"مجزرة الخلاني" في بغداد.. اتهامات لـ"الثالوث المعتاد" (تقرير)
يوم بعد آخر تطول قائمة ضحايا ساحات الاحتجاج في العراق، فبعض الفصائل المسلحة بدت وكأنها تفقد صوابها عندما أقدمت ليلة الجمعة على إطلاق الرصاص الحي باتجاه المحتجين، في تكرار لما حدث بمحافظتي ذي قار والنجف (جنوب)، وفق ناشطين.

Iraq
بغداد/ نازا محمد/ الأناضول
- "الحشد الشعبي" يتنصل من إقراره بإطلاق مسلحيه النار في ساحة "الخلاني" ويقول إن موقعه تعرض لاختراق
- متظاهرون يقولون إن محاولات فض الاحتجاجات تتم بطلب من السلطة وبسلاح "قوى سياسية" وبإشراف الحرس الثوري الإيراني
- خبير أمني: العراق سيشهد عهدًا جديدًا بعيدًا عن القوى السياسية التي آلت بالوضع إلى الانهيار
- قائد بوزارة الدفاع: إذ أمرت القيادات العليا بتدخلنا في ساحات الاحتجاج فسنكون بجانب المتظاهرين وليس ضدهم
يوم بعد آخر تطول قائمة ضحايا ساحات الاحتجاج في العراق، فبعض الفصائل المسلحة بدت وكأنها تفقد صوابها عندما أقدمت ليلة الجمعة على إطلاق الرصاص الحي باتجاه المحتجين، في تكرار لما حدث بمحافظتي ذي قار والنجف (جنوب)، وفق ناشطين.
لقرابة ساعة، اقتحم مسلحون ملثمون يستقلون سيارات مدنية رباعية الدفع، ساحة "الخلاني" وسط العاصمة، وأطلقوا نيران أسلحة خفيفة ومتوسطة على المتظاهرين؛ فأسقطوا 25 قتيلًا و120 جريحًا، وفق ما أبلغت به مصادر طبية وأمنية وشهود عيان الأناضول.
وتشهد بغداد ومحافظات الوسط والجنوب احتجاجات منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تطالب برحيل النخبة السياسية الحاكمة منذ عام 2003.
ورغم استقالة حكومة عادل عبد المهدي، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، يواصل المحتجون تحركاتهم، فيما سقط مئات القتلى وأكثر من 17 ألف جريح.
** خيار المتظاهرين
أحاديث كثيرة يتبادلها المتظاهرون في ساحات الاحتجاج، فمنهم من يتهم السلطة باللجوء إلى الفصائل المسلحة لفض احتجاجاتهم بالقوة.
وعن تلك الليلة الدامية، يقول الناشط علي عبد الخالق، للأناضول: "هذه ليست أول محاولة لإنهاء الاحتجاجات، ولن تكون الأخيرة، وتُضم إلى قائمة محاولات استخدام العبوات والقنابل المسيلة للدموع والسكاكين والرصاص ومحاولات اختراق صفوف المتظاهرين".
ومع كل محاولة لفض ساحات الاحتجاج في العراق، يوجه المحتجون أصابع الاتهام نحو ثالوث السلطة والمليشيات وإيران.
ويضيف "عبد الخالق" معلقًا على "مجزرة الخلاني": "لكن هذه الهجمة هي الأقوى في بغداد تحديدًا، وبعد إعلان الولايات المتحدة العقوبات على بعض قادة الفصائل المسلحة".
ورغم ذلك، يتابع الناشط العراقي: "مستمرون بخيار السلمية، وهو الخيار الوحيد الذي نملكه".
وتزامن الهجوم الأحدث على المحتجين مع فرض واشنطن عقوبات على ثلاثة من قادة فصائل شيعية مقربة من إيران، بينهم قيس الخزعلي، زعيم "عصائب أهل الحق".
وترتبط طهران بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد، منذ أن أسقط غزو قادته واشنطن نظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (1979 - 2003).
متظاهر آخر، يدعى "أبو هبة"، يقول للأناضول، إنه لا يستبعد أن تكون "الهجمات المسلحة لفض اعتصامات المتظاهرين ممنهجة ومنظمة بعلم وبطلب السلطة".
ويذكر أن "سرايا الخراساني، وكتائب حزب الله، وقوات بدر، والعصائب، والنجباء، هم المتورطون بهذا (إطلاق النار) في بغداد.. والسلطة أو أصحاب القرار يقدمون لهم التسهيلات كافة للقيام بهذه المهمة، بإشراف مباشر من قيادات في الحرس الثوري الإيراني".
وعادةً ما تقول طهران إنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومنها جارها العراق.
