بين الانخفاض والتحسن الطفيف.. مسيرة مترنحة لليرة السورية (تقرير)
فقدت الليرة السورية خلال الأشهر الأخيرة نحو 40 بالمئة من قيمتها أمام الدولار..

İstanbul
إسطنبول/ محمد مستو/ الأناضول
رغم التحسن الطفيف الذي طرأ على قيمتها خلال اليومين الماضيين، إلا أن الليرة السورية تواجه منذ شهور تراجعا لافتا.
وفقدت الليرة السورية خلال الأشهر الأخيرة نحو 40 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، وسط عجز يبديه النظام في إدارة تحركات الأسعار.
ولم يقف عجز النظام عن إعادة الليرة إلى سعر صرفها السابق، بل إنه كذلك يواجه عدم قدرة عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية العاصفة التي تمر بها البلاد.
وانخفضت قيمة العملة السورية إلى أدنى مستوى لها، في يوليو/ تموز الماضي، مسجلة رقما قياسيا جديدا حيث تجاوزت 13 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.
وحدث تحسن طفيف قبل يومين، ليبلغ سعر صرف العملة السورية حسب موقع "الليرة اليوم" الاقتصادي، نحو 12 ألفا للدولار الواحد.
إلا أن المراقبين الاقتصاديين يجمعون على أن هذا التحسن مؤقت، وستعود الليرة للانخفاض مجدداً كما حدث في مرات عديدة بالسابق.
ومنذ نهاية 2022، بدأ تدهور الليرة بشكل كبير، ما دفع البنك المركزي للنظام السوري بدءا من فبراير/ شباط الماضي، إلى إجراء خفض متواصل في سعر الصرف الرسمي لتتساوى مع قيمتها في السوق السوداء.
وتتخذ دول عملية تعويم لسعر الصرف، لتتساوى مع أسعار السوق السوداء في محاولة للقضاء عليها (السوق السوداء)، لكنه خيار يحتمل الفشل كذلك.
ومع انخفاض قيمة الليرة، انخفضت قيمة معدل الأجور في مناطق النظام لتصل إلى 8 دولارات شهريا، من متوسط 14 دولارا سابقا، فيما ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير من بينها المشتقات النفطية، تزامنا مع ارتفاع سعر الدولار.
وتسبب عدم قيام حكومة النظام بأية زيادة على الأجور، بآلاف الاستقالات وتسرّب كبير من العمل في القطاع العام، بحسب وسائل إعلام محلية.
وتعيش مناطق النظام السوري أزمة اقتصادية حادّة، تتمثل بنقص في مشتقات النفط وارتفاع معدلات الفقر إلى 90 بالمئة، وتوقف الإنتاج والصناعة، وعدم القدرة على توفير الكهرباء إلا لساعات قليلة باليوم.
يحيى السيد عمر، رئيس مركز ترندز للدراسات الاقتصادية أفاد لمراسل الأناضول، أنه "ومن خلال تتبع تاريخي لمسار الليرة السورية منذ عام 2011 حتى الآن، من الممكن ملاحظة أن تراجع قيمتها يتم على مسارين".
المسار الأول - بحسب السيد عمر- يتمثل في هبوط حاد بسعر الليرة، بحيث يحدث مرة كل عام، يليها استقرار، والمسار الثاني هو انخفاض تدريجي.
وأشار السيد عمر، أن الانهيار الحالي والذي حصل خلال الشهر الماضي، فقدت به الليرة 30 بالمئة من قيمتها والـ 10 بالمئة الأخرى كانت طيلة الشهور السابقة من العام الجاري.
وزاد: "من المتوقع أن يتوقف الانهيار خلال الأيام القادمة.. وأن تتابع مسيرة التراجع ولكن بشكل بسيط".
"عموماً وفي ظل استمرار الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية الحالية، ستستمر الليرة تفقد قيمتها، ولن يتغير المشهد ما لم تتغير هذه الظروف، والانفتاح السياسي لا يؤثر إيجابا على الليرة ما لم يرافقه انفتاح اقتصادي".
