السياسة, دولي, أخبار تحليلية

تنافس القوى الكبرى في الشرق الأوسط واستراتيجيات الشراكة (تحليل)

يستمر الجدل والنقاش بخصوص النظام العالمي والإقليمي بشكل كبير، مع انتهاء الهيمنة الفردية للولايات المتحدة الأمريكية.

29.08.2020 - محدث : 30.08.2020
تنافس القوى الكبرى في الشرق الأوسط واستراتيجيات الشراكة (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ خورشيد دينغيل/ الأناضول

- الفترة الجديدة تحمل اسم تنافس الدول الكبرى وتنهي هيمنة واشنطن
- المنافسة بين الدول الكبرى تحتدم ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين
- الأزمة السورية تعد بداية للفترة الجديدة لأنها كشفت ضعف القوة المهيمنة وأظهرت أدوارا فاعلة أخرى
- الدول الكبرى بدأت بالتخلي عن "حروب الوكالة" لصالح "الشراكة الاستراتيجية"
- تركيا حققت نجاحات تؤهلها لكي تكون محط أنظار الدول الكبرى لتكون شريكا استراتيجيا

يستمر الجدل والنقاش بخصوص النظام العالمي والإقليمي بشكل كبير، مع انتهاء الهيمنة الفردية للولايات المتحدة الأمريكية.

وبشكل عام فإن هذه النقاشات تعتمد على وضع تصورات، ومفاهيم للفترة الجديدة، وعلى ديناميكياتها.

ووفقا للباحثين والمفكرين، فإن الأزمة السورية تُعد بداية لهذه الفترة، لأنها كانت مثالا على ضعف تأثير القوة المهيمنة، مقابل بروز أدوار فاعلة أخرى.

بدأت هذه المرحلة بالتدخل الروسي في سوريا في سبتمبر/ أيلول عام 2015.

ولم يؤثر ذلك على ديناميكيات سوريا فحسب، بل على الديناميكيات الإقليمية والدولية بشكل مباشر.

كما أن لعب موسكو دورا مؤثرا في الأزمة السورية، كان عاملا مهما أثر في النقاشات حول التغيير على الصعيدين الدولي والإقليمي.

وكذلك ساهمت أنشطة الصين دوليا وإقليميا في دعم هذه المرحلة منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما ولغاية اليوم.

كما طورت بكين علاقاتها مع دول الخليج، وفي الوقت نفسه كانت المصدر الخارجي لحصول إيران، عدو الولايات المتحدة، على الدعم العسكري، علاوة على أنها أصبحت مركزا للاستثمارات والتكنولوجيا المتقدمة بالنسبة لإسرائيل الحليف التاريخي لواشنطن.

وفي هذا الإطار، أصبح يطلق على الفترة الجديدة اسم فترة تنافس القوى الكبرى التي تشكلت من محور الأقطاب الثلاثة الكبرى الولايات المتحدة، والصين، وروسيا.

** فترة تنافس القوى الكبرى

وبالرغم من بدء مرحلة جديدة فيما بعد السيطرة الأحادية، إلا أن التأثير الإقليمي للولايات المتحدة لا يزال مستمرا.

فلا يمكن الحديث عن فترة ما، بمعزل عن الدور الأمريكي حتى وإن فقدت واشنطن قوتها المهيمنة دوليا وإقليميا.

وتعريف فترة تنافس القوى الكبرى كما يُفهم من الاسم يعتمد على أساس المنافسة بين الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، حيث وضع لتوصيف إطار التفاعل المحتمل بين تلك القوى.

كما تضم فترة التنافس بين القوى الكبرى التأثير الذي يمكن أن يصبح المركز الأساسي للتحالفات الدولية والإقليمية.

وتعد فترة التنافس بين القوى الدولية مرحلة تحوي التفاعل بين الولايات المتحدة، وروسيا، والصين في العديد من المجالات على رأسها المجال العسكري والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي.

من ناحية أخرى، إذا ما نظرنا إلى البعد الأيديولوجي للتنافس بين القوى الكبرى، فإن الصراع يكمن بين الديمقراطية والأوتوقراطية.

ويعد هذا الصراع بمثابة عامل محدد للتحالفات الإقليمية والدولية بسبب التنافس بين القوى المذكورة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المنافسة بين القوى الكبرى لا تظهر فقط في مجالات الصدام المباشر، بل في العديد من المجالات الأخرى المتعلقة بالمصالح الاستراتيجية.

** القوى الكبرى والشرق الأوسط

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بكل انعكاساتها بقيمة ووضعية هامة بالنسبة للقوى الكبرى التي تتواجد في المنطقة.

إذ تضم المنطقة عدة دول تعد ساحات للصراع بين القوى الكبرى، كما تعد مراكز لتحديد المصالح الاستراتيجية لها.

