"بلد المليون شهيد" يطالب فرنسا بالجلوس على "كرسي الاعتراف" (تقرير)
في مواجهة شعار "لا توبة ولا نكران" الذي ترفعه باريس في تعاملها مع كل ما يتعلق بماضيها في "بلد المليون شهيد"

Algeria
الجزائر/ عباس ميموني/ الأناضول
الرئيس الجزائري لمجلة "لوبوان" الأسبوعية الفرنسية:- تسوية المسائل الخلافية ستتيح صداقة مستدامة بين الأمتين
- نريد تضميد جراح الذاكرة والاعتراف بها، لنخرج من خرافة أن الجزائر أرض مباحة جلب الاستعمار لها الحضارة
- ليست فرنسا فولتير وفرنسا التنوير التي نحكم عليها، بل فرنسا الاستعمارية
طالب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فرنسا بـ "اعتراف كامل" عن الجرائم التي ارتكبتها طوال فترة استعمارها لبلده (1830-1962)، معتبرا ذلك شرطا يتيح صداقة مستدامة بين البلدين.
وقال تبون، في مقابلة مع مجلة "لوبوان" الفرنسية، نشرت الأربعاء: "إن الجزائريين ينتظرون اعترافا فرنسيا كاملا بالجرائم المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية".
واستمر الاستعمار الفرنسي للجزائر قرناً واثنين وثلاثين سنة، قدّمت فيها الجزائر مليوناً ونصف المليون شهيد، لذلك أطلق على الجمهورية الجزائرية لقب "بلد المليون شهيد". وبقيت الثورة الجزائريّة الكبرى مدّة سبع سنواتٍ ونصف السنة، حتى نالت البلاد استقلالها التام من الاحتلال الفرنسي مطلع الستينيات من القرن العشرين.
وليست المرة الأولى التي يشدد فيها تبون على ضرورة اعتراف فرنسا رسمياً بالجرائم المرتبطة باحتلالها للجزائر، لكن ليس بهذه اللهجة الواضحة.
** قرارات ماكرون غير كافية
وتعد تصريحات تبون تلميحاً إلى عدم اقتناع الجزائر بالخطوة "الرمزية" التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ملف الجزائر.
وترفع باريس شعار "لا توبة ولا نكران" في تعاملها مع كل ما يتعلق بماضيها الاستعماري في الجزائر.
ومنذ 2017، أًصدر ماكرون بعض التصريحات والخطوات الرمزية، كقوله "إن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية"، واعترافه بتعذيب واغتيال الجيش الفرنسي للمناضل الشيوعي الفرنسي المساند للثورة الجزائرية موريس أودان عام 1957.
وتعاون الرئيس الفرنسي مع نظيره الجزائري في إرجاع رفات وجماجم المقاومين الجزائريين، إلى بلادهم العام الماضي.
وفي مارس/ آذار الماضي، اعترف ماكرون بأن الشهيد الجزائري علي بومنجل "تم تعذيبه وقتله من جانب الجيش الفرنسي عام 1957"، ولم ينتحر كما روّجت له فرنسا.
وفي خضم هذه الخطوات الرمزية، جاء تأكيد الرئيس الجزائري على ضرورة "الاعتراف الكامل"، ما يشير إلى رفض سياسة الاعتراف التدريجي والرمزي التي تنتهجها باريس لحد الآن.
وفي هذا السياق، يؤكد المؤرخ الجزائري عامر رخيلة أن ما صدر عن تبون يعد سابقة في تاريخ الرؤساء الجزائريين.
ويقول رخيلة لـ "الأناضول": "في الإطار الرسمي، لم يسبق لرئيس جزائري أن دعا فرنسا، وبشكل علني ومباشر، إلى الاعتراف بجرائمها أثناء حقبة الاستعمار".
ويلفت إلى أداء الرئيس تبون حول ملف الذاكرة، معتبراً أنه "اتسم باللهجة الصريحة والواضحة أثناء حملته الانتخابية، بشكل فاجأ الفرنسيين والذين لم يتوقعوا فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة (12 ديسمبر/ كانون الأول 2019)".
وألمح تبون إلى أن بلوغ علاقات طبيعية مع فرنسا خالية من الشوائب يمر عبر الاعتراف الكامل وتسوية كل الملفات المرتبطة بالذاكرة بشكل عادل.
