التصوف في المغرب.. وسيلة لمواجهة التشدد في أفريقيا
تعول فرنسا على قوة تأثير المغرب في مالي عبر عدد من الزوايا والطرق الصوفية في هذا البلد، بحيث تعمل على إعادة صياغة خريطة الحركات الدينية في المنطقة لصالح "التدين الصوفي المعتدل".

سارة آيت خرصا
الرباط- الأناضول
تعول فرنسا على قوة تأثير المغرب في مالي عبر عدد من الزوايا والطرق الصوفية في هذا البلد، بحيث تعمل على إعادة صياغة خريطة الحركات الدينية في المنطقة لصالح "التدين الصوفي المعتدل"، عوضًا عن "التدين السلفي المتشدد"، بحسب أستاذ في الدراسات الأفريقية.
تتعالى الأصوات لاهجة بآيات من القرآن الكريم.. ينتظم المريدون في حلقة يتقدمهم "مقدم" الزاوية الصوفية والقائم بشؤونها.. يردد أذكارًا دينية وأوردة صوفية بخشوع روحي، ليتماهى معه كل مريدي الحلقة، فينخرط الجميع في إيقاع الذكر الصوفي.
تخيم رائحة البخور على أجواء الزاوية، يجلس مريد الزاوية الصوفية على حصير قصبي، يلتقف لوحته الخشبية وقد دونت عليها أذكار وابتهالات، ويبدأ الحاضرون في التلاوة. أما من يقصد الزاوية من مريدها، فهم ليسوا مغاربة فقط، بل مريدين جاءوا من دول أفريقية ومن أوروبا.
"نقيم ليلة جمعة، ليلة للذكر والابتهال، يحضرها مريدو الزاوية بالمدينة، وتقام خلالها الصلوات وترفع الأكف بالدعاء.. فالتصوف صفاء للروح وحديث لا يفهمه إلا المتصوف صاحب الطريقة"، بحسب ما قاله "الحاج مبارك"، أحد المنتسبين للزاوية الدرقاوية بالمغرب، وهو في حلقة الذكر، وقد ارتدى لباسًا مغربيًا تقليديًا منسوجًا من الصوف، كما هو حال الزاهدين.
وتنتشر في المغرب الزوايا الصوفية بشكل واسع، حيث لعبت أدوارًا ثقافية وتربوية، بل وسياسية مهمة عبر تاريخ المغرب، وأسهمت في ترسيخ الثقافة الإسلامية ونشرها في المنطقة ونقلها عبر المتصوفة المغاربة إلى عدد من دول ما يعرف حاليا بـ"منطقة الساحل والصحراء" وبلاد السودان، على طريق القوافل التجارية العابرة لتلك المنطقة خلال تلك الحقبة. ويضم إقليم الساحل الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وهي: السنغال وغامبيا ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا ونيجيريا وشمال الكاميرون وتشاد والنيجر.
وتعد مدينة "تمبكتو" المالية صلة الوصل بين البلاد الأفريقية المسلمة وبلاد المغرب، وبها انتشر عدد من الطرق الصوفية من أشهرها الطريقة التيجانية (أصلها بمدينة فاس المغربية) والطريقة القادرية الجيلانية المنتشرة بالمغرب.
ووفقا لأستاذ الدراسات الأفريقية الموساوي العجلاوي، في حديث لـ"الأناضول"، فإن "الأوضاع الحالية في منطقة الساحل والصحراء، ستدفع المغرب إلى التدخل للمساعدة على إعادة تشكيل الخريطة الثقافية والدينية في المنطقة، لصالح تشجيع الإسلام الصوفي المعتدل في مقابل تزايد نفوذ الجماعات السلفية المتشددة التي تخوض الحرب الآن ضد فرنسا وحلفائها في مالي".
وأضاف أن "للمغرب امتدادًا ثقافيًا وروحيًا عميقًا في مالي وفي مدينة تمبكتو على وجه التحديد، عبر الزوايا الصوفية المنتشرة في المدينة والتي لها ارتباطات وولاءات بالمراكز وطرق صوفية في المغرب، وبشكل خاص الطريقة القادرية".