بالنسبة للولايات المتحدة يضم الشرق الأوسط مناطق مهمة تقدم فرصا ثمينة في صالح البلاد، خلال أوقات الأزمات، كما يمكن أن تلعب أدوارا فعالة في التصدي للقوى الكبرى الأخرى.

وفي هذا الإطار دفعت الأنشطة المتزايدة للصين وروسيا بالمنطقة، الولايات المتحدة إلى إجراء تغييرات استراتيجية من أجل الفترة الجديدة.

فالولايات المتحدة تحتاج إلى استراتيجيات تتناسب مع ظروف فترة التنافس بين القوى الكبرى، وعليها أن تطبقها على أرض الواقع.

لذلك يمكن تقييم "استراتيجية الشراكة" على أنها أولوية حساسة للولايات المتحدة، كخيار يمكن أن يواجه متطلبات المرحلة الجديدة.

ولعل النقطة الأهم التي تعد أساس "استراتيجية الشراكة"، هي تعلم الدروس من الظروف التي فرضتها المرحلة الجديدة، ومن السياسات الإقليمية السابقة.

وفي هذا الإطار ستواصل الولايات المتحدة البحث عن سبل اتخاذ مواقع الهجوم والدفاع أمام القوى الكبرى، وسيتطلب هذا تغيير استراتيجية "حروب الوكالة" التي كانت تتبعها قبل ذلك.

وذلك لأن القوى الوكيلة التي تعد الأداة الأساسية في "حروب الوكالة" غير كافية لتحقيق مبدأ التصدي، وكسب مواقع للهجوم أمام القوى الكبرى.

وفي هذا الإطار يمكن القول، إن "استراتيجية الشراكة" قد حلت محل أولوية القوى الوكيلة، كما أن التطورات الإقليمية والدولية تنبئ بذلك التغيير.

ومن المؤشرات على ذلك قيام تنظيم "بي كا كا/ ي ب ك/ ب ي د" الإرهابي، بالبحث عن مصادر جديدة للدعم المادي واللوجيستي.

والدليل على أهمية استراتيجية الشراكة هو تصريحات متحدث الخارجية الأمريكية أدلى بها إلى روداو نيوز، ودعا فيها إلى التعاون المشترك من أجل القضاء على "بي كا كا" عقب عملية "المخلب-النسر" التي أطلقتها تركيا للقضاء على المنظمة الإرهابية، في شمال العراق.

كما يمكن أيضا تفسير التطورات الإيجابية بخصوص عودة تركيا لبرنامج إنتاج المقاتلة "إف-35"، على أنها دليل مادي آخر على أهمية استراتيجية الشراكة.

إضافة إلى ذلك، فإن التطورات بخصوص اتفاقية التعاون لمدة 25 عاما في المجالات الاستراتيجية بين الصين، وإيران تعد من النتائج الحساسة للتنافس بين القوى الكبرى.

وكتطور إيجابي أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مشروع "تحالف الديمقراطيات الجديد" (New Alliance of Democracies) الذي أكد فيه على ضرورة تحرك الديمقراطيات بشكل جماعي ضد الأوتوقراطية.

وهذا التصريح الذي يعد بمثابة بيان لفترة تنافس القوى الكبرى، من أهم الأمثلة العملية على قيام الولايات المتحدة بتغيير استراتيجياتها في تحالفاتها الإقليمية والدولية.

ويمكن تناول كل هذه التطورات في ضوء النتائج التي تشكلت وفقا لإطار تنافس القوى الكبرى، بتعبير آخر فإن هذه النتائج لعبت دورا هاما في ظهور التنافس بين القوى الكبرى، وظهور تغيرات وتحالفات إقليمية جديدة.

** الجوانب الرئيسة لاستراتيجية الشراكة

استراتيجية الشراكة في الأصل هي خيار يتم تطبيقه في ظل الصراع بين القوى الكبرى.

وفي فترة التنافس بين القوى الكبرى، فإنها تحتاج إلى أدوات ووسائل استراتيجية ذات قيمة تساعدها في هذا الصراع، إذ سيصبح سعي الدول إلى اكتساب مواقع للهجوم، والتصدي للدول الكبرى هو الاتجاه السائد.

وتأثير القوى الكبرى إقليميا ورغباتها في الهيمنة والسيطرة تتشكل بناء على هذا الهدف الرئيسي، حتى أن استراتيجية الشراكة هي حل ظهر من أجل تلبية الاحتياجات اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة.

وعلى ذلك، فإذا نظرنا إلى النقاط المركزية لاستراتيجيات الشراكة، نرى أن تمتع الشركاء بالشفافية والثقة وإمكانية التقييم والمحاسبة هي المعايير الأساسية لتلك الاستراتيجية.

ولعل الشركاء الأكثر فاعلية وكفاءة خاصة على الصعيد الإقليمي، يعتبرون أدوات ووسائل لا غنى عنها من أجل استراتيجية إقليمية جديدة.

