الصحراء تنتج سمكا في تونس !
قصّة تونسي يتحدى الطبيعة القاحلة لمنطقته ويقرر تربية الأسماك في تجربة لاقت بداية الكثير من السخرية قبل أن تتحوّل إلى مشروع

Tunisia
تطاوين ( تونس )/ هيثم المحضي/ الأناضول
في قلب الصحراء التونسية، وتحديدا بمحافظة تطاوين أقصى جنوبي البلاد، قرّر يحيى التُنكتي أن يجعل من الكثبان الرملية والجبال المترامية "بيئة" جديدة لتربية الأسماك.
الفكرة تبدو غريبة إلى حدّ كبير، بل إنها أثارت كما هائلا من السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين شاركها يحيى مع رواد تلك المواقع، ممن سخروا من تربية الأسماك في منطقة يبعد عنها البحر أكثر من 100 كم.
لكن إصرار الكهل التونسي على النجاح مكّنه من تحويل الصحراء إلى "أحواض" صغيرة تنمو فيها الأسماك، متحدّيا طبيعة المناخ القاحل والأحكام المسبقة المحبطة.
** سمك في أعماق الصحراء
على بعد نحو 120 كم من البحر، وفي قرية "تونْكت" الواقعة على بعد نحو 12 كم عن مركز محافظة تطاوين (جنوب شرق)، تنتصب أحواض متوسّطة في محيط منزل يحيى.
مشروع صغير أطلقه الخمسيني، العام الماضي، بقريته الواقعة بمنطقة صحراوية، وسط استغراب جميع من تتناهى إلى مسامعه فكرته، بل إن هناك الكثير من الناس، سواء في العالم الحقيقي أو الافتراضي على مواقع التواصل، من علّّقوا ساخرين من الفكرة.
وفي حديث للأناضول، قال يحيى: "لم يكن من السهل على الناس استيعاب فكرة تربية الأسماك وسط الصحراء، وقرب الجبال الجرداء".
وأضاف أنّ "إحدى الجمعيات المدنية (لم يسمّها) اقترحت عليّ فكرة إنجاز هذا المشروع٬ غير أني أبديت، في البداية، تخوّفي من نجاحه".
ورغم مخاوفه، قرّر يحيى المرور إلى المرحلة التنفيذية للمشروع، مستندا إلى دراسة جدوى منحته هامشا معتبرا من الربح والأمل.
يحيى لفت إلى أنّ "العديد من السكان سخروا مني عندما بدأت في تنفيذ المشروع٬ حتى أن الكثيرين منهم يسألونني كيف يمكن تربية الأسماك في هذه القرية الصحراوية، لكني أصررت على مواصلة المشروع ونجحت في تنفيذه أخيرا".
وكما تحدّى يحيى المناخ الجاف والطبيعة الصحراوية لقريته، تجاهل أيضا سخرية البعض وجزمهم بعدم نجاح مشروع مماثل في بيئة قاحلة، وجعل من المساحة المحيطة بمنزله الواقع على سفح جبل، مكانا لتربية الأسماك.
** دورات تدريبية
يحيى قال إنّ ابنه محمد (27 عاما) هو الذي يُشرف على تربية الأسماك، مستفيدا في ذلك من دورات تدريبية تابعها في محافظات مجاورة.
وبعودته إلى بداية المشروع، قال محمد للأناضول: "اكتملت الفكرة بذهني تدريجيا، قبل أن أقرر دعم معلوماتي بدورات تدريبية مكّنتني من الحصول على مكتسبات وخبرات في مجال تربية الأسماك".
وتابع: "عقب إطلاق المشروع، بدأنا بالإنتاج، أي تربية الأسماك، قبل أن نبدأ، قبل شهر من الآن، في بيع منتجنا".
وفيما يتعلق بمراحل تربية السمك، أوضح محمد: " قمنا، بداية، بشراء سمك صغير لا يتجاوز وزن الواحدة منه 5 غرامات، من شركة متخصصة بالمجال في جزيرة جربة (تابعة لمحافظة مدنين/ جنوب شرق)".
إثر ذلك، تبدأ رحلة محمد مع تربية الأسماك في أحواض مستطيلة بأبعاد لا يتجاوز طولها متر وعرضها 50 سنتيمتر، مزوّدة بصنابير لتزويدها بالمياه اللازمة.
واللافت في المشروع هو أن عملية تعديل حرارة المياه تتم بشكل طبيعي، أي دون معدّات خاصة بذلك.
وبسؤال محمد عن كيفية الحصول على الحرارة المناسبة لتربية الأسماك، قال إن النوع الذي يربيه يسمى "البلطي النيلي"، وهذا النوع من السمك يمكنه العيش في درجات حرارة مرتفعة.
وبالنسبة لمناخ صحراوي يمكن أن تبلغ فيه درجات الحرارة مستويات قصوى تتجاوز الـ 40 درجة مئوية، لفت إلى أن درجة حرارة الماء غالبا ما تكون، في الحالات الطبيعية، منخفضة عن حرارة الطقس، ويعمل على تعديلها في كل مرة بضخ مياه جديدة في الأحواض.
واليوم، أشار محمد أنّ المشروغ بلغ منذ نحو شهر مرحلة إنتاج السمك الصالح للاستهلاك، إضافة إلى توفير "صغار الأسماك المعدّة للنمو بدل شرائها" كما كان يفعل في بداية المشروع.
** "البلطي النيلي"
يُطلق على نوع الأسماك التي تربيها عائلة التونكتي اسم "البلطي النّيلي"، نسبة إلى نهر النيل.
وبالنسبة لمحمد، فإن هذا النوع من الأسماك يعيش وينمو في المياه الحلوة، وبإمكانه التأقلم مع درجة حرارة تفوق 18 درجة، ويتكاثر بشكل كبير ببلوغ درجة الحرارة 25" .
ووفق مختصين، يحتاج سمك البلطي درجة حرارة تتراوح بين 22 و 25 درجة مئوية، و في حال إنخفاض درجة الحرارة إلى 10 درجة مئوية، فإنها تصبح مهددة بالموت.
أما مفرخات البلطي، فتحتاج الى درجة حرارة بين 28 و 30 درجة مئوية.
ولمواجهة ارتفاع درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية، فإن زيادة منسوب الماء في الأحواض يساهم في تعديل حرارة الماء، ويدفع الأسماك الى القاع نتيجة للاختلاف درجات الحرارة على السطح.
وعموما، تستطيع أسماك البلطي تحمّل مدى واسع من الظروف البيئية، مثل الملوحة والأكسيجين الذائب ودرجة الحرارة والأس الهيدروجيني والأمونيا، مقارنة ببقية أسماك المياه العذبة المستزرعة.
وعلى مساحة نحو 150 متر مربع، تنتصب أحواض المياه أمام منزل يحيي، وفيها كميات مختلفة من الأسماك التي يتطلّب نموّها وبلوغها وزنا حدود 350 غرام، من 6 إلى 7 أشهر.
وطبقا لما تعلّمه خلال الدورات التدريبية التي تابعها، يقدّم محمد الطعام لأسماكه 5 مرات في اليوم، باستخدام مدخلات متنوعة مثل المخلفات الزراعية (النخالة، كحك الزيت، النباتات)، والأسمدة غير العضوية والأعلاف.
ويعرض أصحاب المشروع إنتاجهم للبيع لسكان المنطقة، ممن يقبلون على ابتياعها، نظرا لجودتها وطعمها المميز، وفق شهادات عدد منهم.
كما يستثمر يحيى الأسماك التي يربيها في تزويد مطعمه بكميات منه تستخدم وجبات مختلفة تقدّم للزبائن.
ومع أن الإنتاج لم يتجاوز، حتى الآن، 90 كلغ من السمك الصالح للاستهلاك منذ بدء الانتاج قبل شهر، إلا أن محمد بدا متفائلا بنجاح مشروعه، وتأمين كميات أكبر من السمك مستقبلا.
ويبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد من "البلطي النيلي" 12 دينار (ما يعادل نحو 4.85 دولار).
وبالنسبة لمحمد، فإن السعر "معقول للغاية"، خاصة أنه يوفّر على سكان محافظته مشقّة التنقّل لمسافات طويلة لابتياعه.
وختم محمد معربا عن أمله في أن يصبح مشروعه المزوّد الأول من هذا النوع من الأسماك لجميع فنادق المحافظة، وشركات الخدمات البترولية الناشطة في الصحراء التونسية.
وبلغ إنتاج تونس من الأسماك البحرية وتربية الأحياء المائية، في الأشهر الـ 7 الأولى من العام الجاري، نحو 72 ألف طن، مقابل 71 ألف في الفترة نفسها من 2016. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.