الحياة, الدول العربية, التقارير, رمضان

في القيروان.. خبز شهي يخرج من أفران عتيقة يتنافس عليه الصائمون

مخابز في المدينة التونسية تعد الخبز بشكل تقليدي ومواد طبيعية نباتية وإضافات خاصة

19.06.2017 - محدث : 19.06.2017
في القيروان.. خبز شهي يخرج من أفران عتيقة يتنافس عليه الصائمون

Tunisia

القيروان (تونس)/ ناجح الزغدودي/ الأناضول

قبالة الفرن الموصد في انتظار نضج الخبز على ناره الهادئة، داخل أحد المخابز التقليدية في مدينة القيروان وسط تونس، يتدافع عشرات من الشباب والنسوة والأطفال يترقبون خروج أرغفة خبز تفوح برائحتها الشهية.

فجأة ينفتح منفذ الفرن، فتمدد الأيادي متلهفة، وتنطلق الحناجر هاتفة، وقبل أن يقع الخبز الذهبي الساخن كقطعة جمر على اللوح الخشبي، تنقض عليه جميع الأيادي دفعة واحدة، وكأنها تخشى نفاد رغيف تترقبه العائلة على مائدة الإفطار مساء كل يوم في شهر رمضان المبارك.

يتكرر مشهد الانتظار يوميا في رمضان، داخل المخابز العتيقة القليلة في القيروان، والتي ما تزال تحافظ على الخبز التقليدي، الذي تتلاءم نكهاته وأنواعه مع مزاج الصائمين وأذواقهم.

** نكهة الماضي

من حيث المبنى والتجهيزات والأفران من حجر الطوب الطبيعي وطريقة صنع الخبز، تحافظ المخابز التقليدية على طابعها العتيق، العائد إلى عقود مضت، ما يفسر سرّ انجذاب الحرفاء (الزبائن) إلى هذا الخبز المتميز بنكهة الماضي وصنعة الأجداد أكثر من إقبالهم على 134 مخبزا عصريا في المدينة، حسب الإدارة الجهوية للتجارة (حكومية).

ينسجم الخبز العتيق، الذي يتم إعداده بشكل تقليدي ومواد طبيعية نباتية، مع الطراز المعماري للمخابز وأدواتها اليدوية الموروثة عن الآباء والأجداد، وصولا إلى المعمار المميز للقيروان منذ فتحها وتأسيسها عام 50 للهجرة (670 م) على يد الفاتح التابعي، عقبة بن نافع.

مع اقتراب موعد الإفطار، الذي أعلن عنه المدفع العتيق في القيروان، في مخبز وسط المدينة، على مشارف سور المدينة العتيقة، أمام مبنى قديم مكون من طابق واحد ترك الزمن عليه آثاره رغم محاولات الصيانة والتجديد، يتدفق الناس إلى الداخل مسرعين متسائلين عن موعد إخراج الخبز، ثم يخرجون محملين بأكياس وقفاف مثقلة بالخبز.

** مهنة الأجداد

أمام مصطبة خشبية يعلوها سطح مرمري، وقف صلاح عمرانية، وهو خمسيني يشرف على عملية بيع الخبز، ويتفقد تفاصيل العمل عن كثب، وهو يتدخل بهدوء ورصانة عند أي إشكال، لكنه لا يبدو متسامحا في جوانب النظافة وحسن معاملة الحرفاء.

ويقول عمرانية للأناضول: "ورثت المخبزة عن والدي، وهي مهنة الأجداد التي أبذل قصارى جهدي للمحافظة عليها".

ويتابع: "عائلتي تشتغل بصناعة الخبز.. أحافظ أنا وأشقائي على مخابز عتيقة ووصفة تقليدية لصناعة الخبز، لقد قدم القدماء تضحيات للحفاظ على هذا الطابع القيرواني".

ويوضح عمرانية أن "سرّ نكهة الخبز التقليدي وجودته العالية ترجع إلى إبقائه على المكونات الطبيعية للخبز من بهارات وتوابل وإضافات أخرى، مثل زيت الزيتون البكر المنتج في القيروان والسمن الطبيعي، بجانب مميزات الفرن العتيق، الذي يحول العجين الطري إلى خبز ذي بريق ذهبي".