** "الحشد الشعبي"
ناشطون عراقيون يتهمون فصائل "الحشد الشعبي" المقربة من إيران، بالوقوف وراء "مجزرة الخلاني"، خدمةً للعلاقة الوطيدة بين طهران والأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد.
ويتكون "الحشد" من فصائل مسلحة شيعية في الغالب، وهو رسميًا قوة تابعة للدولة، لكن مراقبين يرون أنها لا تأتمر بأوامر الحكومة، وإنما بأوامر قادتها الذين يرتبط بعضهم بصلات وثيقة مع إيران.
وتنصل "الحشد الشعبي"، الإثنين، من إقراره بإطلاق مسلحيه النار، في ساحة الخلاني.
وقال الحشد، في بيان، إن موقعه الإلكتروني الرسمي "تعرض للاختراق قبل أن يتم معالجة الأمر من جانب فرق مختصة".
وشدد على أن "المخترقين نشروا بيانا حول أحداث ساحة الخلاني المؤسفة، وهو غير صحيح، وتم حذفه".
وكان بيان منسوب للحشد، على موقعه الأحد، أقر بإطلاق مسلحيه النار في ساحة الخلاني والمنطقة المحيطة بها؛ استجابة لاستنجاد متظاهرين تعرضوا للاعتداء من "مخربين".
** رسالة سلبية
ربما لا يوجد دليل دامغ على احتمال استعانة السلطة العراقية بفصائل ومليشيات لإجبار المتظاهرين على إنهاء احتجاجاتهم، لكن خبراء عراقيون يرون صمت السلطة أمرًا سلبيًا، ويحذرون من تداعياته.
ويقول أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين ببغداد، حسين علاوي: "بالتأكيد التدخل السلبي من قبل مليشيات وأجنحة عسكرية تابعة لقوى سياسية هو تطور خطير ورسالة سلبية للغاية بالرغبة بسفك الدماء ومحاولة إرغام المحتجين الشباب على الخروج من ساحة التظاهر، وهي محاولة يائسة للفتنة".
ويرى "علاوي" في حديثه للأناضول، أن من تداعيات ذلك "إعلان قريب عن بداية عهد جديد بعيدًا عن القوى السياسية التي آلت بالوضع إلى الانهيار".
ويشدد الأكاديمي على أن "قوات الأمن يجب أن تقوم بوظيفتها بحماية المتظاهرين جميعًا، كون التظاهرات هي حق كفله الدستور، وهم سلميين ومستمرين بسلميتهم".
** "عراك مسلح"
"مجزرة الخلاني" تم اختزالها في تصريحات قادة أمنيين في قيادة عمليات بغداد ووزارة الداخلية على أنها "شجار وعراك مسلح".
فيما يقول قائد عسكري بوزارة الدفاع: "لا يوجد لدينا أي احتكاك مع المتظاهرين، وهناك توجيهات صدرت من وزارة الدفاع لمنتسبيها بعدم حمل أي سلاح في المناطق التي يتواجد فيها متظاهرون".
ويضيف القائد العسكري للأناضول، مفضلًا عدم نشر اسمه: "هناك قوات تسمى قوات حفظ القانون وقوات تابعة لوزارة الداخلية هي التي تتعامل مع المتظاهرين".
ويردف: "تدخل وزارة الدفاع في ساحات الاحتجاج أمر منوط بالقيادات العسكرية العليا، ومتى قررت هي ذلك فحتمًا ستكون القوات بجانب المتظاهرين، وليس ضدهم أو لتفريقهم".
والقائد العام للقوات المسلحة في العراق حاليًا هو عادل عبد المهدي، باعتباره رئيس حكومة تصريف الأعمال.
ويوضح القائد العسكري بأن "مهام وزارة الدفاع حاليًا تتمثل في مواجهة عصابات (تنظيم) داعش التي لا يزال خطرها موجودًا".
وتسود مخاوف في العراق من أن يكون هجوم ساحة الخلاني مقدمة لموجة جديدة من استهداف المحتجين المناوئين للحكومة والأحزاب الحاكمة، والذين يطالبون برحيل ومحاسبة النخبة السياسية الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد السياسي وهدر أموال الدولة؛ ما أضر باقتصاد العراق، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
ومنذ بدء الاحتجاجات سقط ما لا يقل عن 485 قتيلًا وأكثر من 17 ألف جريح، وفق إحصاء أعدته الأناضول، استنادًا إلى مفوضية حقوق الإنسان (رسمية) ومصادر طبية وأمنية.
والغالبية العظمى من الضحايا هم من المحتجين، وسقطوا في مواجهات مع قوات الأمن ومسلحين من فصائل "الحشد الشعبي"، حسب المتظاهرين وتقارير حقوقية دولية.
لكن "الحشد الشعبي" ينفي أي دور له في قتل المحتجين.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.