وفيما يتعلق بكيفية معالجة الوضع الحالي، أوضح السيد عمر، أن الحل هو معالجة أسباب الانهيار، والتي تعود لعدة أسباب، منها أسباب قديمة تتعلق بانخفاض الإنتاج وزيادة الاستيراد، وضعف الثقة بالليرة وارتفاع معدل الدولرة والمضاربات على الليرة.
وتابع: "وأسباب جديدة منها إخراج بعض المواد من منصة الاستيراد، والسماح للتجار باستيرادها بشكل شخصي دون المرور بالمؤسسات المالية، وهذا ما دفع التجار للاتجاه إلى السوق الموازية للحصول على الدولار، وهو ما يعني طلب مرتفع على الدولار".
وبالنسبة لقدرة حكومة النظام على معالجة هذه الأسباب، فهي بحسب السيد عمر، عاجزة عن ذلك، فهي مضطرة للسماح للتجار بالاستيراد بأنفسهم كونها باتت عاجزة عن تمويل المستوردات، إضافة لكونها لا تمتلك رصيد من الدولار لمواكبة الطلب عليه.
"كل هذه القضايا مرتبطة بوجود حل سياسي شامل للقضية السورية، وهو غير متاح على الأقل في الظروف الراهنة، لذلك من المتوقع استمرار تدهور الليرة، واستمرار سلبية المؤشرات الأخرى، كمعدل الفقر والبطالة والجوع وغيرها من المؤشرات".
الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم، قال إن الليرة السورية الآن تذهب إلى الأسوأ، "حيث بات يفقد الثقة بها كعملة للتداول ولو على النطاق المحلي".
وقال للأناضول: "الليرة لم تعد حتى قابلة لتداول السلع، بسبب انخفاض قوتها الشرائية، ولذلك فالمواطنين سيتجهون لزيادة الطلب على الدولار والعملات الأخرى، وخاصة في الصفقات التجارية الكبيرة والمتوسطة التي تشكل عماد الاقتصاد".
ولفت الكريم إلى أن الوضع سيزداد سوءا، بسبب صعوبة استخدام الليرة لتبادل السلع والخدمات ودفع الأجور.
وزاد: "لا يمكن للنظام معالجة انخفاض الليرة، لأن المعالجة تتطلب شقا سياسيا كبيرا، هو غير مستعد للقيام به، لذلك، سيواصل النظام استخدام القبضة الأمنية وأسلوب التنكيل بالتجار".
وتابع "الحلول بالنسبة للوضع للسوري، هي محاربة الركود التضخمي (ارتفاع الأسعار وسط ضعف في الطلب)، والسماح باستخدام الدولار في المعاملات ذات الحجم المتوسط والكبير، وإيقاف استيراد السلع الكمالية، وإعادة فتح سوق العقارات للتداول، لأنه سيتيح سحب كمية هائلة من السيولة النقدية وسيشجع المغتربين على الشراء".
وشدد على ضرورة السماح للمنظمات الإنسانية للعمل في سوريا دون شروط، وأن على النظام أن يفصح عن أمواله في الخارج واستخدامها في شراء السلع الأساسية التي يحتاجها لإعادة التوازن للسوق.
ومن بين الحلول كذلك - بحسب الكريم - قيام النظام بطلب قروض من الدول الأخرى مغطاة بالعملة السورية، بدلا من طباعتها، وتشجيع عودة المغتربين والاستثمار في البلاد، ودعم الزراعة بشكل يتكامل مع الصناعة، والعمل على رفع العقوبات على قطاع النفط.
وأعرب الكريم عن اعتقاده بأن النظام غير قادر على تنفيذ هذه الحلول، فهو لن يتمكن من إيقاف استيراد السلع الكمالية، كما لن يتمكن من الطلب على الافصاح على أموال أمراء الحرب في الخارج لأن النظام متورط بقسم كبير فيه.
وأكد الكريم أنه طالما أن الاقتصاد منهار لا يمكن لليرة أن تتحسن ولا يمكن أن تزداد القوة الشرائية للمواطن.