archive, الدول العربية

الجزائر.. دولة بلا ماسحي أحذية

اتخذت السلطات الجزائرية عقب التحرر من الاحتلال الفرنسي قرارات لمحو مظاهر إذلال الشعب ومنها إلغاء مهنة ماسح الأحذية و"البقشيش" في المطاعم.

10.10.2012 - محدث : 10.10.2012
الجزائر.. دولة بلا ماسحي أحذية

يوسف ضياء الدين

الجزائر- الأناضول

اختارت الجزائر المستقلة عن الاستعمار الفرنسي في يوليو/تموز 1962، أن تبدأ عهدها مع الحرية بمحو كل أثر يذكّرها بـ"الجلاّد"، مهما كانت تفاهة هذا الأثر.

فلم يكد شهر فبراير/شباط 1963 يدخل، أي 7 أشهر فقط بعد الاستقلال، حتى أمر الرئيس الجزائري الأسبق، الراحل أحمد بن بلة، بتجميع ماسحي الأحذية الصغار في قاعة ابن خلدون بالعاصمة واتّفق مع مستشاره الراحل بشير بومعزة على توزيعهم على مراكز لتثقيفهم ومحو أميتهم، وكانت هذه بداية إعلان الحرب على مهنة ماسحي الأحذية، وكل المهن "الوضيعة" التي كانت فرنسا تذل بها الجزائريين. 

وقال الرئيس بن بلة حينها، متحدثا عن ماسحي الأحذية، إن هذه الفئة "تمثّل مشهدًا من مشاهد إذلال الأنديجان".. (والأنديجان مصطلح فرنسي يعني الأهالي، وكانت تطلقه فرنسا على الجزائريين).

لقد كان ماسحو الأحذية قليلا ما يتلقّون أجرهم من الفرنسيين، فتعرّضوا للظلم مرتين "ظلم الإهانة بالمهنة الوضيعة وظلم الحرمان من الأجر"، ما جعل آلامهم تتضاعف، خاصة وأن كثيرًا منهم كانوا يعيلون أُسرًا في زمن الاستعمار، ذلك الزمن الذي كان الجزائريون يموتون فيه بالمئات يوميًا من الجوع والأمراض المختلفة.

ومن قرارات الرئيس بن بلة "الانتقامية" من إذلال فرنسا الجزائريين بمهن وضيعة، أيضا، منع "البقشيش" في المطاعم والمقاهي والفنادق، ومنع سائقي سيارات الأجرة من أن يقلّوا راكبًا في المقعد الخلفي إذا كان المقعد الأمامي خاويًا، فلقد كانت هذه علامة من علامات الإذلال التي رفضها الجزائريون في عهد الحرية، حيث بات "لا سيّد فوق هذه الأرض إلا الشعب"، على حدّ تعبير شهير للرئيس الراحل هواري بومدين.

ولما جاء الرئيس بومدين إلى الحكم عام 1965، أصدر مرسومًا منع به مسح الأحذية والبقشيش وسلوك سائقي سيارات الأجرة، غير أن الفضل يعود أولا لسابقه الرئيس أحمد بن بلة.

وفي هذا الموضوع، تقول المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، رئيسة مؤسسة مناهضة الفكر الاستعماري في الجزائر، إن فرنسا "سعت من خلال تشغيل الأطفال الجزائريين في مسح الأحذية إلى إهانة هذا الشعب الذي وجدته كريمًا عزيز النفس متعلمًا".

وأضافت لـ"الأناضول": "أرادت فرنسا أن يركع هذا الشعب وأبناؤه لحذاء الرجل الفرنسي والأوروبي عموما.. أرادت أن تجعله لا يرى شيئًا سوى حذاء الجندي.. وألا يرفع رأسه إلى السماء أبدًا".

وتكشف بن براهم أن "جبهة التحرير الوطني"، التي قادت حرب التحرير ضد فرنسا، عرفت كيف تستفيد من ماسحي الأحذية الأطفال في خدمة الثورة والاستقلال، ما يعني أنهم كانوا "عينًا للثورة في المدن".

وتابعت: "لقد كلّفت الجبهة ماسحي الأحذية بمهمات ثلاث كانت حاسمة للمعركة ضد المستعمر في المدن، المهمة الأولى مراقبة تحركات جنود جيش الاحتلال الفرنسي والمسؤولين الفرنسيين العسكريين منهم والإداريين ورجال المخابرات والشرطة والدرك، ومعرفة الطرق التي يسلكونها يوميا والأماكن التي يترددون عليها والمقاهي والحانات التي يجلسون فيها".

"والمهمة الثانية جعلت منهم صندوق بريد، حيث كان ماسحو الأحذية يستلمون الرسائل من رجال الثورة ويسلمونها بدورهم للمعنيين بها، وثالثا وأخيرا كانوا مستودعا توضع فيه المسدسات بعد تنفيذ الفدائيين عمليات اغتيال ضد فرنسيين، حيث يُترك المسدس في صندوق ماسح الأحذية، وبعد أن تهدأ الأوضاع يعيد ماسح الأحذية المسدس للجبهة" بحسب بن براهم.

وتذكر بن براهم أن الدولة الجزائرية، عرفانا بدور هؤلاء في كسب معركة التحرير، قررت أن تكرّمهم بمرسوم تنهي به هذه المهنة إلى الأبد في الجزائر.

وإلى اليوم لا يكاد الجزائريون يذكرون "ماسحي الأحذية"، إلا من خلال الأفلام الثورية التي يشاهدونها مع كل مناسبة تتعلق بالتاريخ الوطني، وتمثّل مهنة ماسحي الأحذية "وجعا" بالنسبة لشعب يرفض أن يهان.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın