دولي, الدول العربية, التقارير, العراق

عقوبات إيران وأزمات العراق.. هل تعيد تفعيل اتفاقية الجزائر؟ (مقال)

مكاسب البلدين الجارين المحتملة في حال العودة إلى اتفاقية 1975، لاسيما في ظل عقوبات أمريكية على طهران ومعاناة بغداد من حجب إيران مياه أنهر مشتركة وعدم ترسيم الحدود

01.03.2022 - محدث : 01.03.2022
عقوبات إيران وأزمات العراق.. هل تعيد تفعيل اتفاقية الجزائر؟ (مقال)

Istanbul

رائد الحامد/ الأناضول

نظمت اتفاقية الجزائر العلاقات بين الجارين العراق وإيران بعد خلافات طويلة على تقاسم مياه "شط العرب" وترسيم الحدود البرية بين البلدين.

في 6 مارس/آذار 1975، أعلن الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين، رئيس قمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ذلك العام، توصل العراق وإيران إلى اتفاقية لترسيم الحدود عرفت باسم "اتفاقية الجزائر"، وقعها عن الجانب الإيراني شاه إيران محمد رضا بهلوي، وعن الجانب العراقي صدام حسين، الذي كان نائب الرئيس أحمد حسن البكر.

ومن بين أهم بنودها: تقاسم شط العرب مناصفة بين الدولتين، بعد أن كان مجرى الشط البالغ طوله 190 كيلومترا تابعا للعراق بموجب اتفاقية عام 1937، باستثناء مسافة 16 كيلومترا أمام شواطئ مدينتي عبادان والمحمرة الإيرانيتين، حيث تكون الحدود المائية عند أعمق نقطة، ويسمى "خط التالوك".

وبعد أكثر من ثلاثة عقود على توقيع اتفاقية 1937، أعلنت إيران في 19 أبريل/نيسان 1969 رفضها للاتفاقية، وعدّت نقطة خط القعر (التالوك) التي اتفق عليها بناء على برتوكول القسطنطينية لعام 1913 ومحاضر لجنة تحديد الحدود البرية لسنة 1914، بمنزلة حدودها الرسمية مع العراق، في حين رأت بغداد أن فسخ طهران للاتفاقية "خرق صارخ للقانون الدولي".

ويتكون شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات في مدينة القرنة شمال البصرة، لينتهي عند مصبه في الخليج العربي، أقصى نقطة جنوبي العراق.

تاريخيا، فإن الحقوق المائية لكلا البلدين في شط العرب ظلت مصدرا لتوتر العلاقات بينهما، وكانت من أهم أسباب اندلاع حرب الخليج الأولى بينهما من عام 1980 وحتى 1988.

وفي اتفاقية 1975، اعترف العراق بأن الحدود المائية في شط العرب تمتد على طول الشط وليس على مسافة 16 كيلومترا أمام شواطئ المحمرة وعبادان، أي منح إيران نصف النهر مقابل وقف شاه إيران دعم الحركة الكردية العراقية التي كان مقاتلوها يخوضون حربا ضد الجيش العراقي منذ مارس/ آذار 1974.

واعترف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بعد سنوات طويلة، بأنه اضطر إلى عقد اتفاقية تقاسم شط العرب مع إيران؛ لأن العراق كان يواجه حركة انفصالية عسكرية شمالي البلاد مدعومة من طهران.

لكن صدام الذي أصبح رئيسا للجمهورية في يوليو/ تموز 1979، ألغى في 17 سبتمبر/ أيلول 1980 اتفاقية الجزائر، أي بعد نحو خمس سنوات على توقيعها بنفسه، وقبل خمسة أيام من اندلاع الحرب بين العراق وإيران في 22 سبتمبر/ أيلول 1980 والتي استمرت حتى قبول طهران وقف الحرب في 8 أغسطس/ آب 1988.

وعاد صدام للاعتراف باتفاقية الجزائر بعد غزوه الكويت في 2 أغسطس/ آب 1990، على أمل ضمان أن لا تقف إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية في مساعيها لإخراج القوات العراقية من الكويت باستخدام القوة العسكرية، وتأمين الحدود مع إيران لضمان عدم السماح لمسلحي المعارضة المقيمين في إيران بالدخول إلى العراق عبر الحدود، مستغلين انشغال بغداد بالحرب المتوقعة مع واشنطن والعواصم الحليفة لها.

ولا تزال اتفاقية الجزائر ملفا من الملفات الخلافية الشائكة بين العراق وإيران، حتى بعد سقوط نظام صدام، إثر غزو للعراق قادته واشنطن عام 2003، ووصول قوى سياسية شيعية حليفة لطهران إلى الحكم في بغداد.

