Niger
انخفاض قيمة العملة النيجيرية (النَيْرَا) مقارنة بالعملات المرجعية (الدولار واليورو)، انطلاقاً من 20 يونيو/ حزيران الماضي، ألقى بظلاله على اقتصادات البلدان المجاورة، وخصوصا في كلّ من بنين وتشاد والنيجر، ممّن تربطها بأبوجا مبادلات تجارية هامة.
تداعيات تجلّت على كافّة الأصعدة، بحسب خبراء سواء على مستوى صادرات البلدان المذكورة نحو نيجيريا، أو فيما يتعلّق بالأنشطة التجارية لشركات صغرى أو لأشخاص يعتبرون النيجيريين على قائمة أبرز زبائنهم.
ففي النيجر التي تتقاسم مع نيجيريا حدوداً بطول ألف و500 كلم، تتجلى مؤشرات الأضرار الفادحة التي يسجلها هذا البلد جراء تراجع قيمة العملة النيجيرية، لكن يظلّ سكان المناطق الحدودية الأكثر تضرّراً، بما أنهم يستخدمون هذه العملة بشكل يومي ومكثّف.
علامات الخيبة والأسى بدت واضحة على وجه "خليفة سامباري"، بائع الماشية في السوق الأسبوعي ببلدة "تيرا" جنوبي النيجر.. فهو –كغيره من الناشطين في هذا المجال- يعاني من تراجع إيراداته بشكل كبير، رغم تزامن هذه الفترة مع قرب موعد عيد الأضحى، أو ما يصطلح على تسميته محليا بـ "تاباسكي"، والذي عادة ما يكون مناسبة لبيع الماشية عموما.
تراجع في العائدات أرجعه "سامباري" في حديث للأناضول، إلى ندرة المشترين النيجيريين، ما انعكس سلباً على السوق النيجرية وعلى مختلف الفاعلين فيها، مشيراً إلى أنه "مذ قرّرت السلطات النيجيرية خفض قيمتها المحلّية، لم تعد ماشيتنا تلاقي إقبالا يذكر".
موقف أيّده "عثمان يوسوفو"، وهو تاجر في مدينة "مرادي" النيجرية، متوقّعاً أن "تداعيات انخفاض قيمة النيرا النيجيرية ستكون له المزيد من التداعيات على الاقتصاد النيجري، من منطلق أن معظم الفاعلين الاقتصاديين من بلاده يعرضون ماشيتهم ومنتجاتهم الزراعية مثل اللوبيا (نوع من الفول) في نيجيريا".
استياءٌ يعم نفوس التجار المصدّرين لمنتجاتهم، غير أن واقع الحال يبدو مختلفاً تماماً لنظرائهم ممن يستوردون سلعهم من نيجيريا، فمع تراجع قيمة النيرا، انتعشت مخزوناتهم بكلفة منخفضة.
"نتمكّن حالياً من الحصول على سلعنا بأقل التكاليف"، يقول "مختار علي"، وهو تاجر شاب من النيجر، مضيفاً للأناضول، أنه يكثّف خلال هذه الفترة من ذهابه وإيابه من وإلى نيجيريا، لابتياع أدوات المطبخ والأحذية ومستحضرات التجميل وغيرها من السلع والمنتجات الاستهلاكية في النيجر.
ويضيف: "السلع التي كنا نبتاعها في السابق لقاء 5 آلاف فرنك إفريقي (ما يعادل حوالي 8.5 دولار)، أصبحنا نحصل عليها مقابل 4 آلاف فقط (6.8 دولار)".
بنين، هذا البلد الإفريقي الذي يصدر الأرز والزيت والمنتجات المجمّدة إلى نيجيريا المجاورة، لم يسلم بدوره من تداعيات انخفاض قيمة عملة البلد الأخير.
"مارسيل ميسينهون"، المختص الاقتصادي البنيني، قال في تعقيب له على الموضوع، إن أكثر من 75% من النشاط التجاري لبلاده يتمّ مع نيجيريا، لافتاً في تصريح له لمجلة "جون أفريك" إلى أن تراجع مبيعات بعض المنتجات التي كان يقبل عليها النيجيريون، أو تلك المستوردة من أوروبا عبر ميناء كوتونو (العاصمة الاقتصادية لبنين)، يعتبر أمراً بديهياً على المستوى التجاري.
تراجعٌ تجلّى بشكل واضح في سوق "سيمي" على سبيل المثال، الواقع على بعد نحو 20 كلم شرق كوتونو، والمتخصّص في بيع السيارات المستعملة والمستوردة، حيث أضحى من النادر العثور على تاجر نيجيري.
