تركيا, التقارير

قصر "طوب قابي".. تلاوات قرآنية مستمرة منذ 5 قرون بإسطنبول (تقرير)

- تتواصل قراءة القرآن الكريم داخل قصر طوب قابي بإسطنبول منذ عهد السلطان العثماني سليم الأول

Fatma Nur Duman Arı, Hişam Sabanlıoğlu  | 19.11.2025 - محدث : 19.11.2025
قصر "طوب قابي".. تلاوات قرآنية مستمرة منذ 5 قرون بإسطنبول (تقرير)

Istanbul

إسطنبول/ فاطمة نور دومان آري/ الأناضول

- تتواصل قراءة القرآن الكريم داخل قصر طوب قابي بإسطنبول منذ عهد السلطان العثماني سليم الأول
- يتناوب 28 قارئا على التلاوة نحو ساعة حيث يختتم القرآن مرة كل يوم
- رئيس دائرة الآثار الإسلامية في القصر: المكان يشبه المدينة المنورة في قدسيته ففيه تحفظ بردة النبي وسيفه
- أحد القراء: هنا نعيش معنى العشق المحمدي بكل تفاصيله

منذ خمسة قرون، تتواصل في أروقة قصر طوب قابي بمدينة إسطنبول، غرب تركيا، تلاوة القرآن الكريم دون توقف، في تقليد روحاني بدأ في عهد السلطان العثماني سليم الأول.

هذا التقليد الفريد من نوعه، ما يزال متواصلا حتى اليوم داخل جناح الأمانات المقدسة بالقصر، حيث تتواجد هناك آثار عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعدد من رموز التاريخ الإسلامي.

داخل هذا الجناح الذي يتوسط باحة الأندرون في القصر، تتواجد مدرسة الأندرون التي عُنيت بتدريب وتخريج موظفي البلاط السلطاني العثماني إلى جانب أولياء العهد وجنود الجيش الإنكشاري.

أما اليوم، فيستقبل الزائرين لتلك المنطقة صوت خاشع يتلو آيات القرآن الكريم على مدار الساعة، في مشهد يختزل عمق الارتباط الروحي بين العثمانيين وسيد الخلق عليه الصلاة والسلام.

ويخيل إلى الزوار لحظة دخولهم المكان لأول مرة، بأن صوت التلاوة يسمع من خلال آلة تسجيل، لكنهم سرعان ما يتفاجأون حينما يعاينون القارئ بأم أعينهم.

** تلاوة متناوبة

ويواصل 28 حافظا من القراء التناوب على تلاوة القرآن الكريم على مدار اليوم، كلٌّ منهم يؤدي دوره في المناوبة، التي تستمر ما بين 45 دقيقة إلى ساعة، بحيث يختم يوميًا كامل القرآن الكريم، لتبلغ الختمات السنوية 365.

وتخيم في شهر رمضان أجواء مميزة، تتجلى بالأدعية الخاصة بهذه الختمات في مراسم تعرف باسم "دستمال"، والتي تعود جذورها إلى العهد العثماني وتقام احتفاء بختم القرآن وبمن حفظوه.

وتعود هذه التلاوة المستمرة إلى وصية السلطان سليم الأول، عقب إحضاره الأمانات المقدسة من مصر عام 1517 وتسلمه الخلافة، إذ أوصى بأن يتلى القرآن الكريم على الدوام في الغرفة التي تحفظ فيها تلك المقتنيات.

ومنذ ذلك الحين، أصبح القصر موطنًا لهذه "المناوبة الروحية" المستمرة، حيث تتلى الآيات عند الهودج الذي يضم بردة النبي صلى الله عليه وسلم وسيفه، وشعرة من لحيته الشريفة، وسنّه الذي كُسر في غزوة أُحد، إضافة إلى مفاتيح الكعبة المكرمة، وقطع نادرة من أثر الصحابة والتابعين.

**ميراث مقدس

يقول رئيس دائرة الآثار الإسلامية في القصر إيلهان قوجامان للأناضول، إن المكان يشبه المدينة المنورة في قدسيته، ففيه تُحفظ بردة النبي، وسيفه، وسائر الأمانات التي حملها العثمانيون بعناية فائقة.

ويضيف قوجومان أنه "عند فتح مصر والحجاز، أمر السلطان سليم الأول بإحضار الأمانات المقدسة إلى إسطنبول، طالبا البحث عن تسعة وثلاثين حافظًا لكتاب الله، ليكون الأربعين بينهم. ومنذ ذلك اليوم، لم تنقطع التلاوة لحظة واحدة في هذا المكان المهيب".

وفيما يتعلق باهتمام العثمانيين بالأمانات المقدسة، يقول: "عندما كانوا ينظفون حجرة البردة الشريفة، لم يرموا الغبار إلى الخارج، بل كانوا يضعونها في بئر جرى فتحه خصيصًا لهذا الغرض، احترامًا للنبي الكريم".

ويؤكد أن "هذا التقليد المستمر واجب روحي وميراث مقدس، ومنذ عهد السلطان سليم الأول حتى اليوم، نعتبر أنفسنا أوصياء على هذه الأمانات المقدسة".

وعن روحانية الخطوة، يقول قوجامان: "نحافظ على القراءة الحيّة للقرآن داخل الجناح كي تبقى الروح العثمانية حاضرة في هذا المكان، والزوار يسمعون صوت التلاوة من الخارج فيظنونها مسجّلة، لكن حين يدخلون ويرون القارئ بأعينهم تتغير مشاعرهم تمامًا".

** امتياز روحي

من جانبه، يقول القارئ في جناح الأمانات المقدسة، خليل إبراهيم أكغون: "من خلال التلاوة، نعمل على خدمة الأمانات في هذا المكان الذي تتجلى فيه محبة النبي إلى أعلى درجاتها".

وعن أهمية المكان يضيف أكغون للأناضول: "هنا نعيش معنى العشق المحمدي بكل تفاصيله".

ويتابع: "نحن حلقة في سلسلة تمتد منذ خمسة قرون، حيث أخذنا الأمانة من أجدادنا، وننقلها للأجيال المقبلة، ووجودنا في هذا المقام بحد ذاته نعمة لا توصف".

ويختم حديثه بالقول متأثرا: "أن تكون في هذا المكان، حيث يُتلى القرآن قرب بردة النبي وسيفه الشريف، هو امتياز روحي لا يُقدّر بثمن، نتلوا القرآن الكريم ليلًا ونهارًا، ونحمد الله أن اختارنا لهذه الخدمة، ونسأله أن يجعلنا أهلًا لحمل هذه الأمانة".

ويتألف القرآن الكريم من 30 جزءا، ومن خلال تلاوته أو حفظه يتقرب المسلمون من الله تعالى، ويكثرون الدعاء عند ختمه، اقتداء بسنة النبي الكريم.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.