ويشير إلى "وجود تطوّر في صناعة الخبز وإبداع في ابتكار أصناف جديدة بنكهات تقليدية".

وتقدم المخابز التقليدية أصنافا عدة من الخبز، منه المدور بأحجام مختلفة حسب الحاجة، وترسم عليها نقوش تربيعية وخطوط مجوفة مستلهمة من الفن المعماري ونقوش "الزربية" (السجاد) القيروانية.

وتحدث عمرانية عن تقديم أصناف متنوعة من الخبز خصيصا بمناسبة شهر رمضان تتلاءم مع رغبات الزبائن، حيث يتضاعف الإقبال على الخبز في رمضان من قبل أهالي القيروان وزوارها، خصوصا المقيمين بالخارج والمتشوقين إلى الطبخ التقليدي، كما يتم إرسال كميات من الخبز إلى العائلات المقيمة في المهجر خارج تونس.

وتتنوع أشكال الخبز التقليدي وأسمائه من الخبز المخلوط بزيت الزيتون أو السمن إلى الخبز المجرّح أو خبز الصينية المميزة بلونها الأسمر، خاصة بمادة القمح.

ويتسمّ الخبز التقليدي بخفة لبه، وسهولة هضمه، علاوة على صموده لأيام، ومحافظته على صلاحيته الغذائية.

ويفسر عمرانية سرّ هذه النكهات التي تجذب الزبائن بـإضافة المحسنات ومنكّهات هي في الأصل توابل البسباس والمحلب والعود والجلجلان والبهارات، مثل نباتات القرفة والحبة السوداء وحب البسباس وحبة الحلاوة، أو من حيث الطحين (السميد) المستخدم، مثل القمح والشعير والشوفان، ما يجعل لذة الخبز لا تقاوم.

** خصوصيات تقليدية

بالتوازي مع تدفق الزبائن على المخبز، لا تتوقف حركة العاملين فيه لإعداد نوبات جديدة من الخبز بشكل دوري.

وتتم تفاصيل إعداد الخبز بجميع مراحله أمام الزبائن دون مواربة، فيشاهدون خفة العمل وتكامله ومختلف المراحل التي يمر بها الخبز، بداية من أكياس السميد (الطحين) إلى الخبز المغادر للفرن فوق لوح خشبي طويل.

ورغم ارتفاع درجات الحرارة داخل المخبز بسبب النيران التي تحول الأفران إلى كتلة من اللهب ينضج تحت شرارتها الخبز في هدوء، لا تتوقف حركة "الرايس" (رئيس العمل)، الهادي العكرمي، المسؤول عن إعداد الخبز.

بين تفقد الخبز في الفرن وتجريح الأرغفة الطازجة ورمي العجين وتسخين الفرن في حركات شبيهة بحركة النحلة العاملة، يمسح العكرمي عرقه، وهو يجيب الزبائن المنتظرين عن موعد إخراج الخبز، ولا يسأم من تكرار الإجابة عن السؤال نفسه مع قدوم زبون جديد.. ثم تأتي لحظات التدافع على الخبز المتناثر فوق اللوح الخشبي.

ويقول العكرمي للأناضول: "فريقي يحافظ على الخصوصيات التقليدية في إعداد الخبز؛ ما يجعل الإقبال عليه كبيرا، ويتضاعف في شهر رمضان، حيث نضاعف الإضافات الطبيعية، مثل زيت الزيتون والسمن ليصبح الخبز ألذ وأطيب تذوقا".

ويتابع أن "هناك سراّ آخر في جودة الخبز، وهو إتقان العمل والرغبة في إرضاء الحريف (الزبون) وتلبية طلباته".

ويتضاعف جهد عمال المخبز في رمضان وعدد ساعات عملهم، لتوفير كميات أكبر من المعتاد، رغم ارتفاع درجات الحرارة.

ويختم العكرمي بقوله: "عندما أعود إلى منزلي أعود بضمير مرتاح؛ لأنني أرضيت الحريف".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın