archive, الدول العربية

الانتخابات التونسية القادمة.. مؤشرات تحالف يساري "تجمعي" (تحليل)

منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت) التي جرت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بدت الساحة السياسية التونسية رهينة الاستعدادات للانتخابات القادمة.

29.05.2013 - محدث : 29.05.2013
الانتخابات التونسية القادمة.. مؤشرات تحالف يساري "تجمعي" (تحليل)

تونس/الاناضول/ عادل الثابتي - منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت) التي جرت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بدت الساحة السياسية التونسية رهينة الاستعدادات للانتخابات القادمة التي ستنقل التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة من الوضع الانتقالي إلى الحالة الدائمة.

ويحاول الفائزون في الانتخابات الذين شكلوا الترويكا الحاكمة (حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) المحافظة على مواقعهم في السلطة في حين تحاول الأحزاب الخاسرة في تلك الانتخابات بذل أوسع الجهد لإسقاطها ما قد يؤشر لتحالف يساري "تجمعي"، بين اليسار التقليدي التونسي وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا.

هل وفرت الترويكا كل أسباب النجاح في الانتخابات القادمة؟ أي خطة للأحزاب الخاسرة في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 لهزيمة الترويكا وحركة النهضة بالخصوص في الانتخابات القادمة؟ أسئلة تبدو جديرة بإيجاد إجابات شافية لها مع اقتراب الاستحقاق الهام المنتظر نهاية العام الجاري.

فالترويكا، منهكة داخليا وخارجيا حيث لا تبدو أحزابها اليوم في أحسن حال فلقد مرّ الحزبان الحليفان لحركة النهضة بما يشبه الزلزال الداخلي فانقسم حزب الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي "المؤتمر من أجل الجمهورية" إلى ثلاثة أحزاب إذ انشق القيادي بالحزب عبد الرؤوف العيادي ليؤسس "حركة وفاء" في شهر يوليو/تموز 2012، فيما أسس أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية السابق والوزير المستقيل محمد عبو "حزب التيار الديمقراطي" خلال شهر أبريل/نيسان الماضي.

أما التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات فإن لم تنقسم القيادة التاريخية للحزب فإن استقالات عديدة مسّت أعضاء كتلته في المجلس التأسيسي جعلته يحافظ بصعوبة على هذه الكتلة.

وحركة النهضة، من جانبها، رغم محافظتها على تماسكها الداخلي ربما بسبب التقاليد التنظيمية المتجذرة في حزب تجاوز عمره الأربعين سنة فإن غضبا شديدا لدى فئات من الحركة طفى على السطح من خلال الاعتصام الطويل أمام قصر الحكومة وسط العاصمة (بدأ يناير/كانون الثاني الماضي) الذي ينفذه بعض أعضاء الحركة الذين لم يتم انصافهم حتى اليوم.

كما أن الحكم في مراحل الانتقال الديمقراطي كثيرا ما يصيب القائمين عليه بالتهرئة فالتطلعات الشعبية تكون أكبر من إمكانيات الدولة مما ولّد حركة احتجاج شعبي قد لا تكون دائما بمنأى عن توظيف القوى القديمة وقوى المعارضة كذلك.

وتواجه حركة النهضة أزمة مع تيار أنصار الشريعة ذي المرجعية السلفية الجهادية مما أدى إلى أحداث عنيفة في جبل الشعانبي (غربي البلاد على الحدود الجزائرية) والقيروان (وسط) وحيّ التضامن الشعبي بالعاصمة.

ورغم الأرقام الرسمية التي تتحدث عن انخفاض نسبي في مؤشر البطالة فإن رضا قطاعات واسعة من الناخبين مرتبط بتحولات جذرية في تلك المؤشرات ومرتبط بتحسن حياة الناس اليومية وخاصة الفئات التي كانت لها توقعات وآمال كبيرة من ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 مثل الأحياء الشعبية في المدن الكبرى وسكان المناطق الداخلية في محافظات وسط البلاد وغربها التي دفعت كلفة الثورة غاليا وسقط فيها أكبر عدد من الضحايا خلال الأحداث التي أدت إلى فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

ورغم الميزانيات المرصودة لهذه الجهات فإن عجز الحكومة على تفكيك الآلة البيروقراطية القديمة ترك تلك القرارات حبرا على ورق وهذا سيكون له عميق الأثر على توجهات الناخبين، كما يرى مراقبون، وكثيرا ما تسمع في تونس تذمر الناس من الأوضاع الحالية.

ولئن كان الاحتقان الاجتماعي وليد ظروف اقتصادية حادّة تمرّ بها البلاد فإن احتمال استغلال ذلك في المعركة الانتخابية الحاسمة ليس بعيدا، ويذهب البعض إلى أن عديد الإضرابات التي وقعت في البلاد ليست سوى إعداد للترويكا في انتظار الامتحان الانتخابي القادم.

وتظهر مؤشرات لتحالف يساري "تجمعي". فبعد تجربة الالتقاءات الأولى في 15 يناير/كانون الثاني 2011 بين الإسلاميين واليساريين في هيئة حماية الثورة تحت إشراف اتحاد الشغل وخلال "اعتصام القصبة 2" (فبراير/شباط – مارس/آذار 2011) الذي أسقط حكومة محمد الغنوشي الثانية وأقر إلغاء دستور 1959 والذهاب إلى انتخابات مجلس وطني تأسيسي، بدأ استقطاب ثنائي حاد بين حركة النهضة والتيارات اليسارية.