"حكيم أبو"، تاجر بنيني، لم تنجح نظراته الثابتة ونبرته الهادئة في إخفاء استيائه من تراجع مبيعاته، والذي يعتبر "نتيجة مباشرة لانخفاض قيمة النيرا"، على حدّ قوله، مضيفا للأناضول أن "حوالي 80 % من زبائنه كانوا يأتون من نيجيريا، غير أنهم عزفوا عن القدوم، في الوقت الراهن، جراء انخفاض النيرا".
من وجهة نظر متخصصة، أوضح الباحث في الاقتصاد الكلّي بجامعة "أبومي- كالافيه" في بنين، أن تراجع قيمة النيرا يندرج ضمن ديناميكية تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد النيجيري، لافتا إلى أنّ "نيجيريا تريد خفض وارداتها عبر الزيادة في صادراتها، وهذا ما لن يتحقّق إلا من خلال خفض قيمة عملتها".
وردّا على سؤال الأناضول حول الإجراءات المزمع اتّخاذها للتعامل مع ارتدادات انهيار "النيرا" على اقتصاد بنين، قال أحد كوادر وزارة التجارة في البلاد: "نحن مجبرون على التعامل مع تلك التداعيات، بما أن اقتصادنا مرتبط بشكل وثيق بنيجيريا، ولذلك، أعتقد أنه ينبغي علينا التعايش مع الأزمة، والأهم، البحث عن سبل الإفلات منها عبر إنعاش الاقتصاد".
المسؤول الحكومي الذي فضل عدم ذكر اسمه أوضح أن غزو أسواق إقليمية جديدة وتنويع الصادرات، يعتبر من بين الحلول الأخرى لمجابهة أزمة تراجع النيرا النيجيرية وانعكاساتها على اقتصاد بنين.
في تشاد أيضا، الوضع لا يقلّ سوءا، اقتصاديا على الأقل، حيث ألقى تراجع النيرا بظلاله على مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي للبلاد، بحسب شهادات متفرّقة للأناضول.
ووفق "غرفة التجارة والصناعة والزراعة والمناجم والصناعات اليدوية" في تشاد، فإن نيجيريا تعدّ الوجهة الأولى للتجار والفاعلين الاقتصاديين التشاديين.
رئيس الهيئة المستقلّة (الغرفة)، "أمير أدودو أرتين"، قال للأناضول إن "المبادلات التجارية بين البلدين قدّرت، في 2015، بنحو تريليون و600 مليار فرنك إفريقي (3.2 مليار دولار)"، مستدركاً أن حجم المبادلات سجّل، منذ يونيو/ حزيران الماضي، "انخفاضا ملحوظا"، دون ذكر أي إحصائيات دقيقة بهذا الشأن نظرا لعدم توفّرها حتى الآن، حسب قوله.
تراجع قيمة "النيرا" أثّر بشكل كبير على صادرات تشاد باتجاه نيجيريا، وخصوصا فيما يتعلق بالماشية، وفق المصدر نفسه، والذي لفت إلى أن "التجار التشاديين عاجزون عن تحمّل الفارق بين العملات".
ولمواجهة هذا الوضع والخروج منه بأقل الخسائر، بدأ عدد من التجار التشاديين بالتفكير في بدائل مثل مقايضة السلع.
ويأتي انخفاض قيمة العملة النيجيرية في وقت تشهد فيه أسعار النفط في الأسواق العالمية تراجعا أثّر بشكل كبير على الاقتصاد النيجيري المعتمد على قطاع النفط بنسبة 70 % بالنسبة للإيرادات، و90 % في ما يخصّ احتياطيات النقد الأجنبي، بحسب الأرقام الرسمية.
وفي مواجهة هذه الأزمة، قرر الرئيس النيجيري محمد بوخاري، في مرحلة أولى، التحكّم في سعر صرف عملة بلاده وتثبيتها في حدود 197- 199 للدولار الواحد، قبل أن يجيز، في 20 يونيو/ حزيران الماضي، تخفيض العملة المحلية، لتنهار الأخيرة أمام الدولار.
ففي التاريخ الأخير، تراوحت قيمة النيرا النيجيرية من 249 إلى 265 مقابل الدولار الواحد، في حين كانت تتراوح من 197 إلى 199 مقابل العملة نفسها أسبوعا واحدا قبل ذلك، وهو تراجع سرعان ما ظهرت تداعياته على الاقتصاد المحلي قبل أن تسري عدواه إلى اقتصادات البلدان المجاورة المرتبطة به. ـــــــــــــــأعدته للترجمة العربية: ليلى الثابتي
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.