه وهذا ما حدث معي".
وعدد الخليفة حزمة من العوامل رأى أنها "وراء النجاح الكبير للمسرحية" وهي: "فكرة المسرحية واسمها (النظام يريد)؛ لأنها مقابلا للإسم الشهير (الشعب يريد) بجانب الدقة في إختيار الممثلين".
من جهته، قال أبو بكر الشيخ مخرج مسرحية "النظام يريد" إن " نجاح المسرحية لم يكن صدفة، وإنما نتاج جهد كبير من فريق العمل ككل".
وفي تصريحات لمراسل الأناضول، لفت إلى أن "بروفات العرض استمرت ما يقرب من 4 شهور، وأن كل التفاصيل الفنية من حيث الديكور والصوت والموسيقى تم الدقيق فيها جيدا".
وقلل من المخاوف بشأن منع العرض، قائلا: "على أي حال، العرض لن يوقف من واقع مقارنته بما تكتبه الصحف اليومية ومساحة الحرية التي تتحرك فيها، صحيح هناك خطوط حمراء متعلقة بأمن الدولة والأخلاق لكننا لم نتجاوزها بأي حال من الأحوال".
واعتبر "النجاح الكبير للمسرحية حافزا لعرضها في بقية المدن السودانية، وهذا ما سنبدأ فيه تباعا بعد نهاية العرض في العاصمة"، دون أن يحدد موعدا محددا لذلك.
لكن الكاتب الصحفي عثمان ميرغني - الذي تحظى كتاباته بشعبية كبيرة في الأوساط السودانية، توقع وقف العرض قريبا، وكتب مؤخرا في عموده اليومي بصحيفة "اليوم التالي" الخاصة: "أنصحكم بشدة أن تشاهدوها (مسرحية: يريد النظام) قبل أن يوقفوها؛ فهي قمة السخرية من وضع هو نفسه يسخر من نفسه، وتكاد تكون نسخة من الواقع الحاضر في دول كثيرة في عالمنا العربي والأفريقي تعاني معضلة التعايش بين حكم سرمدي ومطلوبات (طلبات) الشعوب وعينها في التغيير المستمر".
ورأى أن المسرحية التي مثلتها "فرقة الأصدقاء" "نقلة في (تاريخ) المسرح السوداني من عبث السطحية الممعنة في السماجة إلى عمق الفكرة وتفجر في عقل المتفرج كثيرا من الأسئلة الممنوعة من شاكلة: أيهما الجاني وأيهما الضحية: الشعب أم الحاكم؟"..
وقال ميرغني: "رغم الجهد الكبير من المؤلف والمخرج والممثلين إلا أن بطل المسرحية الحقيقي هو: الجمهور الذي يملأ يوميا الصالة وينفعل مع كل مشهد بمنتهى الوقار".
وحظيت المسرحية بمشاهدة واسعة من المثقفين والسياسين والطلاب والشباب ومن أبرز الذين حضروها عبد الله البشير شقيق الرئيس عمر البشير الذي أشاد بها وقال لفريقها إنه سيحث شقيقه (الرئيس) وأفراد أسرته على مشاهدتها حسب ما قال مصدر مطلع لمراسل الأناضول، فضل عدم الكشف عن هويته.
وحضر المسرحية أيضا رئيس حزب الأمة القومي المعارض الإمام الصادق المهدي مع بعض أفراد أسرته وأصدقائه.
وبعث المهدي برسالة إلى أسرة المسرحية، قال فيها: "عنوان المسرحية مشبع بالتورية فبعض المعاني يظهرها إخفاؤها كما جاء في المثل: (من شدة الظهور الخفاء)".
وتابعت الرسالة التي وصل مراسل الأناضول نسخة منها: "للمسرحية معان ذات مدلولات سياسية وإجتماعية صادقة التصوير للواقع ما جذب إليها التجاوب الشعبي المستحق، وفيها تأكيد صادق لحقيقتين: أن السلطة المطلقة إفساد مطلق وأن الظلم هدام".
واختتم رسالته قائلا: "تقبلوا جميعا تهنئتي على إنجاز سوداني فني".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.