قبور غزة "المعذبة" بحصارها.. تحكي قصص أبطالها
بقضيب حديدي يدّكُ حارس المقبرة التراب، حتى تورّمت خاصرته من رحلة البحث عن متسع لقبر جديد.

هناء صلاح
غزة-الأناضول
بقضيب حديدي يدّكُ حارس المقبرة التراب، حتى تورّمت خاصرته من رحلة البحث عن متسع لقبر جديد.
ففي مقبرة الشيخ رضوان في قلب مدينة غزة، تتحطم القواعد المعروفة لتنسيق القبور، وفق خطوط مستقيمة تفصل بينها ممرات تسمح لأهالي الموتى، بزيارتهم، وقراءة الفاتحة على أرواحهم.
في تلك المقبرة، على الزائر لموتاه التمعن جيداً، قبل أن يخطو بقدميه أي خطوة، حتى لا تطأ قدماه قبور تراكمت فوق بعضها.
وتعد المقبرة التي تتوسط مدينة غزة، مثالاً حياً على تأثير الحصار المفروض على قطاع غزة في مختلف المجالات، بما فيها "المقابر"، فهي ممتلئة منذ سنوات عديدة بقبور الموتى، وتحظر وزارة الأوقاف دفن أي متوفي فيها منذ عام 1994 "لعدم وجود متسع لآخر".
كما أن المقبرة الأخرى بالمدينة وهي مقبرة الشهداء (شرق غزة)، والتي يعد الاقتراب منها بحكم قربها من السياج الحدودي مع إسرائيل "مدعاة للتهلكة" خاصة في أوقات التوتر والتصعيد الأمني بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي هناك.
وفي مشهد يصفه السكان بـ"بالمقلق والبشع" تلتصق قبور الموتى داخل مقبرة "الشيخ رضوان"، فيما تتراءى تلك المساحات البينية للناظر بأنها فارغة قبل أن يكتشف أنها قبور بلا شواهد، فالأمتار والسنتيمترات هي أيضاً احتضنت بين ترابها أجنة ورُضّع.
ورغم ذلك المشهد القاسي، يكتشف المتجول، من الأسماء المنقوشة على شواهد القبور أن المقبرة تحكي تاريخ مدينة غزة "الثائرة".
فهذا قبر الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس، وبجواره قبر خليفته، عبد العزيز الرنتيسي، وهنا قبر جهاد العمارين، القائد البارز في حركة فتح، فيما تناثر من حولهم "شهداء" من مختلف الفصائل الفلسطينية.
ولا تكتفي المقبرة بسرد قصص "البطولات"، بل تحكي كذلك قصص المآسى التي خلفها الحصار، فهناك الضحايا الذين توفوا جراء صعقات أزمة الكهرباء، ونقص الدواء والعلاج.
بالقرب من مقبرة زوجها، جلست "أم رزق البابا" تقرأ آيات من الذكر الحكيم على روحه، وبصوت يبكي قالت: "لقد طلبت من أبنائي أن يدفنوا أباهم في هذه المقبرة، فالمقبرة الثانية-مقبرة الشهداء شرق غزة- بعيدة والذهاب الى هناك فيه خطر علينا، وأنا أريد أن أزوره بسلام كلما أردت ذلك".
ويعود تاريخ المقبرة إلى ما قبل عهد الانتداب البريطاني لفلسطين (1920-1948)، حسبما يقول المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء.
ويبين المبيض أن مقبرة الشيخ رضوان "سميت بهذا الاسم نسبة إلى ولي من أولياء الله الصالحين، وهو الشيخ "رضوان بن علي بن عليم" الذي يرتبط نسبه بالخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه".
وقال:" لقد بدأ سكان غزة بدفن موتاهم فيها منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وكانت تشرف على تلة تمثل درعاً يحمي غزة من هجمات الأسطول الفرنسي والبريطاني، قبل أن يمتد الزحف العمراني الى أحياء غزة الداخلية، وتحيط المنازل بها من كل جانب".
ويذكر المبيض أن المقبرة امتلأت في تسعينات القرن العشرين، حيث بدأ السكان بدفن موتاهم في مقبرة "الشهداء" شرق مدينة غزة، وهي منطقة أصبحت بعد اندلاع الانتفاضة (سبتمبر/أيلول 2000) محفوفة بالمخاطر، لقربها من الثكنات العسكرية الإسرائيلية، فلم يتمكن الناس من دفن موتاهم فيها، وعادوا مضطرين لدفنهم في مقبرة الشيخ رضوان.
وبرزت هذ المشكلة-بحسب المؤرخ-خلال حربي غزة الأولى (2008) والثانية(2012) حيث سقط مئات القتلى، وكانت مهمة دفنهم "محنة عسيرة".
أما قصة تلك الفراشة التي قادنا لونها الناري ورائها، فقد أخذتنا إلى قبر "أحمد الجعبري"، القائد الميداني لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الذي أشعل اغتياله "حرب الأيام الثمانية" في نوفمبر/تشرين ثاني2012.
وعلى بعد أمتار منه، اصطفت قبور عائلة الدلو التي قتل أفرادها في مجزرة ارتكبتها الطائرات الاسرائيلية في ذات الهجوم، وراح ضحيتها أب برفقة أمه وشقيقته، وزوجته وأطفاله الأربعة.
ورغم الواقع المرير للمقبرة، لكنها تمنح زائرها فضولاً كبيراً بكشف أسرارها التي تحكي قصة غزة وأبطالها.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.