وعلى هذا الأساس، فإن الخصائص والمميزات التي تحتويها هذه الاستراتيجية تشير إلى القوى التي تمكنت من مواصلة استقرارها، والقيام بمهامها في مرحلة انتشار فيروس كورونا.

أي أن الوجود الإقليمي للولايات المتحدة، لن يتم عبر التواجد العسكري الدائم باهظ التكلفة، ولا عبر قوى الوكلاء التي تسبب مشاكل كثيرة، بل سيتم مباشرة عبر ممثلين أكثر كفاءة وفاعلية يمكنهم كدول أن يحلوا محل جميع هذه الأدوات.

وقد أكد هذا التغيير على نقطة مهمة للغاية، وهي مفهوم أن العبرة ليست في الكم، ولكن في الكفاءة في تنفيذ المهام المطلوبة.

ومؤخرا أعلنت واشنطن عن نيتها تقليص وجودها العسكري في ألمانيا.

وهذا القرار إنما يُعد مؤشرا واضحا وملموسا، على أن الولايات المتحدة ترغب في مواصلة وجودها الإقليمي بالمناطق الاستراتيجية ذات الأولوية من خلال ممثلين من الدول الفعالة.

وعلاوة على ذلك، فإن واشنطن ستضمن ثقة شركائها، عن طريق الروابط المزمع تشكيلها فيما بين هذه المناطق الاستراتيجية.

وبهذا فإن النظام المحتمل سيقدم تحالفا للقوى، يتشكل عبر الربط بين النقاط والمراكز الإقليمية المهمة في مناطق جغرافية مختلفة، وليس عبر نظام التكتلات الذي كان أثناء الحرب الباردة.

وعلى هذا الأساس فإن "استراتيجية الشراكة" تمنح الأولوية للجهات الفاعلة من الدول التي تضم مناطق استراتيجية ذات قيمة، بدلا من المنظمات والتشكيلات، التي كانت العنصر الأساسي لحروب الوكالة الناجمة عن الاستراتيجية الإقليمية القديمة.

ويشكل هذا الوضع أحد أهم الفروق بين القوة الوكيلة، والقوة الشريكة، لأنه من أجل مقاومة القوى الكبرى الأخرى التي تشارك في الصراع الإقليمي، هناك حاجة إلى ممثلين من دول أكثر كفاءة.

وظهور الحاجة لهؤلاء الشركاء يُظهر انتهاء فترة الاحتياج إلى قوى وكيلة مثل "بي كا كا/ ي ب ك، وب ي د".

ويقول مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، في كتاب (The Room Where It Happened ) "يجب الأخذ في الحسبان، أنه إذا تخلينا عن وكلاء مثل (بي كا كا/ ي ب ك)، فإن ذلك يمكن أن يحدث أيضا لوكلائنا في مناطق أخرى".

وهذا يبين أن الولايات المتحدة، على وشك التخلي عن القوى الوكيلة في الشرق الأوسط، كما يُظهر أنها تفكر في الاحتماليات بخصوص مصير الوكلاء في المناطق الأخرى.

** تركيا كنموذج للقوة الفاعلة

إن ظروف الفترة الجديدة هي بمثابة المحددات الرئيسة للتغيرات الإقليمية.

وفي هذا الإطار يقوم الممثلون بتشكيل استراتيجياتهم على أساس إيجاد خيارات ذكية تتماشى مع هذا التغير، لأنه يمكن رؤية نجاحات القوى الكبرى عبر الاختيارات الاستراتيجية المعقولة.

وإذا ما طرحنا سؤالا حول من يمكنه أن يصبح المثال المادي على أرض الواقع لاستراتيجية الشراكة؟ نرى أن تركيا واحدة من الأمثلة المعقولة.

بالرغم من تراجع العلاقات التركية- الأمريكية عقب 15يوليو/ تموز، إلا أن زيادة تركيا قوتها وقدرتها والنتائج الإيجابية التي حققتها في المسائل الإقليمية مثل سوريا وليبيا وشرقي المتوسط، جعلتها قوة فاعلة حقيقية.

فتركيا استطاعت جذب أنظار القوى الكبرى سواء من خلال قيامها بتحويل قدراتها إلى نتائج استراتيجية، أو بموقعها الجغرافي، أو من خلال قدراتها العسكرية.

وهذا ما جعل تركيا واحدة من الدول المركزية في التنافس بين الدول الكبرى، ولذلك فإن تركيا بما تملكه من قوة وإمكانيات، وبتواجدها السياسي الذي يتجاوز كل الأزمات السياسية، أصبحت لا غنى عنها بالنسبة للقوى الكبرى.

والنجاح الذي حققته تركيا بحملاتها الأخيرة في ليبيا وسوريا جعلها في وضع يخولها لاختيارها من قبل القوى الكبرى لتكون شريكة لها باعتبارها قوة فاعلة.

ولذلك فإن القوى الكبرى الراغبة بالنجاح في فترة يسيطر عليها التنافس المتصاعد، مضطرة لعدم تجاهل تركيا.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.