واعتبر العجلاوي أن "هذا الواقع دفع فرنسا، التي تقود حملة عسكرية ضد من تصفهم بالسلفيين المتطرفين في شمال مالي، إلى الطلب من المغرب، باعتباره أحد محاور الاعتدال في المنطقة، التدخل مستندًا لرصيده الثقافي وارتباطاته التاريخية والروحية مع مالي وعلمائها وشيوخ طرقها الصوفية، من أجل إطلاق مصالحة وطنية بين شمال وجنوب مالي، وتشجيع الإسلام الصوفي المعتدل، على حساب الجماعات الإسلامية التي تدين بالولاء لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
وازداد الاهتمام الرسمي بالزوايا والطرق الصوفية في المغرب وتقديم الدعم المادي والاعتباري لها ولشيوخها؛ لكونها "تحافظ على العقيدة السنية الصحيحة، واختيارات البلاد المذهبية"، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي شهدها المغرب سنة 2003.
ويرى مراقبون أن هذا الاهتمام يهدف إلى "تشجيع الإسلام الصوفي المعتدل، في مقابل بروز جماعات إسلامية تدين للفكر السلفي المتشدد"، تتهمها السلطات المغربية بالوقوف وراء الهجمات الإرهابية وتشكيل خلايا لزعزعة أمن واستقرار البلاد وتجنيد شباب مغاربة لصالح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وسنويًا، يمنح العاهل المغربي محمد السادس هبات للزاويا الصوفية في المغرب. وهو ما يعتبره مراقبون دعمًا لتنظيمات دينية تحظى بإشعاع ثقافي وروحي في البلاد وتحرص الدولة على استمراريته تقديرًا للأدوار الاجتماعية والدينية والتاريخية التي تقوم بها الزوايا الصوفية، ورغبة في تكريس الصوفية كإطار يحفظ "الأمن الروحي" للمغاربة مقابل نشوء تيارات متطرفة.
ولعبت الزوايا الصوفية في المغرب دورًا سياسيًا حاسمًا خلال فترة مقاومة الاستعمار الفرنسي، بل كانت الزوايا الصوفية معقلاً "للجهاد ضد المستعمر".
لكن أدوارها السياسية انحسرت بشكل كبير في زمن ما بعد الاستقلال، باستثناء مشاركتها في بعض الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها الساحة السياسية المغربية، خاصة التعبئة لصالح الاستفتاء على الدستور الجديد سنة 2011، بعد موجة الاحتجات الواسعة التي شهدتها المملكة مع بداية ثورات الربيع العربي.
وينظم في المغرب بشكل سنوي الملتقى العالمي للمنتسبين للطرق الصوفية بمشاركة 50 بلدًا، برعاية العاهل المغربي، وذلك في إحدى المزارات الصوفية الكبرى (سيدي شيكر) قرب مدينة مراكش (جنوب).
فيما يرتبط عدد من الزوايا الصوفية في أفريقيا بمراكز صوفية في المغرب، حيث تحيي مثلا الزاوية التيجانية بالسنغال المناسبات الدينية على الطريقة المغربية، وتحيي ذكرى وفاة الملوك المغاربة في دلالة على الارتباط الوطيد بين هذه الزوايا في أفريقيا والمغرب.
واعتبر أستاذ التاريخ الوسيط في جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، محمد المغراوي، أن ما يميز تاريخ التصوف في المغرب عن تاريخ الطرق الصوفية في المشرق العربي، هو ابتعاد المتصوفة المغاربة عن السجالات الكلامية والفلسفية، والتزامهم بمظاهر الزهد والتعبد، حتى أن الدولة المغربية تعتبر التصوف أحد المرتكزات الأساسية لسياستها الدينية القائمة على المذهب السني المالكي.
وأضاف المغراوي لـ"الأناضول" أن "التصوف بعدما استقر في المغرب، وصل إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك مع امتداد الدولة المغربية وبلوغ مجال نفوذها إلى الصحراء الكبرى على حدود بلاد السودان، حيث استقطب المتصوفة المغاربة أتباعا لطرقهم، وعمقوا صلاتهم الروحية بالجنوب الأفريقي".
ويسعى المغرب إلى تعزيز نفوذه في منطقة الساحل والصحراء، حيث قام العاهل المغربي بداية الشهر الجاري بزيارة عدد من الدول الأفريقية (السنغال، والجابون، وساحل العاج)، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع هذه البلدان، خصوصا مع تزايد التهديدات الأمنية.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.