وقال: "إن تسوية المسائل الخلافية ستتيح صداقة مستدامة بين الأمتين"، وذكّر بالرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين (1965-1978) الذي "قال لجيسكار ديستان (الرئيس الفرنسي السابق) (1974-1981) إننا نريد قلب الصفحة، لكن من دون تمزيقها. ولتحقيق ذلك يجب القيام بأفعال".
وفي السياق ذاته، يرى رخيلة أن مواقف تبون مبنية على التعامل بـ "الندية" مع فرنسا، " رغم أنه في هذه الأخيرة لا أحد، سواء من اليسار أو اليمين، يريد الاعتراف بالجرائم المرتكبة في حق الجزائر والجزائريين".
** ثلاث مراحل مؤلمة
الرئيس الجزائري، لفت في المقابلة مع الأسبوعية الفرنسية الشهيرة، إلى وجود ثلاث مراحل مؤلمة، بالنسبة إلى الجزائر، خلال الحقبة الاستعمارية.
وقال: "بداية الاستعمار مع إبادة دامت أربعين سنة لقبائل عن بكرة أبيها، وقرى كاملة أبيدت ومحارق اقترفت. ثم أتت بعدها مرحلة النهب حيث صودرت أراضي الجزائريين لتوزع على الأوروبيين (المستوطنين)".
وأشار إلى "فظائع 8 مايو/ أيار 1945، حين سقط 45 ألف شهيد، ثم حرب التحرير (1954-1962) عندما حمل الجزائريون السلاح لتحرير البلاد".
وتقدر الجزائر عدد ضحايا الاستعمار الفرنسي بـ 5.5 مليون شهيد منذ 1830 إلى 1962، بينما يتحدث مؤرخون عن 9 ملايين شهيد، إذ مارس الاحتلال أبشع أنواع الإبادة، من تقتيل وتنكيل وإلقاء عشرات الجزائريين في نهر السين بباريس عام 1957.
كما تقدر الثروات المادية التي نهبتها فرنسا في السنوات الأولى للاحتلال بملايين الدولارات.
وأكد تبون أن "الاعتراف بهذه الأفعال مهم للغاية"، مضيفاً: "كل هذا لا يعني جيل الرئيس ماكرون، ولا جيل المثقفين الفرنسيين الذين لا لوم عليهم".
واستطرد قائلاً: "ما نريده هو تضميد جراح الذاكرة والاعتراف بها، لنخرج من خرافة أن الجزائر أرض مباحة جلب الاستعمار لها الحضارة".
وأضاف: "ليست فرنسا فولتير وفرنسا التنوير التي نحكم عليها، بل فرنسا الاستعمارية".
** تصريح منسجم
وبالنسبة إلى المحلل السياسي نور الدين بن براهم، فإن مطالبة فرنسا بالاعتراف الكامل من جانب الرئيس "منسجم مع ثوابت الشخصية الجزائرية والذاكرة المرتبطة بتضحيات ملايين الشهداء".
ويقول بن براهم لـ "الأناضول" إن "الرئيس تبون أثبت كجزائري وفاءه لتضحيات الرجال، وهو يتحدث باسم الجزائر بكل وضوح ومن دون أدنى تلميح".
ويلفت إلى أن الاعتراف جزء من الملف الكامل للذاكرة المطروح على طاولة البلدين، إلى جانب تسليم الأرشيف كاملا، ومعالجة مسألة التفجيرات النووية، واستكمال عملية استعادة الرفات والجماجم، وكذا بحث مصير المفقودين إبان الثورة التحريرية.
وبعد يوم واحد من تصريحات الرئيس تبون لمجلة "لوبوان"، استقبل وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) الجزائري الطيب زيتوني السفير الفرنسي لدى الجزائر فرنسوا غويات، بطلب من الأخير، بحسب بيان الوزارة، في لقاء بحث ملفات الذاكرة، من دون ذكر تفاصيل.
ووفق البيان ذاته، شدد زيتوني للسفير الفرنسي على الأهمية التي توليها الجزائر لملف الذاكرة (الفترة الاستعمارية)، معتبراً أنه لا يقل أهمية عن الملفات الأخرى في مجال التعاون بين البلدين.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.