وطيلة سنوات ما بعد غزو العراق، ظل حديث البلدين عن اتفاقية الجزائر وترسيم الحدود البرية والبحرية بعيدا عن وسائل الإعلام.

لكن الأزمات المائية المتتالية التي يعاني منها العراق والمشاكل المتعلقة بالأنهر المشتركة بين البلدين، وحاجة بغدد إلى ترسيم الحدود البرية والبحرية، أعاد اتفاقية الجزائر إلى دائرة الضوء.

وفي مارس/آذار 2019، أعلن البلدان، عبر بيان مشترك أعقب زيارة الرئيس الإيراني حينها حسن روحاني إلى بغداد، "عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وإيران لعام 1975 (اتفاقية الجزائر).

وحاول العراق إعادة فهم الاتفاقية عبر ورشة عمل نظمها مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ببغداد في 16 فبراير/ شباط الماضي، بعنوان "اتفاقية الجزائر عام 1975 بين الإلغاء أو التنفيذ"، بحضور مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع وأساتذة في القانون الدولي ومتخصصين من وزارات الدفاع والداخلية والموارد المائية والنقل وإدارة والموانئ وخبراء بالأمن والدفاع ودبلوماسيين وباحثين وغيرهم.

ووفقا لما صدر عن مكتب الأعرجي، جرى اتفاق على عقد عدة اجتماعات وتوسيع دائرة المشاركة في ورشة العمل للخروج برؤية وطنية موحدة حول الاتفاقية التي يرى خبراء أن الاتجاه العام في العراق ينحو إلى إعادة تفعيل العمل بها.

وتضمنت الورشة مراجعة قانونية وسياسية شاملة للاتفاقية وفقا لمصالح الأمن القومي العراقي، وجرى استعراض الموقف القانوني من الاتفاقية وما يتعلق بالأنهر المشتركة بين العراق وإيران، ومناقشة أوضاع ترسيم الحدود البرية والبحرية والمخافر الحدودية البرية.

وعلى طول الحدود العراقية مع إيران يوجد 42 نهرا ورافدا مشتركا، منها أنهار حيوية للعراق، مثل الكرخة والكارون اللذين يصبان في شط العرب، والذي بات يعاني من زيادة نسبة الملوحة، ما جعله غير صالح للشرب؛ بسبب قطع إيران عنه مياه نهر الكارون بالكامل لأسباب غير معروفة.

وأعلن العراق في سبتمبر/ أيلول 2021، عزمه تدويل أزمة المياه واللجوء إلى محكمة العدل الدولية لانتزاع حصته من المياه، بعد فشل البلدين في التوصل إلى اتفاق لحلها ومواصلة إيران تحويل مسارات الأنهر المشتركة، للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية.

ووفق تصريح لوزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، فإن بغداد أبلغت إيران رسميا بأن اتفاقية الجزائر لا تعني تغيير مجاري الأنهر أو إنشاء وحفر أنفاق، فلا يحق لطهران وفق الاتفاقية، التي تريد الإبقاء عليها، أن تتصرف مثلما فعلت بتحويل مجاري نهري الزاب الأسفل وسيروان، وقطع حصص المياه التي يجب أن تصل إلى العراق.

وعلى خلفية الأزمات التي يعاني منها البلدان، تسعى إيران لتجاوز تبعات العقوبات الأمريكية التي فرضتها في مايو/ أيار 2018 إدارة الرئيس دونالد ترامب، مقابل مساهمة طهران بتخفيف حدة أزمات بغداد في مجالات الطاقة والكهرباء والمياه والزراعة، حيث يعتمد العراق على استيراد معظم حاجاته من المنتجات الزراعية من إيران، خاصة في محافظات جنوبي العراق.

ويرى خبراء أن مناقشة إعادة تفعيل اتفاقية الجزائر تمثل اتجاها عراقيا للتعامل مع إيران من منطلق ابتعاده عن دائرة النفوذ الإيراني والتعامل كدولة ذات سيادة مستقلة في قراراتها، بعيدا عن التدخلات الإيرانية، فطالما تحدث مسؤولون وسياسيون عراقيون عن ضرورة إقامة علاقات متوازنة بين دولتين جارتين على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وستكون عدم موافقة إيران على إعادة العمل بالاتفاقية وقبول العراق باستمرار الأوضاع على ما هي عليه، بمثابة تنازل عن حقوق تاريخية لبغداد في مياه شط العرب وأراض على الحدود بين البلدين واستحقاقات العراق من مياه الأنهر المشتركة بين البلدين.

أما إعادة تفعيل الاتفاقية فسيساهم في ترسيم الحدود البرية بين البلدين والتزامهما بفرض رقابة عليها لمنع تهريب المخدرات من إيران أو تسلل الأفراد المنتمين لتنظيمات إرهابية أو ميليشيات مسلحة عبر الحدود.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.