وجاءت نتائج انتخابات المجلس التأسيسي أكتوبر/تشرين الأول 2011 لتعمِّق هذا الاستقطاب من ناحية ولتطرح بجدية إمكانيات كبيرة لصياغة تحالفات جديدة يراها البعض رجع صدى لتحالفات قديمة صيغت إثر الانتخابات العامة في تونس أبريل/نيسان 1989 بين التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم قبل ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011) واليسار التونسي، مكنت اليساريين آنذاك من حقائب وزارية، خاصة وأن التشكيلات النائمة للتجمع المنحل وجدت ملاذا آمنا في الحزب الذي أسسه التجمعي السابق ورئيس الحكومة الأسبق الباجي قايد السبسي منتصف يونيو/حزيران 2012 تحت اسم "حركة نداء تونس".

ويتجه اليسار التقليدي ممثلا في أحزاب المسار الديمقراطي الاجتماعي بزعامة أحمد إبراهيم واليسار الاشتراكي والعمل الوطني الديمقراطي إلى الائتلاف مع نداء تونس تحت اسم "الاتحاد من أجل تونس"

ورغم نفي الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية وقومية) التحالف مع حزب نداء تونس فإن عدة مؤشرات ميدانية تجعل المتابعين يرجحون مثل هذا الائتلاف الانتخابي، فقيادات الجبهة مثل حمة الهمامي انتقلت مواقفها من حزب التجمع، من المطالبة بالإقصاء التام لقياداته السابقة لأنها كانت مشاركة في تكريس الاستبداد زمن حكم الرئيس السابق بن علي قبل انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011، إلى الدعوة إلى "تجنب المحاكمات الجماعية واعتماد القضاء في إقصاء التجمعيين الذين تثبت عليهم تهمة الفساد". ويتحدث معظم زعماء الجبهة الشعبية عن تقاطعات مع حزب نداء تونس في رفض سياسة الحكومة الحالية.

وميدانيا، تمّ تسجيل عدة معطيات ترجح هذا التوجّه نحو ائتلاف تجمعي يساري، من فوز قائمة مشتركة بين مناصرين للجبهة الشعبية ومنتسبين للتجمع المنحل ينشطون اليوم تحت راية حركة نداء تونس بانتخابات الجمعية التونسية للمحامين الشبان أواخر شهر أبريل/نيسان الماضي بعد أن كان يقود هذه الجمعية مكتب قريب من الإسلاميين برئاسة ضياء الدين مورو نجل عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة.

كما تذهب عدة تقارير إعلامية إلى وجود تنسيق تجمعي يساري خلال انتخابات الطلبة مارس/آذار الماضي رجحت كفة الاتحاد الطلابي المحسوب على اليسار أمام قائمات الاتحاد العام التونسي للطلبة المحسوب على الإسلاميين.

ولعل آخر مؤشر سجِّل ميدانيا على التوجهات الجدية لدى الجبهة الشعبية لنسج تحالفات انتخابية مع نداء تونس والتجمعيين السابقين عموما هو صعود نائب في برلمان بن علي إلى رئاسة مكتب الاتحاد العام التونسي للشغل بمحافظة سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، رغم حلوله في الرتبة الأخيرة ضمن القائمة الفائزة في الانتخابات التي سيطرت عليها الجبهة الشعبية.

ويبرر اليساريون في جلساتهم الخاصة هذا التحالف بالقول إن "ديكتاتورية مدنية أفضل من ديكتاتورية دينية" في إشارة إلى أن التحالف مع منتسبي النظام السابق لهزيمة حركة النهضة يبرره الخوف من سيطرة الإسلاميين في تونس على الحكم لسنوات طويلة.

وربما توجد قوى خارجية غير مرتاحة للمشهد السياسي الذي أفرزته الثورة التونسية تدعم الائتلاف المحتمل فقد سجلت عدة تصريحات من مسؤولين فرنسيين يتحدثون عن "ضرورة دعم الديمقراطيين في تونس في مواجهة الإسلاميين، مثلما دعا وزير الداخلية الفرنسي "مانويل بالز" بلاده، في تصريحات لوسائل إعلام فرنسية في فبراير/شباط الماضي، إلى "دعم الديمقراطيين" في تونس، وهو ما رفضته جهات عدة في البلد العربي الذي استقل عام 1956 عن استعمار فرنسي دام 75 عامًا.

كما سجل المتابعون تنسيقا قويا في المناطق الداخلية بين الخلايا التجمعية النائمة وعناصر نقابية وسياسية من الجبهة الشعبية خلال التحركات الاحتجاجية فالجبهة رغم التعاطف الشعبي الذي حظيت به إبان اغتيال القيادي شكري بلعيد (6 فبراير/ شباط الماضي) فإن انتشارها لا يزال نخبويا لذلك تعمل على التغطية السياسية والنقابية للتحركات المناهضة لحكومة الترويكا في المناطق الداخلية للبلاد.

ويُرجح أن تكون الآلة الانتخابية التجمعية في خدمة ائتلاف يجمع الأطراف المتحالفة في الاتحاد من أجل تونس (نداء تونس، المسار الاجتماعي الديمقراطي وربما الحزب الجمهوري) مع الجبهة الشعبية من أجل قلب المشهد السياسي الذي برز إثر انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 حتى وإن كان الثمن عودة الحزب الحاكم القديم في ثوب جديد.

فهل تستطيع الترويكا وخاصة حركة النهضة تمرير قانون تحصين الثورة (قانون لمنع قادة الحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا من ممارسة الحياة السياسية وكذلك كل من تحمل مسؤولية سياسية في عهد حكم بن علي) لمنع عودة التجمعيين إلى السلطة تحت غطاء يساري أم يتأكد جدوى تجارب التحالف الناجحة بين اليساريين والتجمعيين السابقين إلى حد الآن في بعض القطاعات خلال الانتخابات العامة المرجح إجراؤها نهاية هذا العام أو بداية السنة المقبلة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın