تركيا, archive

الصورة الكاملة (1).. الأمة والعثمانيون والسلطان عبد الحميد قبل 100 عام

مقال للكاتب "علي نور قوتلو" بصحيفة "يني شفق" التركية

26.01.2014 - محدث : 26.01.2014
الصورة الكاملة (1).. الأمة والعثمانيون والسلطان عبد الحميد قبل 100 عام

اسطنبول/ هشام شعباني/ الأناضول

قد يصعب علينا فهم الأحداث التي تشهدها بلادنا والشرق الأوسط اليوم، بعد أن باتت تقض مضاجعنا، لعدم قدرتنا على رؤية الصورة الكاملة لخارطة الأحداث، فضلاً عن عدم استطاعتنا فهم كيفية تشكل تلك الخارطة، والعناصر التي ساهمت في تشكلها.

سأعمل من خلال أربع مقالات مختصرة، على شرح الصورة الكاملة للأحداث، التي عصفت بمنطقتنا، وخلفياتها، ومن خلال تلك المقالات الأربع، سأعمل على توضيح فكرة أن الهدف الكامن وارء تلك الأحدث، ليست أحداث حديقة "غيزي بارك" أو "ميدان تقسيم" وليس "تنظيم القاعدة" ولا ما يجري في سوريا، بل الهدف هو "الأمة الإسلامية" جمعاء.

ضعوا أمامكم خريطة للدولة العثمانية، في القرن الثامن عشر، وافتحوا إلى جانبها خريطة حديثة للعالم، ضعوا إشارات على الدول التي تشهد حروباً وإرهاباً وصراعات وفوضى، ثم قوموا بتوحيد حدود تلك الدول، ماذا سترون؟.. سترون الشرق الأوسط في خارطة الدولة العثمانية، أما إذا أضفتم إلى تلك الخريطة، الدول التي شهدت نزاعات في الـ 50 عاماً الماضية، وقتئذ ستضمون منطقتي القوقاز والبلقان، لتنشئ لديكم خريطة كاملة للدولة العثمانية.

لا تستغربوا من ذلك، فالدولة العثمانية بحد ذاتها، قسمت بشكل ممنهج على مدار 200 عام، ثم دفعت تلك الأجزاء المقسمة إلى الغرق في بحور التمزّق والحرب والإرهاب والفوضى، مع انسداد جميع آفاق السلام، ليس من الضروري أن نذهب بعيداً إلى الوراء، فقط فلنرجع 100 عام إلى الخلف، إذ نجح السلطان عبد الحميد الثاني ولمدة 30 عاماً، بالمحافظة على وحدة الشعوب المكوّنة للدولة العثمانية، ذات الـ 5 ملايين كيلومتر مربع، إلا أن ذلك لم يرق للقوى الدولية المعادية، خاصة وأن السلطان كان متيقظاً تماماً لما يحاك ضد الأراضي الفلسطينية على وجه الخصوص، فقامت تلك القوى بوضع خطتين منفصلتين للإطاحة بالسلطان.

بدأت تلك القوى بشن حملة دعائية وبروباغاندا ضد السلطان عبد الحميد الثاني، فوصفته تارة بالسلطان الأحمر، كما نعتته تارة أخرى بالحاكم المستبد والديكتاتور، متهمةً إيّاه بتقييد الحريات، ومن ناحية أخرى، عملت على هدم مفهوم "الأمة"، لتفتيت العرى التي كانت توحد الشعوب المكوّنة للدولة العثمانية، وذلك من خلال طرح أسئلة من قبيل، ما يعني أن تكون عثمانياً؟، وما هي العثمانية؟، وأن الإسلام ليس هويّة تمثل الشعوب، لتتوج تلك الأفكار أخيراً بمفهوم "الأمة التركية" و"الشعب التركي"، وكل ذلك لهدم مصطلح "الأمة الإسلامية" التي حافظت عليها الدولة العثمانية على مدار 600 عام. واستخدمت القوى الدولية آنذاك جماعة "تركيا الفتاة" التي عاشت قياداتها وترعرعت في إنكلترا وفرنسا، ودرست فيها،  لتنفيذ تلك المخططات.

وفي السياق ذاته، سعى عميل الاستخبارات البريطاني "لورنس"، لإثارة النقاشات ذاتها، داخل الأوساط العربية، وروج في البلاد العربية لفكرتي "القومية العربية" و"المستبد عبد الحميد الثاني"، وذلك تمهيداً للإطاحة بالسلطان، وخلعه عن العرش، الذي بات يشكل حجر عثرة أمام القوى الغربية، الطامحة إلى تفتيت الدولة العثمانية، وشرذمة شعوبها، وعمل "لورنس" مع زبانيته، على إقناع زعماء العشائر العربية، بأن الدولة العثمانية دولة استعمارية متخلفة، وهي السبب في تخلف العرب، وأنها دولة ذات نزعة قومية تركية، وأنها تستحقر العرب، دون أن ينسى إبداء كرمه بسيل من الوعود بدولة عربية مستقلة، مدعومة من قبل بريطانيا "العظمى".

فبدأت البلاد العربية، تشهد نقاشات حول مفهوم الامة وماهيته، وخصوصيات العرب القومية، وضرورة عدم انتمائهم للعثمانيين، وكل تلك النقاشات لم تكن إلا تمهيداً لمخطط بريطاني يهدف إلى هدم القوة التي تمتلكها الأمة الإسلامية من الهند حتى المملكة المغربية، والتي مصدرها "الوحدة والخلافة"، وهذا ما حدث، فتم اتهام الخليفة عبد الحميد الثاني بالرجعية والإرهاب والمسؤولية عن أحداث الفوضى والاضطرابات الاقتصادية، وهكذا تم لهم خلعه عن العرش، وأعقب ذلك على الفور، وصول جماعة "الاتحاد والترقي"، امتداد جمعية تركيا الفتاة، إلى الحكم، وما أن تمت الإطاحة بالسلطان عبد الحميد ووصل الاتحاد والترقي إلى الحكم، حتى بترت منطقة البلقان من جسد دولة الخلافة، في أعقاب حرب عام 1912، وأجبرت القوات العثمانية على الإنسحاب من جبهات البلقان نحو الأناضول.

وبعد عامين، اشتعل أوار الحرب العالمية الأولى، التي تعرضت فيها جميع الأراضي العثمانية لهجوم كاسح، وباتت أراضي الدولة العليّة، ساحات يلتهب فيها أتون المعارك، وانتشر الموت والخراب والدمار، في ظل شق وحدة الصف وضعف الالتحام، ومع خسارة واستسلام الحليف الألماني، اعتبرت الدولة العثمانية التي كانت تصارع الموت في عداد الخاسرين، وأزهرت بذور الفتنة الذي زرعت في البلاد العربية، وتم سلخها عن جسد الدولة، كما رغبت الدول الغربية، وعادت الدولة العثمانية لتنحسر في رحم الأناضول الذي ولدت منه، بعد أن قطّعت أوصالها.

أمّا بريطانيا، الدولة التي انتصرت في المعركة، فأمسكت بيدها المسطرة، وشرعت ترسم لوحتها الخاصة، لوحة، لا تعطي مجالاً إلا لاستعار الحرب في الشرق الأوسط بين الفينة والأخرى، لوحة مليئة بالبؤس والإرهاب والمعاناة، لتخرج خريطة رسمت على جسد الدولة العثمانية المخضب بالدماء،ولتدخل المنطقة بعد ذلك التاريخ حقبةً منْ نضالٍ عاثرٍ مُصطخب، لنضالٍ عاثرٍ مصطخب.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın